وفق معايير المنطق البسيط، نفترض أن يوم أمس الذي يصادف ذكرى يوم الأرض، يوم غضب شعبي فلسطيني عارم، ونشاطات جماهيرية وسياسية موحدة،
ترسل لإسرائيل والعالم كله، رسائل قوية، تؤكد التفاف كل الشعب الفلسطيني خلف ثوابته وحقوقه الوطنية.
هذه الذكرى تتصادف مع موقف إسرائيلي أميركي، يرفض الإفراج عن الدفعة الرابعة والأخيرة من الأسرى القدامى، كاستحقاق، كان على إسرائيل أن تنفذه، في إطار تعهداتها لاستئناف المفاوضات منذ ثمانية أشهر، مقابل تعهد الفلسطينيين بالامتناع خلال المفاوضات عن التوجه للأمم المتحدة.
إذاً مناسبة يوم الأرض هذا العام، ليست فقط مناسبة روتينية تستحق الاهتمام بها لما تنطوي عليه من دلالات تاريخية، ذلك أن إسرائيل توفر المزيد من الذرائع والأسباب، لكي يتعامل الفلسطينيون مع هذه المناسبة على نحو مختلف لإسماع العالم صوت فلسطين، التي تتعامل مع احتلال بغيض، يرفض القرارات الدولية، احتلال لا ينفذ تعهداته، وليس جديراً بالاحترام، احتلال لا يدخر جهداً، لتدمير كل مسعى من أجل تحقيق السلام على هذه الأرض.
رفض إسرائيل، تنفيذ الاستحقاق المترتب عليها بشأن الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى، في موعدها، يشير إلى طبيعة السياسة الاحتلالية، التي تحاول ابتزاز الفلسطينيين والأميركيين لكي تقبض الثمن مرة أخرى عن هذا الاستحقاق وان تخفف اي اشتراطات فلسطينية تتصل بإمكانية الموافقة على تمديد المفاوضات لبضعة أشهر أخرى.
التحايل الذي يقوم به مارتن انديك بالتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية، بترحيل عملية الإفراج عن الأسرى، إلى جزء من الثمن مقابل تمديد المفاوضات.
العرض الذي يقدمه انديك، بالإفراج عن أربعمئة أسير بالإضافة إلى الدفعة الأخيرة من الأسرى الذين يفترض أن تفرج عنهم إسرائيل، هو عرض وإغراء، مرفوض من حيث المبدأ، خاصة وأن إسرائيل تصر على أن تقوم هي باختيار أسماء الأربعمئة أسير، الذين يعدون بالإفراج عنهم.
لقد خبر الفلسطينيون مثل هذه الأضاليل، ففي كل مرة تضطر فيها إسرائيل للإفراج عن أسرى، تحاول أن تفرغ الأمر من مضمونه بالإفراج عن أسرى انتهت أو اقتربت محكومياتهم من الانتهاء، أو معتقلين جنائيين.
الذريعة التي يتحدث بها الإسرائيليون، من أن الإفراج عن الدفعة الأخيرة من الأسرى لأنها تتضمن أربعة عشر أسيراً من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة العام 1948، سيؤدي إلى انهيار الحكومة، بسبب وجود معارضة قوية في داخلها، وبعض المعارضين من الليكود.
هذه الذريعة، متكررة أيضاً، ولا يمكن القبول بها، إلاّ إذا كان نتنياهو غائباً عن الوعي حين وافق على تنفيذ هذا الشرط.
هنا على الفلسطينيين أن يتوجهوا نحو الولايات المتحدة، التي عليها أن تتحمل مسؤوليتها باعتبارها الضامن لما تم الاتفاق عليه حين استؤنفت المفاوضات، والمسؤولة تالياً عن كل ما يترتب على تمسك إسرائيل بمواقفها.
لن ينجح الأميركيون في هذا الاختبار، فهم يفشلون دائماً في أي اختبار يتعلق بإسرائيل، في كل ما له علاقة بالشرعية الدولية، والسبب هو أن السياسة الأميركية، متطابقة بنسبة عالية جداً مع السياسة الإسرائيلية.
في هذه الحالة نفترض أن القيادة الفلسطينية ستتمسك بموقفها الداعي لتنفيذ استحقاق الإفراج عن الأسرى، بمعزل عن شروط تمديد المفاوضات، وهذا يعني أن على القيادة الفلسطينية، أن لا تسمح لإسرائيل بأن تتلاعب بالوقت، لكي تبدو بأنها صاحبة الحل والربط.
هناك يترتب على القيادة الفلسطينية أن تمهل الطرفين الإسرائيلي والأميركي أسبوعاً، حتى تنفذ إسرائيل استحقاق الإفراج عن الأسرى، وإلاّ فإنها ستبادر إلى التصرف بمعزل عن تعهدها بعدم التوجه إلى الأمم المتحدة.
هنا الامتحان ليس فقط للطرفين الأميركي والإسرائيلي، وإنما أيضاً للقيادة الفلسطينية التي عليها أن تثبت لشعبها، جديتها في التعامل مع احتلال لا تؤشر الوقائع على أنه يمكن التوصل معه إلى تسوية.
لا علاقة للفلسطينيين بما تحاول إسرائيل الحصول عليه من الولايات المتحدة ونقصد ابتزازها للإفراج عن الجاسوس الإسرائيلي بولارد، حتى تنقذ المفاوضات من الفشل، ففي كل الاحوال يترتب على إدارة الرئيس باراك أوباما ان تجد الطريقة لإلزام إسرائيل بتنفيذ استحقاق الأسرى، وإنقاذ المفاوضات من الفشل.
النشاط الشعبي والسياسي الذي يقوم به الشعب الفلسطيني لإحياء ذكرى يوم الأرض يؤشر على طبيعة الأزمة التي يعاني منها النضال الوطني، ومدى استعداد الفلسطينيين بما هم عليه، لمواجهة التحديات التي تطرحها السياسات الاحتلالية، حتى لو جرى تمديد المفاوضات.
في الواقع تظهر معالم الانقسام وآثاره على الفعاليات التي جرت في الأراضي المحتلة العام 1967، حيث تتجه الفصائل، لإحياء معظم النشاطات بأسمائها الخاصة، والقليل منها تحت يافطات العمل الوطني الجماعي.
لا تزال أجواء الانقسام تطغى على الفعاليات، ففي الضفة وغزة، يخشى كل طرف من إتاحة المجال أمام الطرف الآخر للقيام بحرية تامة، بنشاطات إحياء ذكرى يوم الأرض.
فقط في الأراضي المحتلة منذ العام 1948، نلاحظ توحد الجماهير الفلسطينية في ميدان تنفيذ الكثير من النشاطات المهمة والمؤثرة، والتي تنطوي على رسائل قوية للداخل والخارج، والتي ربما تؤشر على تصاعد مكانة ودور الحركة الوطنية الفلسطينية هناك، كمركز أساسي للقرار والفعل، خصوصاً في ضوء احتمالات فشل المفاوضات، ولجوء إسرائيل لتنفيذ خيارات خطيرة من مستوى خطة الانطواء.
أجدر بالقيادات الفلسطينية المسؤولة عن الانقسام، وعن استمراره أن تتحضر لمقابلة التحديات الإسرائيلية الأميركية، فالمفاوضات فاشلة، حتى لو تم تمديدها لعشر سنوات أخرى.
هذه القيادات من حماس وفتح، مسؤولة تاريخياً أمام شعبها عن استمرار الانقسام، الذي تتضح يوماً بعد آخر، مدى خطورته على الطرفين، وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية وعلى القضية برمتها.
مؤسف أنه كلما زاد الحديث الإيجابي عن المصالحة، ابتعدت في الواقع فرص تحقيقها فيما لم يعد الشعب مهتماً بمن هو الطرف الذي يتحمل المسؤولية عن فشل المصالحة، فالكل مسؤول، أمام التاريخ الذي لا يرحم، ولا يتوقف عند التفاصيل الصغيرة، لا مصداقية لأية قيادة، مهما كانت ذرائعها، طالما بقي حال الانقسام، وبقي معه، الاستهتار بالثمن الذي يدفعه الشعب، وتدفعه القضية، ولا عذر لأحد يواصل تقديم برنامجه الفئوي ومصالحه الفئوية على حساب البرنامج الوطني والصالح العام.