راسم عبيدات الإنتهاكات الإسرائيلية بحق الصحفيين والمؤسسات الصحفية الفلسطينية ووسائل الإعلام على اختلاف أنواعها المرئي والمسموع والمقروء، ومن ضمن ذلك الصحافة الألكترونية والمنشورات والأخبار والصور والفيديوهات و"اليوتيوبات" والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي،
أخذت في التصاعد بشكل لافت عام 2015 وبالتحديد بعد اندلاع الهبة الشعبية في 13102015، وتلك الإنتهاكات تمثلت في تعرّض الصحفيين للضرب المبرح أو إطلاق الرصاص المعدني والمطاطي وحتى الحي والقنابل الصوتية والغازية عليهم مباشرة، أو المنع من تغطية الأحداث والمواجهات للمحطات الفضائية والإذاعية، ومنع التصوير وتكسير الكاميرات أو مصادرتها ومصادرة الأفلام، استخدام طواقم الفضائيات كدروع بشرية، الاعتقال، والحجز حيث طالت الاعتقالات وعمليات التوقيف عشرات الصحفيين الفلسطينيين والذين ما زال 16 منهم في سجون الإحتلال، ناهيك عن عمليات الدهم والتفتيش للمؤسسات والمحطات الفضائية، وإغلاق ثلاثة محطات إذاعية تحت حجج وذرائع التحريض.
الإجراءات والإنتهاكات الإسرائيلية بحق وسائل الإعلام الفلسطينية والصحفيين والإعلاميين تندرج ضمن سلسلة جرائم الاحتلال الإسرائيلي الممنجهة والمتصاعدة بحق الصحفيين ووسائل الإعلام الفلسطينية، والتي تعبّر عن عقلية ومنهج بائد يعكس إفلاس حكومة الاحتلال وانفلاتها من عقالها، فالإحتلال رغم كل أشكال القمع والعقوبات المتعددة الأشكال، لم يفلح في وأد إنتفاضة شعبنا التي يتصاعد لهيبها وترتفع حدتها، والتي باتت تشكل مصدر قلق وخوف للإحتلال، الذي دخل في حالة من الهوس والهستيريا على مستوى المجتمع والحكومة، حكومة مربكة رغم غطرستها وعنجهيتها، وغير قادرة على توفير "الأمن" الشخصي "لمواطنيها"، الذين يعيشون حالة من الخوف والرعب غير المسبوقين، وفي أكثر من حادثة طعنوا بعضهم البعض، وحتى أطلقوا النيران على بعضهم، ظناً منهم بأن المطعون أو المقتول عربي، فالقتل والطعن هنا يتم على أساس "قومي" ولون البشرة، باختصار أصبح الواحد منهم يتصور بأن ظله يحمل سكيناً، أو أن عربياً يطارده لكي يقتله أو يطعنه، خوف ورعب في الشارع وفي المواصلات العامة والمؤسسات التجارية وغيرها.
الأزمة تتعمق والإنتفاضة تتواصل، والضغوط على حكومة الإحتلال تزداد بأنها لا تتخذ العقوبات والإجراءات والممارسات القمعية الكافية التي تمكن من وقف الإنتفاضة، حتى وصل الأمر بزعيم "إسرائيل بيتنا" ليبرمان أثناء اقتحامه لباب العامود بعد العمليات التي شهدتها القدس والداخل الفلسطيني، وسقط فيها ثمانية شهداء فلسطينيين، بأن حكومة نتنياهو أعادت الوضع في شرقي القدس إلى الوراء سنوات عديدة عندما كان يخشى المستوطنين السير والتجول فيها بحرية.
"الكابينت" الإسرائيلي أراد ان ينقل رسالة طمأنة للمجتمع والداخل الإسرائيلي، عبر اتخاذ سلسلة من الوسائل والإجراءات العقابية بحق الفلسطينيين شعباً ومنتفضين أسراً وعائلات ومناطق جغرافية، وكذلك كان في مقدمة تلك العقوبات، أنه لا بد من إستهداف وسائل الإعلام التي تمارس "التحريض" على "العنف" المقاومة، والتي أصبحت تشكل تغطيتها ونقلها للأحداث والجرائم الإسرائيلية، تلهب حماس الجماهير والشبان والفتيان والفتيات الفلسطينيين، ولذلك لا بد من طمس عيون الحقيقة المتمثلة بوسائل الإعلام المقاوم، والتي تبث لحظة بلحظة أخبار انتفاضة شعبنا، بالخبر واللقاءات والتقارير والصورة والصوت، فاضحة بذلك زيف "ديمقراطية" هذا الاحتلال، وكاشفة جرائمه بحق شعبنا وأهلنا، معرية إياه أمام العالم كعدو عنجهي متغطرس، يتغطى خلف الأخلاق والديمقراطية الزائفة، حيث القتل والإعدامات الميدانية، ودبلجة تلك الإعدامات برمي سكينة بجانب الشاب أو الفتاة الذي /التي جرى تصفيته/ ها.
ولأن فضائية "فلسطين اليوم" شكلت بنقلها وتغطيتها للأحداث والإنتفاضة الشعبية، وما يرتكبه الاحتلال من جرائم، منبراً إعلامياً متميزاً، وحازت على ثقة وإحترام شعبنا، بحيث كانت المعبّر الحقيقي عن نبض شارعه وهمومه، تكون حيث يكون الحدث يغامر طاقمها ويعرّض نفسه للمخاطر لكي ينقل صورة الحدث أو الجريمة، هذا جعلها في مقدمة وسائل الإعلام الفلسطينية المطلوب إسكات صوتها من قبل المحتل الصهيوني وأجهزته "الأمنية"، ولتكون الغارة الصهيونية وأجهزتها الأمنية مع فجر أمس الجمعة على مقر الفضائية في رام الله، والشركة التي تقدم لها الدعم التقني "ترانس ميديا" حيث صادرت معدات الفضائية ودمرت وحطمت ممتلكاتها، واعتقلت مديرها فاروق عليان ومعه المصور محمد عمرو وفني البث شبيب شبيب، وأغلقت المقر التابع للفضائية.
"فلسطين اليوم" كانت وستبقى قناة مقاومة ونضال بإمتياز، إنحازت لجماهير شعبنا، وأفردت مساحة لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، غلبت مصالح الوطن على مصالح الحزب والفئة، بخلاف العديد من الفضائيات، التي تمترست خلف فئويتها وحزبيتها.
"فلسطين اليوم" في طليعة الفضائيات الأكثر مشاهدة ومتابعة من أبناء شعبنا الفلسطيني، بغض النظر عن هفوة هنا أو هناك.
الإستهداف والملاحقة لـ"فلسطين اليوم"، سيتبعه استهداف لكل وسيلة إعلام مقاوم، فالإحتلال في مأزق وأزمة، يتصور بأن جزءًا من الحل الذي يجعل الإنتفاضة تخفت وتتراجع، هو بإغلاق وسائل الإعلام وملاحقة نشطاء التواصل الاجتماعي والصحفيين بالإعتقال والضرب والتنكيل.
إغلاق "فلسطين اليوم" من قبل إحتلال متغطرس غاشم، هو وسام شرف وعزّ لها، كانت في قلب الحدث والمعارك، وستبقى في قلب كل حرّ ومقام فلسطيني وعربي، فإغلاقها لن يسكت صوتها، وستستمر مشعلاً يضيء فضاء الإعلام العربي المقاوم، في وقت يتعرض فيه هذا الفضاء للسيطرة والتضليل والخداع من قبل مشيخات النفط والكاز، مشيخات البترودولار، التي تريد أن تسكت كل صوت مقاوم، حيث جرى إنزال قناتي الميادين والمنار عن "العرب سات"، حتى لا تنقل الحقيقة وتفضح خيانة وتآمر تلك المشيخات على أمتنا العربية، فهدف العدو الصهيوني وتلك المشيخات يتقاطع هنا في ضرب المشروع القومي العربي، وإسكات أي صوت حرّ مقاوم، ولكن ستبقى تلك الأصوات الإعلامية الشريفة، منارات محلقة في فضاء عربي يقاوم.
"فلسطين اليوم" ستبقى راية ونبراساً مقاوم، لن يسكتها أو يلغيها لا إغلاق أو إنزال عن قمر صناعي.
القدس المحتلة – فلسطين