حالة من الترقُّب تسود الوضع الفلسطيني بفصائله وسلطاته ومواطنيه، وإرهاصات في أوساط النخب السياسية والاجتماعية التي لم تعد تطيق الانتظار، ويجتاحها الشعور بالعجز إزاء وضع لا يسرّ صديقاً ولا يكيد عدواً.
حين يخضع الإنسان للتحليل ملف الانقسام والعوامل الدافعة لاستمراره، وتلك الدافعة لإنهائه وطي صفحته السوداء، وقراءة المؤشرات الإيجابية والسلبية، يكون من السهل الاستنتاج وبسرعة أن محصلة تفاعل كل هذه العوامل، لا تنطوي على التفاؤل.
غير أن الشعب الفلسطيني كان دائماً مصدراً للإبداع، واجتراح المعجزات، مما يدعو للتحفظ إزاء ضخ حالة من التفاؤل أو من التشاؤم إزاء المرتقب من اللقاء الذي سيجمع الطرفين مجدداً يوم السبت القادم في الدوحة.
يدور الحديث عن أن الحوار سيتركز حول عنوانين أساسيين دون إهمال العناوين الأخرى، وهما تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد قريب للانتخابات.
اللواء جبريل الرجوب، وهو عضو لجنة مركزية حركة فتح، شدد في لقاء عبر الفيديو كونفرنس بين غزة والضفة، الخميس الماضي، على أولوية البحث والاتفاق السياسي، وهو كان الغائب الأكبر عن اتفاقيات المصالحة، التي يتمسك الجميع بها، وبضرورة الالتزام بتنفيذها.
البحث السياسي يستهدف حسب الرجوب، وهو محق تماماً في ذلك، الاتفاق على إستراتيجية وطنية شاملة، خصوصاً بعد أن استنفدت الإستراتيجيات المتناقضة المعمول بها، كل إمكانية في أن ترجح واحدة على الأخرى، وبعد أن أوغلت إسرائيل في تنفيذ مخططاتها التوسعية العنصرية، وأقنعت الرأي العام العالمي، بأنها هي التي تتحمل المسؤولية عن فشل خيار السلام، وإفشال مجهودات المجتمع الدولي بما في ذلك حلفاؤها.
باختصار يمكن الاستنتاج أن العوامل ذات العلاقة بالصراع مع الاحتلال، تشير إلى إمكانية توصل وتوافق الفلسطينيين على إستراتيجية وطنية، وعلى أشكال خوض الصراع مع الاحتلال، أو التوصل إلى قواسم مشتركة بهذا الخصوص.
فإذا كان الحوار مثلاً يستهدف ويمكن أن يفضي إلى اتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن السؤال المهم هو: ما هي السياسة التي تحكم عمل مثل هذه الحكومة التي ستؤدي مشاركة حركة حماس الفاعلة فيها، إلى استفزاز وغضب إسرائيل؟
في هذا السياق ثمة مشكلتان كبيرتان تستدعيان الاتفاق وربما تستدعيان اتخاذ قرارات صعبة ومكلفة على كلا الطرفين.
المشكلة التي تتعلق بحركة حماس، ويترتب عليها الإجابة عن الأسئلة التي يمكن أن تطرحها حركة فتح، هذه المشكلة تتصل بالمقاومة وسلاحها وتجهيزاتها، وبأشكال خوض الصراع.
هذه قضية كبيرة وأسئلتها مقلقة كثيراً لحركة حماس ولا تستطيع حركة فتح تجاوزها، وهي على صلة بعقيدة أوسلو، وخيار البحث عن السلام الذي لم تسقطه "فتح" من حساباتها، وعلى صلة بقدرة السلطة على تحمُّل الأعباء والتبعيات الناجمة عن السياسة الإسرائيلية، سواء باستخدام هذه القضية للتحريض أو لاتخاذها ذريعة لشن عدوان واسع على قطاع غزة، وآخر على الضفة الغربية.
أما القضية الأخرى والتي تخص حركة فتح والسلطة فهي تتعلق بشروط وقيود أوسلو، التي ترتب على السلطة وظائف لم يعد الالتزام بها مقبولاً لا من "حماس" وغيرها من الفصائل ولا حتى من قبل السلطة طالما أن إسرائيل تنكّرت للاستحقاقات المترتبة عليها من اتفاقية أوسلو.
الإجابة عن هذه الأسئلة الصعبة أصبحت واجبة الفعل، رغم كل ما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات لا يمكن التقليل من أهميتها وخطورتها، فهل تنجح الحركتان في تجاوز هذه العقد خلال لقاء الدوحة القريب أم أن المسألة مفتوحة على المزيد من الوقت؟
إلى حين الوقوف أمام مخرجات لقاء الدوحة، ثمة من بدأ يتحرك باتجاه تشكيل كتلة ضغط تحت عنوان إنهاء الانقسام.
خطوط عديدة واتصالات بين شخصيات في الضفة وغزة، تجري من أجل تشكيل أطر مؤقتة للضغط، نستغرب أن تكون مدعاة للقلق والتساؤل من قبل السلطات في غزة أو الضفة.
بمعزل عن الأسماء والمسميات نعلم أن ثمة من وضع قائمة بأسماء من يعتبرهم هو حكماء، ونشر القائمة قبل أن يستشير المعنيين بها، وتتضمن خليطاً لا يستند إلى معيار معقول لاعتبار هذه الشخصية أو تلك، محل اتفاق أو أنها تتسم بالحكمة.
على خط آخر يتحرك وجهاء ومخاتير ورجال إصلاح ذوو مكانة وسمعة طيبة وتأثير، باتجاه عقد مؤتمر شعبي وطني تحت عنوان إنهاء الانقسام، وفي محاولة أخرى ثمة مجموعة كبيرة وواعدة من حيث قدرتها على الاستقطاب تعمل منذ بعض الوقت تحت عنوان "وطنيون من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة".
إذَن هناك حراك شعبي يتسع يوماً بعد آخر، ويعبر عن ظاهرة رفض مجتمعي لاستمرار الانقسام، واستعداد أكبر لتفعيل عوامل الضغط على أطرافه، نأمل ألا ينظر أي طرف لهذا الحراك على أنه يستهدف هذا الطرف دون الآخر، أو أنه ينطوي على أبعاد تآمرية.
إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، مطلوب من حركتي فتح وحماس التوقف عن إطلاق التصريحات، وعن الممارسات التي تعمق حالة الإحباط وعدم الثقة.
في هذا السياق، ومع أنني لا أتفق مع الخطاب المتطرف واللغة الاتهامية التي تصدر عن الدكتور عبد الستار قاسم، إلاّ أنني لا أرى في ذلك سبباً لاعتقاله، وأدعو إلى إطلاق سراحه فوراً، تماماً مثلما لم أتفق مع اعتقال الصحافي أيمن العالول من قبل الأجهزة الأمنية في غزة، وأدت به إلى التوقف عن مزاولة عمل الصحافة، وهذه مجرد أمثلة فقط.