بقلم / سامر العريفه
الثوار لا يموتون، بل يخلدون التاريخ، هم يرسمون معالم مرحلة جديدة على طريق النصر، وكما عادتها، تأبى جنين إلا أن تكون على موعد مع ملحمة جديدة تُكتب بالدم على طريق الحرية والعزّة والكرامة.
جنين والضفة وكتائبها المقاتلة المتجذرة في تراب الوطن، هم فرسان الاشتباكات وملبّو النداءات، الحاضرون أبداً في ميدان القتال والدفاع عن كل ذرة تراب من أرض فلسطين، مهما أوغل العدو في الدم الفلسطيني، ومهما عظمت التضحيات وسالت الدماء وهُدّمت البيوت والمساجد، وجُرّفت الطرقات، ستضيق على المحتلين أزقة المخيم شيئاً فشيئاً إلى أن يُعلن اندحاره واندثاره عن جنين ومخيمها.
أكثر من 1000 جندي في جيش الاحتلال بينهم الوحدات الخاصة، محصّنون بالآليات والجرافات والجيبات العسكرية، تعلوهم الطائرات بكل أنواعها ليرصدوا بضعة مقاتلين محصّنين ببنادقهم وإيمانهم بحقهم وتوكلهم على الله، وبسواعدهم الصلبة وهاماتهم المرفوعة يستبسل الفرسان من كتيبة جنين في ميدان القتال، هو مشهد يعيد للأذهان من جديد أحداث ملحمة جنين في العام 2002، وذكريات الشهيد القائد محمود طوالبة ورفاقه الشهداء، مروراً بالشهيد القائد جميل العموري مؤسس كتيبة جنين و"مجدّد الاشتباك"، ومن سبقهم ورافقهم وسار على خطاهم من بعدهم من الشهداء المجاهدين، في مواكب العزّة والكرامة، لتشكل تلك الملحمة كما الاشتباك الأخير، نقطة فارقة في تاريخ الصراع المتواصل مع المحتل، الذي عجز عن كسر شوكة المقاومة لاسيما في مخيم جنين الذي لا تتجاوز مساحته الكيلو متر مربع الواحد.
إن جنين ومخيمها، حاضنة الثورة والجهاد والمقاومة، لتؤكد اليوم كما في كل مرة، بأن المد النضالي والثوري مستمرّ مهما تعاظمت التضحيات، تلك جنين التي لبّت نداء الجهاد والمقاومة، وخلال معركة "سيف القدس"، لتعلن على لسان الشهيد القائد المؤسس جميل العموري، "النفير العام" نصرة لغزة وأهلها، وتأكيداً على وحدة الجغرافيا والدم الفلسطيني ووحدة كل ساحات المواجهة والقتال والتصدي للمحتل. وكانت جنين وستبقى كما في كل معركة عصيّة على الانكسار.
لقد شكلت كتيبة جنين وحتى يومنا هذا كابوساً أرّق جيش الاحتلال بكل وحداته الخاصة وأذرعه العسكرية، فامتلك مقاتلو الكتيبة زمام المبادرة وانطلقوا في ميدان القتال بكل عزيمة وثبات وإصرار. وشكلت جنين وكتيبتها الدرع الحامي الذي يسيّج فلسطين، ومعها كل الكتائب المقاتلة في نابلس وطولكرم وأريحا وكل بقعة من تراب الوطن، تلك الكتائب التي استمدت الفكرة والعزيمة وروح المواجهة ومقارعة المحتل من جنين ورجالها الذين يستبسلون في ميدان القتال بكل عزيمة وصبر وثبات. ورغم كل الحشود العسكرية لجيش الاحتلال المدعومة براً وجواً بالآليات والطائرات، ورغم كل الدماء والخراب الذي لحق بمخيم جنين، وارتقاء عدد من الشهداء والجرحى بينهم أطفال، يعجز الاحتلال عن تحقيق أي "نصر" موهوم ومزعوم على بضعة مقاتلين محصنين بالبنادق والعبوات الناسفة، حيث حقق مقاتلو الكتيبة إصابات مباشرة في صفوف العدو، وإعطاب عدد من آلياته العسكرية التي حاول طمأنة جنوده بأنها محصّنة! ولكن دون جدوى. ومن داخل المخيم يخرج المقاتلون من بين الركام ليبثوا الطمأنينة في نفوسنا مؤكدين بأن "الوضع المعنوي والتسليحي مازال بخير وأنهم يعملون وفق خطة تراعي فارق الإمكانيات بينهم وبين العدو"، مطلقين التحدي مع المحتل أن "يعلن عن حجم خسائره الحقيقية" على أرض المعركة المتواصلة، وأن هناك إصابات مؤكدة في صفوف جيش الاحتلال ناهيك عن إعطاء جيب عسكري وعدد من الآليات، وإسقاط 4 طائرات مسيّرة بسواعد مجاهدي كتيبة جنين في سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، ومعهم كل رجال المقاومة من الكتائب المقاتلة، وهو ما أفقد العدو اتزانه في الميدان وجعله يلجأ إلى تهجير الأهالي عمداً عن مخيم جنين، بهدف إحداث المزيد من الخراب والدمار متبعاً بذلك "سياسة الأرض المحروقة"! بعد فشله وعجزه عن تحقيق أي أهداف حقيقية في عدوانه ومجازره المتواصل داخل جنين.
وكما كان متوقعاً أشعلت جنين جبهة الضفة من جديد، وامتد ميدان الاشتباك والمواجهة في أكثر من مدينة وبلدة، وتم استهداف جنود الاحتلال في أكثر من نقطعة عسكرية، وصولاً إلى ما كان يخشى منه العدو، حيث بدأت أولى بشائر الرد على جرائم الاحتلال في عملية دهس بطولية في "تل أبيب" أوقعت عدة إصابات من المستوطنين.
ووسط كل ذلك خرج الإعلام العبري ليقرّ بـ"فشل العمليات السابقة والحالية في جنين" وأنه "لو كانت العمليات العسكرية السابقة للجيش الإسرائيلي في جنين ناجحة، لما احتاج إلى العملية الحالية"، وذكّر معلّق الشؤون العربية في "القناة الـ12" العبرية، إيهود يعري، بفشل العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة، كعملية "السور الواقي" التي شنّها جيش الاحتلال في آذار/مارس 2002، في جميع أنحاء الضفة الغربية، والتي قتل فيها 19 جندياً إسرائيلياً، وأشار يعري أيضاً إلى فشل عملية "كاسر الأمواج" (عام 2022)، مضيفاً أنّ العملية لم تمنع تطوير صناعات عسكرية في جنين، فلو نجحت "كاسر الأمواج" فعلاً، لما كان هناك مبرر الآن لتنفيذ هذه العملية في جنين. وأكّد أنّ "العملية الجارية اليوم في جنين، لن تنهيَ إرث مخيم اللاجئين، كمكان يحتضن العمليات العسكرية" ضد جيش الاحتلال. فيما قال معلق الشؤون العربية في "القناة الـ13" العبرية، تسفي يحزقلي، أن "العملية العسكرية ضد جنين لن تغيّر قواعد اللعبة"، مشيراً إلى أنّ شبّان المخيم لديهم ثقافة الجهاد، كما أنّ لديهم تكنولوجيا متطوّرة. فيما أشار محللون عسكريون إسرائيليون إلى أنه "ليست هناك من ضمانات بأن العملية الحالية سوف تمنع وقوع المزيد من الهجمات لاسيما انطلاقاً من جنين".
ووسط كل ذلك تقف غزة على أهبّة الاستعداد، ورجالها يدهم على الزناد، يراقبون عن كثب استبسال رجال الله في جنين، مؤكدين بأنهم لن يسمحوا للعدو الاستفراد بهم وبأهلنا في جنين، وأن غزة حاضرة في الميدان للدفاع عن وحدة ساحات المواجهة إذا ما حاول العدو الإيغال أكثر في الدم الفلسطيني.
رغم كل ما يحصل ورغم العدوان والمجازر المتواصلة في جنين وكل الضفة وغزة، لن يتمكن العدو من تحقيق أي من أهدافه، وسيفشل في عزل رجال المقاومة وكتائبها عن الحاضنة الشعبية، ولن يحقق أي إنجاز يُذكر لاسيما ما يتعلق بمعركة "كيّ الوعي"، ولن يتمكن في يوم من الأيام من تزييف وقلب الحقائق التاريخية أو "كي الوعي العربي الجمعي" وستبقى "إسرائيل" هي العدو الأوحد والأول والأخير للموروث العربي الشعبي الأصيل، وستبقى فلسطين هي القضية الأولى للشعوب العربية شاء من شاء وأبى من أبى، وأختم بقول للمؤرخ اليهودي شلومو ساند في كتابه "اختراع الشعب اليهودي" حيث يقول: "اليهودي ينام في إسرائيل وخنجر موته في بطنه"؛ أي أنه ينام ويستفيق كل يوم مذعوراً وهو يتوقع بأن يأتي صاحب البيت أو الأرض ليسترد حقه، هذا الشعور عند المستوطنين المحتلين لأنهم يدركون جيداً بأنهم غرباء محتلون لا حق لهم في فلسطين، وأن شعبها حتماً سيعود، ولايزال في جعبة أبناء شعبنا ورجال المقاومة الكثير مما يسوء العدو ويربك حساباته.