Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

صلف استعماري إسرائيلي يحاول فرض الوصاية... مهند عبد الحميد

صلف استعماري إسرائيلي يحاول فرض الوصاية... مهند عبد الحميد

  قالوا: إن القيادة الفلسطينية والمفاوض لا يمثلون كل الشعب الفلسطيني لأن قطاع غزة تحت حكم حركة حماس، وبمجرد سماع نبا الاتفاق على إنهاء الانقسام واحتمال استعادة وحدة الضفة مع القطاع قالوا: عليكم الاختيار بين صنع "السلام" مع إسرائيل أو الاتفاق مع "حماس" وقاموا بتجميد التفاوض الذي كان سينتهي يوم 29 نيسان.

 

وعندما سئلت حكومة إسرائيل مع بداية الثورات العربية لماذا لا تتفاوضون مع القيادة الفلسطينية من أجل التوصل الى حل سياسي قال النافذون في الحكومة إن أوضاع المنطقة غير مستقرة وغير مهيأة للحلول السياسية وإن الأولوية الإسرائيلية هي : إحباط السلاح النووي الإيراني.

ولما ذهب المفاوض الفلسطيني بضغط أميركي ودولي ساعياً الى "صنع السلام" مع إسرائيل تجاهل المفاوض الإسرائيلي نظيره الفلسطيني، ومضى بمفاوضة أحزاب الاستيطان والترانسفير على "صنع المستوطنات" ومضاعفتها بالبشر والوحدات السكنية وعلى تقويض مقومات الدولة الفلسطينية.

وعندما يدعو الاتحاد الأوروبي دولة الاحتلال للموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران مع تبادل للأراضي يكون الجواب الإسرائيلي انه بمجرد الانسحاب من الضفة ستقوم "حماس" بالسيطرة عليها وبتهديد امن إسرائيل وان السلطة غير قادرة على حماية الأمن عبر الحدود، لذا فإن إسرائيل مضطرة للبقاء في منطقة الأغوار وواقع الحال في الضفة الغربية.

وعندما تضامن الرئيس مع ضحايا المحرقة بصيغة لم يسبق لمسؤول عربي أن نطق بها. يرد عليه نتنياهو: إن هذا القول يهدف الى تضليل الرأي العام العالمي، ويجب على ابو مازن ان يختار بين التحالف مع "حماس" التي تدعو الى إبادة إسرائيل وتنكر وقوع المحرقة وبين السلام مع إسرائيل.

وعندما يطرح المفاوض الفلسطيني عودة اللاجئين وتطبيق القرار الأممي 194 يسرع زعماء إسرائيل للقول: سيعودون إلى أراضي الدولة الفلسطينية التي تنهبها المستوطنات ويمزقها جدار الفصل العنصري وتسرق مواردها من قبل دولة الاحتلال.

أما عندما ذهبت القيادة إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بفلسطين عضواً مراقباً وللدخول في المؤسسات الدولية وللانضمام إلى المعاهدات والاتفاقات الدولية قالوا: "إن الفلسطينيين لن يحصلوا على اي شيء إلا على طاولة المفاوضات، لكنهم لم يجدوا على طاولة المفاوضات غير الكلام، وفي فترة نتنياهو لم يجدوا غير الإملاءات والتفاصيل المملة والشروط التعجيزية. ان ردود الفعل الإسرائيلية والأميركية على اتفاق المصالحة تكشف الصلف الاستعماري الذي يحاول فرض وصاية مذلة على القرار الفلسطيني.

قبل اتفاق أوسلو قال الأوروبيون لن يحصل الفلسطينيون على حقوقهم المشروعة ما لم يعترفوا بقرارات الشرعية الدولية، ولن تستطيع دول أوروبا وكذلك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية من مساعدة الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير إلا إذا أقروا بالشرعية الدولية. وعندما بدأت المنظمة تقر بالشرعية الدولية قالوا : إن العنصر الأهم في الشرعية الدولية هو القرار 242 الذي يعترف بحق دول المنطقة والمقصود هنا إسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة ومعترف بها. استجابة لذلك اعترف المجلس الوطني دورة الانتفاضة عام 88 بكل قرارات الشرعية الدولية بما في ذلك قرار التقسيم وقرار 242 بأكثرية ساحقة وتحفظ أعضاء الجبهة الشعبية في المجلس الوطني على قرار 242 فقط.

غير ان الإدارة الأميركية اشترطت التفاوض مع منظمة التحرير بنبذ الإرهاب رسميا، ونبذ الإرهاب بالنسبة للإدارة الأميركية ودولة الاحتلال هو نبذ كل أشكال النضال العنيفة ضد إسرائيل، أما نبذ الإرهاب بالمفهوم الفلسطيني فكان يعني نبذ الأعمال التي استهدفت مدنيين داخل وخارج منطقة الصراع مثل عمليات خطف الطائرات وعمليات منظمة أيلول الأسود. لكن نص تصريح الرئيس الراحل ياسر عرفات حول نبذ العنف كان ملتبساً فقد قبلت به الإدارة الأميركية وفتحت الحوار الرسمي مع المنظمة ولم تقبل به إسرائيل. ما اود قوله هنا ان الأوروبيين والسوفيات نجحوا في تهيئة العامل الفلسطيني عبر الاعتراف بالشرعية الدولية، لكنهم أخفقوا ايما إخفاق في التأثير على الموقف الإسرائيلي الذي اعتاد على التذرع بالرفض الفلسطيني لقرارات الشرعية، واعتادت القيادة الإسرائيلية على ترديد مقولة: لم يضع الفلسطينيون فرصة لاغتنام الفرص إلا وأضاعوها" وكان ذلك بحسب الكاتب الإسرائيلي اوري افنيري السلاح السري الإسرائيلي. ويلاحظ ان الوسطاء والأصدقاء لم يحاولوا معاقبة إسرائيل على رفضها ولم يضغطوا عليها من اجل الاستجابة كما عاقبوا الفلسطينيين وضغطوا عليهم.

وعندما اغتنم الفلسطينيون كل الفرص ولم يضيعوا فرصة واحدة وبالغوا في اعتدالهم ومرونتهم انتهى الفيلم، فالصراع أعمق وابعد من مرونة وتشدد او قبول ورفض، بل هو مصالح وموازين قوى ومطامع كولونيالية وتحرر شعوب.

التناقض بين تحرر شعب ومطامع كولونيالية لا يحل بتراض طوعي لقطبي الصراع، فلم يتراجع الاستعمار القديم إلا ضمن معادلات دولية وإقليمية ومحلية، وضمن حراكات وتحولات داخل البلدان المستعمِرة، وضمن مبدأ الخسارة والربح، وإذا اردنا ان نطبق ذلك على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ما بعد اوسلو فقد تعاظمت المكاسب الإسرائيلية من غير تطبيق الاتفاق وصولا الى مراحله النهائية، وكان من المنطقي ان تراوح دولة الاحتلال في المرحلة الأولى من اتفاق أوسلو لطالما ان أرباحها تتعاظم مقابل ازدياد الخسائر الفلسطينية.

اثنتا عشرة دولة عربية أقامت علاقات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل، الدول المانحة تدفع الكلفة نيابة عن الاحتلال، الاستثمار في إسرائيل تضاعف، ونهب الأرض الفلسطينية والاستثمار في الاستيطان وفي القدس يبلغ أوجه.

إغراءات شديدة دفعت دولة الاحتلال نحو الانتقال الى مستوى ثان من الخداع والتلاعب. وضعت إسرائيل الشرعية الدولية خلف ظهرها وبدأت في مسلسل ملاءمة الوضع الفلسطيني مع احتياجات الكولونيالية الإسرائيلية. تعميق السيطرة على الموارد وضمان النهب والتمييز العنصري وما يقتضيه ذلك من الاعتراف بيهودية الدولة وبقاء السيطرة على الأغوار، وشطب قضية اللاجئين، وضم القدس ووضع الشعب في قبضة محكمة.

ثمة ضغوط أميركية وعربية وغربية لدخول القيادة الفلسطينية الى هذا الطور المدمر، ضغوط كثيرة وإغراءات قليلة، لكن الأمر يتوقف على الموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي الذي لم يجتز منطقة الحسم. ما بقي قوله فيما لو تورط المستوى السياسي -برضاء أو بسكوت شعبي وبمعارضة هشة – الى المستوى الجديد من التدجين المترافق مع صناعة وقائع جديدة، لو قبلت المعارضة والموافقة ومعهما الشعب بالشروط الإسرائيلية الأميركية فإن إسرائيل ستنتقل الى مستوى ثالث ورابع إلى ان يتسنى لها تصفية القضية الفلسطينية. لذا فإن الخروج من هذا المسار هو المهمة الوطنية التاريخية التي لا غنى عنها، ومهما كان الثمن كبيراً فإنه لا يقارن بخسارة القضية برمتها.

لقد عبر شاعرنا الكبير محمود درويش عن حالة الفلسطيني في البدايات والتي لا تزال تنطبق على اللحظة الراهنة حين قال:

وضعوا على فمه السلاسل/ ربطوا يديه بصخرة الموتى، وقالوا أنت قاتل / أخذوا طعامه والملابس والبيارق/ ورموه في زنزانة الموتى وقالوا انت سارق /طردوه من كل المرافئ/ أخذوا حبيبته الصغيرة ثم قالوا: أنت لاجئ.