جاد الله صفا أعلنت سلطة الحكم الذاتي أن عدد المستوطنين بالضفة الفلسطينية وصل إلى 620 ألف مستوطن، كما أكدت مصادر فلسطينية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت 480 فلسطينياً خلال شهر آذار،
ووصل عدد الشهداء إلى 8 سقطوا برصاص الاحتلال باغتيالات جبانة تعبر عن حقيقة هذا الكيان المجرم، كما تواصل الجماعات الصهيونية بالاقتحامات المتلاحقة للمسجد الأقصى يرافقها قرارات تهويدية للعاصمة الفلسطينية، كما أعلن الكيان الإسرائيلي خلال الأيام الماضية على استكمال بناء جدار الفصل العنصري الذي بدأ بعهد الصهيوني شارون.
إن تصعيد الكيان الإسرائيلي لجرائمه وسياساته وإجراءاته داخل فلسطين، لم تقتصر على منطقة واحدة وإنما تشمل عموم فلسطين، بالنقب والجليل والضفة والقدس وغزة، يمارس نفس السياسة التي تهدف إلى التصفية الشاملة للقضية الفلسطينية مستغلاً الواقع العربي والدولي المنحاز إلى الكيان الإسرائيلي، حيث الأحداث العربية وما تشهده الدول العربية من حروب وصراعات وتبعية كاملة للإدارة الأمريكية، ساهمت فعلياً بتراجع القضية الفلسطينية باهتمامات الحكومات العربية وكافة الشعوب العربية بما فيها الشعب الفلسطيني بتلك الدول حيث أصبح شأن قطاعات واسعة يهمها استمرار هذه أو سقوط تلك الحكومة بتلك الدولة العربية أو غيرها، أما على الصعيد الدولي فكان لفوز دونالد ترامب، ووصوله إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ومواقفه التي صرّح بها تجاه الكيان الإسرائيلي والصراع بمنطقة الشرق الأوسط، كلها جاءت لتطلق العنان للكيان لتصعيد إجراءاته بحق الأرض والإنسان الفلسطيني.
من خلال آلته الإعلامية يسعى الكيان الإسرائيلي إلى تضخيم الإمكانيات والقدرات العسكرية عند فصائل المقاومة، كذلك لدى حزب الله وبعض دول الجوار والدول الإقليمية بالمنطقة، من أجل تبرير أي عدوان يشنه داخل أو خارج فلسطين ولتبرير جرائمه، علماً أن كل الدول الغربية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية ترسخ كل إمكانياتها وقدراتها العسكرية دفاعاً عن هذا الكيان وتفوقه الدائم على كل دول المنطقة مجتمعه.
وأمام حالة الضعف والتراجع التي تشهدها الحالة العربية والقضية الفلسطينية نتيجة الحروب الداخلية والطائفية والخلافات العربية - العربية، يسعى الكيان الإسرائيلي إلى خلق وقائع جديدة على الأرض الفلسطينية التي ترسخ وتعزز مشروعه الاستيطاني على حساب الشعب الفلسطيني، وتضييق الخناق واتخاذ إجراءات تمهد إلى تفريغ الأرض من سكانها وتزوير الحقائق والتاريخ، فقرار الحكومة ببناء مستوطنة جديدة على أراضي الضفة الفلسطينية، تأتي لتؤكد على استمرار سياسة هذه الكيان بجوهر سياسته القائمة على سلخ الأرض من أصحابها الشرعيين ترافقها سياسة القتل اليومي والاعتقالات المستمرة.
رغم قرار مجلس الأمن الأخير والذي أدان الاستيطان الإسرائيلي، إلا أن هذا غير كافٍ إن لم تكن هناك سياسة تصدٍ فعلية من قبل جماهير شعبنا الفلسطيني، وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فالكيان الإسرائيلي لا يكترث إلى القرارات الدولية والصادرة عن هيئة الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية الأخرى، فهو يضع نفسه فوقها كلها، وفوق القانون الدولي، وإن أي محاولات تدويل القضية الفلسطينية دون أن يرافقها حالة نضالية فلسطينية، فلا تعود بالنتائج المنتظرة أو حدها الأدنى، ففي فترات ومراحل أخرى كانت موازين القوى أفضل من المرحلة الحالية ومصادرة الأراضي وسياسة الاستيطان كانت مستمرة، ومنذ أوسلو لم تتوقف سياسة الاستيطان وبناء المزيد، وتهاونت قيادة المنظمة ولم تكن ردودها بمستوى الحد الأدنى، مما أسهم وشجع الكيان على الاستمرار بهذه السياسة.
المواقف التي عبرت عنها قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية ووصفها للنضال الفلسطيني بالإرهاب، سمحت للكيان بارتكاب جرائم حرب من خلال عمليات الاغتيال الجبانة، فماذا فعلت السلطة أمام حالات الاغتيال التي حصلت على مقربة من مقر إقامة أبو مازن وعلى بعد أمتار من مقرات الأجهزة الأمنية؟ الاحتلال لم يتوقف عن إجراءاته كلها من مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات، فكيف واجهت القيادة الفلسطينية قرار مصادرة جبل غنيم عندما أعلن بنيامين نتنياهو ذلك بمنتصف التسعينيات؟ هل تم نقل الموضوع إلى المحافل الدولية؟ والاعتقالات التي طالت الآلاف من أبناء شعبنا حيث ما يزيد على سبعة آلاف معتقل، ألم تساهم وتشارك الأجهزة الأمنية للسلطة باعتقال الكثير منهم على قاعدة التنسيق الأمني؟ حالة الانحطاط التي وصلت لها السلطة وهذه القيادة فاقت كال التقديرات والتوقعات وهي مرشحة إلى مزيد من التدهور بظل استمرار هذه القيادة، ولا بأي مرحلة من مراحل المواجهة، لا قبل أوسلو ولا بعدها كان التخاذل والتراجع كما هو حاصل اليوم، هذا التراجع كان نابعاً أصلاً من مراهنة هذه القيادة على سياسة جديدة قائمة على الحوار والمفاوضات والسلام، لتثبت الأحداث اللاحقة أن هذه السياسة تركت سلبياتها أكثر على الجانب الفلسطيني واستفادت منها دولة الكيان الصهيوني لتصعد من سياساتها التي جوهرها التطهير العرقي والاستيلاء الكامل على الأرض.
أمام حالة التصعيد التي مارسها وما زال الكيان الإسرائيلي، يفرض على الجانب الفلسطيني أن يعمل على إعادة تنظيم وضعه بشكل يسمح له بتعزيز صموده وتطوير أساليب نضاله التي تشكل فعلاً حالة نهضوية فلسطينية، وتشكل ضمانة فعلية لاستمرار المواجهة واستنزاف العدو يومياً، مما يجعل احتلاله مكلفاً بعد أن فشل حتى اللحظة في اقتلاع شعبنا من أرضه، توفير مقومات الصمود كفيلة بتطوير أساليب المواجهة، فهل القوى الفلسطينية وشعبنا قادرون فعلاً على تحقيق ذلك؟