قبل أيام صدر تقرير عن الوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، يتحدث عن 15 لاجئ فلسطيني قضوا جوعاً في مخيم اليرموك جنوبي العاصمة السورية دمشق. والشهر الفائت صرّح المفوض العام للأونروا فيليبو غراندي،
بأن الوكالة غير قادرة على إيصال المساعدات إلى داخل المخيم بسبب المعارك الدائرة هناك، في إعلان شبه رسمي عن العجز في أداء الدور المنوط بها كمنظمة خاصة بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين. لم يتابع غراندي كلامه لتقديم حلول تساعد العشرين ألف لاجئ فلسطيني الباقين داخل اليرموك، لكنه حمّل المسؤولية القانونية والإنسانية للحكومة السورية وقوات المعارضة، في محاولة منه لرفع المسؤولية عن منظمته التابعة للأمم المتحدة، وكأنها غير مسؤولة، مسؤولية تاريخية، عن استمرار مأساة هؤلاء اللاجئين بعد خمسة وستين عاماً على نكبتهم. اللاجئون الخمسة عشر الذين قضوا جوعاً في المخيم المحاصر، ارتفع عددهم، باستشهاد ستة آخرين، أصابهم الجفاف من نقص الغذاء، المواد الضرورية للحياة، كالمواد الطبية اللازمة لإنعاش مثل تلك الحالات.
ها هنا تقع المسؤولية على عاتق الأونروا، وعلى أبناء جلدة اللاجئين الذين لم يكونوا بأفضل حال منها بأساليب التنصل من المسؤولية. هؤلاء الأخيرون، من منظمة التحرير الفلسطينية إلى فصائل التحالف، قدموا مبادرات، ولم يتمكنوا من إنقاذ شيء، لا بل فاقموا الأزمة حين أصبحت معركتهم السياسية تقدم من خلال مبادرة للمنظمة أو التحالف، دون أن يتمكن أحد «الطرفين» من الحصول على شيء مهم يمكن إنقاذه من الحريق الذي يأكل كل شيء في سوريا، ولا سيما مخيم اليرموك.
«ياما جاب الغراب لأمو»، أو حسب مقولة أخرى «تيتي تيتي متل ما رحتي متل ما جيتي».
فتلك الخلافات، رغم محاولة التعتيم عليها، باتت واضحة ومعلنة، بتعابير هنا وأخرى هناك، والهدف لدى الطرفين، تحصيل مكاسب سياسية. ربما لتمثيل الفلسطينيين في سوريا بعد انجلاء الأزمة، وإمساك زمام أمور تلك الأقلية الوطنية في البلاد.
خلال الأيام الأخيرة الماضية، وُقِّعت مبادرة جديدة مع المعارضة المسلحة داخل مخيم اليرموك، بتوافق بين فصائل المنظمة والتحالف هذه المرة. تقضي هذه المبادرة بخروج المسلحين من داخل اليرموك، وإدخال المواد التموينية إلى المخيم، وتمهيد الأجواء لعودة الأهالي والحياة الطبيعية إليه.
أصدرت إثره الرئاسة الفلسطينية بياناً دعت فيه كافة الأطراف إلى تسهيل دخول المواد التموينية إلى مخيم اليرموك في سوريا، لإنقاذ حياة سكان المخيم (بعد قرابة خمسة أشهر من إغلاقه تماماً). ودعا البيان أيضاً الأطراف التي تعرقل وصول هذه المساعدات إلى العمل الفوري على إدخالها، وسمى البيان مخيم اليرموك «مخيم الصامدين».
لاحقاً، أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تعليماته لإرسال خمس آلاف وحدة غذائية إلى المخيم، حيث إن كل وحدة ستكفي عائلة مكونة من خمسة أفراد لمدة ثلاثة أسابيع، وذلك حسب عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة أحمد مجدلاني. وتابع مجدلاني القول إن الجهود الفلسطينية في مخيم اليرموك تسعى إلى التوصل إلى اتفاق دائم يشمل جميع المخيمات والجمعيات التي فيها فلسطينيون داخل سوريا.
وذكر أن اللجنة التنفيذية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية اتخذت قراراً يقضي بإرسال مليون دولار شهرياً، كمساعدات تقدم مباشرة للذين أجبروا على النزوح من المخيمات داخل سوريا أو خارجها.
ولأن الفلسطيني في سوريا يشكل أقلية (600 ألف لاجئ)، فمن حق تلك الأقلية أن تشعر بالخوف من مستقبل بات غير واضح، ولا تبدو فيه أوضاع المخيمات راجعة إلى ما كانت عليه، وخاصة أن المعارك في البلاد ما زالت مستمرة، إضافة إلى أن القضية الفلسطينية محرك فاعل في السياسة. فالمعركة ما زالت مفتوحة مع الاحتلال الإسرائيلي، ومسألة التسوية أو الحل النهائي مع المحتل معلقة بسبب عدة ملفات شائكة، منها قضية اللاجئين الفلسطينيين، رغم استمرار العملية التفاوضية.
صحيح أن ما يحدث في مخيم اليرموك يكشف عورة «الأونروا»، ويعري دورها الوظيفي كغطاء دولي لجريمة اغتصاب أرض اللاجئين المسؤولة عنهم، ولكنه يبيّن أيضاً مدى هشاشة الحالة السياسية الفلسطينية، وتحديداً في سوريا، التي كان وضعهم فيها كأي مواطن سوري «إلا شوي».
هذه هي الحقيقة، كنا فيها أيضاً كأي لاجئ «إلا شوي كمان»، هذه الـ«إلا شوي»، هي إشكالنا. فالسياسة الفلسطينية تركتنا كلاجئين، ولم يعد لها دور بيننا، وذلك بسبب الاستقرار الذي كنا ننعم به في سوريا، وتركتنا كمواطنين حيث لا شأن للفصائل «العظيمة»، بالمواطنين السوريين.
يدرك المتابع للشأن الفلسطيني عدم أداء الفصائل دوراً كبيراً بأوساط اللاجئين في سوريا، فخلال ثلاث سنوات تقريباً من عمر الأزمة، لم يجد الفلسطيني السوري من يتكل عليه، أو يشعره بأنه يمثله، ومن يريد الحديث باسمه، من كافة الأطراف من أجل حل أزمته، إن استطاع، فعليه أن يفكر بغد الفلسطينيين في سوريا، بعد كل ما يحدث في البلاد، وكل ما ستحمله الأيام، لهم.
عليه أن يقدم صك ثقة، على الأقل بالإجابة عن تساؤلات المصير في بلد تأكلها الحرب، والمجتمع الدولي لا يريد لتلك الحرب أن تتوقف، والمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي مستمرة، وواحدة من قضايا الحل النهائي ستوقفها مرة أخرى، وهي قضية اللاجئين. فهل من إجابة لدى أحد المسؤولين الفلسطينيين، كي يحظى بشرف التمثيل؟ في الانتظار... يموت أهل اليرموك جوعاً.