قلب صغير أشرقت جبال النار الفلسطينية بدفء نبضه العطوف، فغيبه جيش الاحتلال ومستوطنوه، وأجبروا عيونا كثيرة على ذرف دموع الحرقة والاعتزاز.
الوردة الفلسطينية "أشرقت طه قطناني" ابنة الستة عشر ربيعا، أقدم أحد قادة المستوطنين الحاقدين في صبيحة الأحد؛ الثاني والعشرين لشهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام ألفين وخمسة عشر، على دهسها بسيارته قرب حاجز حوارة جنوب مدينة نابلس، ليتقدّم بعدها عدد من جبناء "الجيش الذي لا يقهر" ويفرغوا عدة أنواع من الرصاص في خلايا جسدها.. لتـضطر أشرقت إلى الغـروب شهـيدة في وضح النـهار!.
الـروايـة جـاهـزة على إذاعات الاحتلال، بـغضّ النـظر عـن نـيّـة الـضحـيّة وصـخـامة جسـد القـاتل؛ "محـاولة طعـن لأحـد المـستـوطنين، ما اضطره للدفـاع عن نـفسـه".. لـكن الحلقة المفقودة أثناء محاولة فهم نوعية التـهديد الذي من الممكن أن تشـكله صـاحبة المـتر وخمسة وخمسين سنتيمترا وقائدة إذاعة مدرسية، على فـزاعـة بـطول متـرين وبرأس أكبر من كـرة السـلّة تمثلت بـ"غرشون مسيكا" الرئـيس الأسبـق لمجلس مستوطنات شمال الضفة وأبـرز قادة المستـوطنين.. التـهديد المزعوم دفـعه للدوس على "البنزين" بكثافة، للدرجة التي تبقي أشرقت حية ترزق إلى الأبد.. ليحرج جـبناء "جيش الدفـاع" أنـفسهم بالعجـز عن إثبات أن هـجومهم على الضـحية كان خير وسيلة للدفـاع عـن ذاك الشائب الـذي دهسـها لـشدّة خوفـه وترهيبه!، ليتعدد الإرهابيون ويتوحد البريء.
الخبر اليقين يأتي على لسان طه قطناني والد الشهيدة، عندما يقول: "الحمد لله ابنتي قامت بما يجب القيام به".
ويضيف بدموع ألم وفخر: "خرجت من البيت مثل كل يوم متوجهة إلى مدرستها وما سمعته هو ما تم تداوله في الإعلام عن إطلاق النار عليها واستشهادها".
والد الشهيدة يؤكد أيضا أن ابنته كانت تتابع أحداث الهبة الجماهيرية الفلسطينية بصورة يومية وتسأل عن الأحداث باستمرار، قائلة "هل يمكنني تنفيذ عملية عند حاجز حوارة، إذا ماهي أفضل السكاكين في مطبخنا؟"
يختم طه قطناني بالقول: "إن الاحتلال لم يترك لأبنائنا وسيلة إلا المقاومة بأدوات المطبخ لمواجهة جبروته، كنت أتمنى أن أرى أشرقت تعيش أياما أفضل من أيامنا ، ولي الفخر أني والد شهيدة".
دمـوع الحزن تخذل الشقيق على شاشات التلفزة أثناء توجيهه رسالة إلى أمه الصابرة، جاء فيها:" يما لا تزعلي بالمرة وأشرقت شهيدة إن شاء الله، افتخري فيها".
تأثير أشرقت وحضورها اللافت لم يقتصرا على أسرتها الصغيرة، بل امتدا ليشملا زميلاتها الطالبات في ثانوية قرطبة للإناث بمدينة نابلس.
فهناك حيث كانت تتلقى قطناني تعليمها، استطاعت أن تصبح بحسها المرهف وحبّها الكبير لأرضها وشعبها؛ الناشطة الأولى عبر إذاعة المدرسة وفي مجلة الحائط.
وتقول إحدى زميلاتها في الثانوية:"كان شعرها وكلماتها مبكيين بما فيه الكفاية، فمنصة المدرسة خلّدت كل ما قالته لفلسطين، أثناء انتظام الصفوف".. وتضيف: "ماقامت به أشرقت فخر لنا ولأهلها".
ولـعلّ ما أكدته عائلة قطناني وزميلاتها في الصف عن تميزها وقدرتها على قراءة المشهد بقدرة لافتة، انعكس فيما دونته الشهيدة على صفحتها الفيسبوكية قبيل استشهادها بساعات، وكـأنها استشعرت حجم الألـم الذي ستحدثه في نفوس من أحبّوها بعد رحيلها، بالدعـاء لهم، قائلة: "اللهم اني وكلت أمري اليك فلا معين ولاحول لي الا بك واليك،اللهم اكتبلي التوفيق والنجاح وحقق ماببالي، اللهم احفظ لي أحبتي من كل شر وحقق ما بنفوسهم، اللهم أجعلني عند حسن ظنهم فبك نستعين يا أرحم الراحمين".
وبعيد استشهاد الفتاة، انتشرت عبر وكالات الأنباء وصفحات الفيسبوك صورة تظهر فيها أشرقت وهي تلقي كلمة قديمة أمام زميلاتها في المدرسة، وتترافق مع الصورة آلاف تعليقات المتابعين، حيث جاء في أحدها: " الحادثة ستكون علامة فارقة تدفع الشباب الفلسطيني نحو مواصلة المواجهة ضد المحتل في جميع الساحات وعلى جميع الأصعدة".
مدون آخر في نص تعليقه على صورة الشهيدة وهي ملقاة على الأرض ومحاطة بعدد من الجنود الإسرائيليين، يتساءل قائلا: "هل يتجرأ القاتل على النظر في عيني ضحيته بعد اليوم؟"
وعلى الرغم من فداحة كل جريمة يرتكبها المحتل ونجومية كل شهيد فلسطيني، غير ان التجربة الدائمة تثبت أن الإنسان الفلسطيني في توق دائم للحرية وفي سعي مستمر نحوها، حتى نيلها على كامل التراب الوطني غير مسلوبة.