Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

نزوح ومعاناة.. ومأساة تتجدد... سامر العريفه

نزوح ومعاناة.. ومأساة تتجدد... سامر العريفه

اللاجئون الفلسطينيون من سوريا إلى لبنان نزوح ومعاناة.. ومأساة تتجدد   لقد كانت رحلتي من منطقة بئر حسن إلى مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في بيروت، طويلة للغاية برغم قصر المسافة بينهما. أخذت تتواردني الأفكار عن أحوال أولئك النازحين من أهلنا من سوريا إلى لبنان وأحوالهم وكيف يتدبرون أمرهم،

والذين توزعوا على مناطق ومخيمات عدة كانت لمنطقة صيدا حصة الأسد منها حيث استقبلت 16087 لاجئاً، بحسب إحصاءات صادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان "الأونروا".

في شاتيلا صورة حيّة عن معاناة اللاجئين الذين ضاقت زواريب المخيم المعتمة بهم، كما ضاقت مساحته الصغيرة بقاطنيه، ليضطر السكان إلى التمدد عمودياً ليصل الأمر إلى ست طبقات من دون أن تؤخذ المعايير الهندسية في الحسبان. وها هو اليوم يفتح حضنه الدافئ برغم ضيق مساحته واكتظاظ سكانه لاستقبال المزيد من النازحين الفلسطينيين من سوريا في ظل ظروف معيشية أقل ما يقال فيها بأنها مأساوية وصعبة للغاية.

فور وصولي توجهت إلى أماكن تواجد النازحين مستعيناً بأحد الأصدقاء القدامى في المخيم ليرشدني إلى حيث مقصدي، وهناك كانت الصورة تتكلم عن نفسها ولا تحتاج إلى الكثير من الوصف والتشبيه؛ منازل غير صحية، وغرف ضيقة احتوت كل منها على عائلة كاملة، في ظل أزمة خانقة في الكهرباء والماء، مع قدوم فصل الشتاء والبرد القارس، وغياب وسائل التدفئة اللازمة في ظل الانقطاع المتكرر للكهرباء ووجود تقنين قاسٍ على المخيم، بل ومع قلة الأغطية والفرش الكافي في صفوف النازحين.

هناك التقيت بالحاجة "أم جمال" امرأة في الثامنة والستين من عمرها ارتسمت على وجهها تجاعيد من زمن النكبة، حيث تستلهم "أم جمال" النازحة عن سوريا ملامح نكبة جديدة حلت بالشعب الفلسطيني، تقول: "ما بقالنا شي لا بيوت ولا محلات ولارزق خسرنا كل شي يا ابني، كنا عايشين بسوريا ومبسوطين على أمل أنه نرجع بيوم على فلسطين، ليش هيك صار ما حدا بيعرف، الله يسامح اللي كان السبب".

أما "أبو ناجي" والذي برغم عدم تقدمه في السن إلا أن سنواته السابعة والأربعين تدل على وجود حزن وقلق شديد ارتسم على وجهه وعينيه الغائرتين، جراء تردي الأحوال مع تفاقم البطالة في صفوف النازحين، فالفلسطيني المقيم في لبنان والذي وُلِد أصلاً فيه محروم من مزوالة العديد من المهن، فكيف باللاجئ النازح من سوريا. يقول "أبو ناجي": "وضعنا صعب كثير، والحالة لورى، البطالة كبيرة وما في أشغال، احنا بنطالب بأنه يصير فيه حل بسوريا حتى نرجع لبيوتنا، وإن كانت مهدمة بإذن الله بنرجع بنبنيها، احنا بنعتبرها وطنا المؤقت لحين العودة إلى فلسطين الحبيبة، بعدين بسوريا كنا عايشين ومرتاحين وما عنا هموم معيشية واجتماعية".

لقد أعاد مشهد النزوح الفلسطيني من سوريا إلى لبنان قسراً بسبب الصراع الدائر هناك بين قوات الجيش السوري والمعارضة المسلحة، أعاد فتح الباب من جديد على الجرح الفلسطيني النازف منذ نكبة 1948 والذي اضطر في حينه الفلسطينيون من آباء وأجداد إلى الهجرة خارج فلسطين بفعل ما ارتكبته عصابات القتل الصهيونية على مدى أعوام طويلة سبقت حتى النكبة بسنوات وتلتها، ليستقروا في دول عربية وإسلامية عدة وأخرى غربية.

وكان لسوريا نصيب كبير من هذا اللجوء الفلسطيني حيث استقبلت ما يقارب النصف مليون لاجئ كانوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي حيث يتمتعون بكافة الحقوق المدنية والاجتماعية وحتى بعض الحقوق السياسية، ويعيشون في ذلك الحضن العربي الذي افتتح لهم أبوابه بشكل آمن، إلى حين اندلاع المعارك واشتدادها في سوريا مع حلول العام 2011.

وتشير الإحصاءات اليوم والصادرة عن "الأونروا" في لبنان، إلى أن عدد الذين اضطروا من اللاجئين الفلسطينيين للنزوح من سوريا إلى لبنان بلغ 50786 لاجئاً حتى تاريخ 22 تشرين ثاني/ نوفمبر 2013، بواقع 14961 عائلة، وبالتأكيد فإن هذه الأرقام مرشحة للزيادة بانتظار الإحصاءات الجديدة مع نهاية العام الحالي وبداية العام 2014.

أما عن مطالب النازحين الفلسطينيين في لبنان فهي كثيرة من الإيواء اللائق إلى السلة الغذائية الشهرية والاستشفاء (لاسيما العمليات الجراحية) إلى التعليم ومطالب أخرى. وفي هذا السياق وللوقوف على مطالب النازحين التقينا مسؤول بيروت في اللجنة العليا لمتابعة شؤون اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سوريا إلى لبنان الأستاذ محمود السرساوي. والذي أضاف إلى ما سبق من مطالب وجود استحقاق يتعلق بـدفع رسوم بدل الإقامة حيث لا يعامل النازح الفلسطيني معاملة النازح السوري فالأول يعتبر سائحاً في لبنان وعليه دفع بدل إقامة بتكلفة 200$ عن الشخص الواحد، وهو ما يمكن أن يشكل عبئاً إضافياً في ظل ضيق الأحوال الاقتصادية وعدم قدرة النازحين على دفع مثل تلك التكاليف.

ويتابع السرساوي قائلاً: "لا نستطيع تأمين مثل تلك المبالغ لذلك فالمطلوب اليوم من الأونروا أن تتدخل لدى السلطات اللبنانية إما لإعفاء النازحين من تلك الرسوم، والتي تراكم أعباءاً إضافية عليهم مع عدم قدرتهم على تسديد تلك المبالغ، أو أن تقوم الأونروا بدفع تلك الرسوم علن النازحين"..

ويقول: "والمتطلبات لا تقتصر حدودها فقط على الأونروا بل مطلوب من القوى والفصائل الفلسطينية ومن منظمة التحرير الفلسطينية أخذ دورها وتحمل المسؤوليات إلى جانب الأونروا، كما على المؤسسات الدولية والمنظمات المدنية غير الحكومية أن تتدخل في مساعدة هؤلاء النازحين باعتبار ذلك جزء من مهمتها كمنظمات إغاثية وإنسانية".

ويؤكد السرساوي بأن: "هذه المطالب لا تلغي بالتأكيد المطلب الأساسي والتاريخي والمتمثل بحق العودة للشعب الفلسطيني إلى وطنه المغتصب فلسطين".

ويختم حديثه بالقول: "تحيل هذه الصورة في مآل مشهدها الراهن إلى أن الفلسطيني كما يبدو يبقى إما راثياً أو مرثياً في صعوده نحو الجلجلة وخروجه من قوس الرثاء والألم ما يستدعي وقفة حقيقية مع الذات الفلسطينية أولاً ومع مسيرة هذا الفلسطيني منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية، وهو ما يتطلب بالتالي إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني بما يستجيب مع متطلبات الراهن وغايات المستقبل".

ولايزال القادم من الأيام يكشف عن صور جديدة من معاناة النازحين الفلسطينيين من سوريا إلى لبنان والذين يحملون حلم العودة معهم أينما حلوا حالهم كحال جميع أبناء دول الشتات الفلسطيني. بانتظار ما ستكشف عنه مآلات الصراع الدائر في سوريا وأي أفق للحل يتم الحديث عنه حالياً، فاللاجئين في سوريا لا ناقة لهم ولا جمل بكل ما حدث ويحدث سوى أنهم ضحايا يدفعون أثماناً باهظة لذلك المكوث المؤقت في سوريا وغيرها من دول الشتات.