في كل مرة تجتمع فيها القمة العربية تثار تساؤلات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه جامعة الدول العربية في توحيد المواقف العربية،
وتثار هذه التساؤلات لاعتقاد الكثيرين أن القمم العربية لن تكون قادرة على حل المشكلات إلا إذا كانت هناك أداة فاعلة تقوم بالتحضير لمنجزاتها.
ولا شك أن هناك الكثير مما يساعد على إنجاز العمل العربي المشترك، بل يمكن أن نقول إن هناك ميزة غير متوافرة في كثير من المنظمات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي ومنظمة الآسيان وغيرها، وهذه الميزة تتركز في حقيقة أن الدول العربية تنتمي إلى أمة واحدة وتتحدث لغة واحدة، وتدين في معظمها بعقيدة واحدة، لكن هذه الأمور جميعها لا تلغي التباينات الموجودة في هذه الأمة من حيث الاختلاف في نظم الحكم، والتباين الاقتصادي الذي فشلت الأمة في أن تجعله أساسا يقرب بين شعوبها.
وبالطبع فإن تحقيق الانسجام والتكامل بين شعوب الأمة العربية يحتاج إلى مؤسسة تتبنى هذه الأهداف وتعمل بصدق من أجل تحقيقها، وتبدو فكرة الجامعة العربية مقبولة من حيث الأساس ومن المهم التوقف الآن لمعرفة لماذا لم تستطع الجامعة على مدى أكثر من سبعة عقود أن تحقق الأهداف التي كانت الشعوب العربية تأمل في تحققها.
نشأت فكرة الجامعة العربية في عام 1943 عندما ذكر وزير الخارجية البريطاني ‘أنتوني إيدن’في مجلس العموم أن الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف لمشروع جامعة عربية من أجل توحيد الأهداف الاقتصادية والثقافية والسياسية للأمة العربية، وقد صدر قرار تأسيس الجامعة العربية في الثاني والعشرين من شهر آذار/مارس عام 1945 بعضوية مصر والمملكة العربية السعودية وشرق الأردن ولبنان والعراق وسوريا واليمن، وقد تم اختيار القاهرة مقرا دائما لهذه المؤسسة الجديدة، وأصبح لكل دولة عضو في جامعة الدول العربية صوت واحد وذلك أمر طبيعي في أي مؤسسة ديمقراطية، لكن غير الطبيعي هو أن القرارات التي تصدر عن الجامعة تلزم الدول التي صوتت لها فقط ، وهذا هو أول خلل في نظام جامعة الدول العربية التي كانت تستهدف تحقيق الوحدة والتكامل بين سائر الدول العربية.
وإذا نظرنا إلى كيفية إدارة الجامعة وجدنا أن سائر الأمناء العامين فيها كانوا من المصريين باستثناء أمين واحد هو ‘الشاذلي القليبي’ الذي تولى أمانتها من عام 1979 إلى عام 1990، ولم يكن ذلك بسبب تبادل ديمقراطي بل كان بسبب نزاع مع دولة المقر حول سياسات الرئيس السادات.
ويمكن بصفة عامة أن نقول أن الأسلوب الذي تم به اختيار دولة المقر والأمناء العامين يعكس خللا أساسيا في نظام الجامعة، وكان من الطبيعي في البداية أن يكون للجامعة العربية مقر مع وجود فروع لها في أماكن أخرى، و كان من الضروري أن يختار أمينها بواسطة الانتخاب الذي تشارك فيه سائر الدول الأعضاء، التي لها الحق أيضا في ترشيح الأمين العام، وذلك لهدف واحد هو أن إحساس الدول العربية بأنها تمتلك الحق في ترشيح الأمين العام يجعلها تشعر بالمشاركة والانتماء للمؤسسة، وبدون ذلك يكون الإحساس هو أن المسيطرين على المؤسسة لا يريدون مشاركة من جانب آخر وبالتالي، فلماذا تشعر أي دولة بالانتماء للمؤسسة؟
هذه العوامل جميعها جعلت الجامعة العربية مؤسسة بطيئة وغير قادرة على اتخاذ قرارات حاسمة يلتزم بها سائر الأعضاء وبالتالي لم يكن هناك معنى للوحدة في إطار هذه المؤسسة الشكلية.
ويقول بعض الخبراء إن جامعة الدول العربية في وضعها الحالي هي مرآة للوضع العربي بصورة عامة، وبالـــتالي فلا معنى لأن يتوقع منها أي شخص شيئا لا يتوقعه من الواقع العربي في إطاره العريض.
ويبدو عجز الجامعة العربية واضحا في نظر الكثيرين في عدم قدرتها على اتخاذ قرار يعبر عن الإرادة العربية بعد قرار الدول الغربية ضرب ليبيا، وكذلك عندما رفضت الجامعة في عهد الرئيس مبارك أن تدين الحصار المفروض على قطاع غزة، وليس ذلك باعتباره موقفا سياسيا واجبا بل باعتباره موقفا إنسانيا يتماشى مع المنطق والعدل وحقوق الإنسان.
ويعتقد الكثيرون أن إصلاح جامعة الدول العربية أصبح واجبا وضرورة في هذه المرحلة، وينظر هؤلاء إلى عملية الإصلاح على أنها عملية هيكلة أكثر من كونها عملية أهداف، وهم يطالبون لذلك بإعادة هيكلة قيادة الجامعة العربية بحيث تكون الجامعة ممثلا حقيقيا للدول العربية وليس لدولة واحدة ذات نفوذ، ويتضمن ذلك تمثيلا عادلا لكل الدول الأعضاء في الجامعة، وأن تعمل الجامعة على تفعيل سائر الاتفاقات بين الدول العربية وأن يكون لها موقف واضح في القمم العربية بحيث تكون هي منسقة الأجندة التي يعمل القادة بموجبها في لقاءاتهم المختلفة
ولا شك أن كل تلك أشياء ضرورية وأساسية لتطوير جامعة الدول العربية بشرط أن تكون الجامعة مؤسسة تشبه في بنيتها المؤسسات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي وغيره من النظم الدولية.
ونستطيع القول أن هيكل الجامعة العربي الحالي يتناسب مع مرحلة الاستعمار التي أنشئت خلالها هذه الجامعة، وهي المرحلة التي كان يكفي فيها أن ترفرف الأعلام العربية في مكان واحد حتى يشعر الكثيرون بالزهو والرضا، ولكن المرحلة الحالية قد تجاوزت ذلك الواقع، ولا نريد هنا أن نركز أهمية الجامعة العربية في المواجهة المشتركة للأخطار التي تواجهها الأمة العربية، بل يجب أن يكون التركيز دائما على المصالح المشتركة التي يمكن أن تتحقق للأمة العربية، وتأتي في مقدمة هذه المصالح الجوانب الاقتصادية، ولكننا نعلم أن التفاوت في القدرات الاقتصادية لكل الدول العربية يقف أيضا على خلافات سياسية وعدم وضوح رؤية حول كيفية تحقيق المصالح المشتركة، و يجب هنا أن يكون الاحترام المتبادل بين سائر الدول العربية هو الأساس الذي تبنى عليه المصالح المشتركة، خاصة أننا شهدنا مرحلة كانت فيه بعض الدول تصنف نفسها على أنها دول تقدمية والأخرى غير تقدمية في حين كانت هذه الدعاوى لا تقف على أي أساس صحيح بل كانت دعما لأنظمة عسكرية عانى منها العالم العربي كثيرا.
ونحن لا نريد بكل هذا أن نقول إن الجامعة العربية هي التي ستضع حدا لهذا الواقع العربي السائد، بل نقول إنه متى ما صحت الرؤية العربية في مراعاة المصالح العربية المشتركة كان ذلك هو الأساس الذي تبنى عليه جامعة الدول العربية الجديدة، وهي جامعة تحقق الأهداف التي يحققها الاتحاد الأوروبي لشعوبه دون إلغاء كينونة الدول، ذلك أن الواقع الدولي الراهن قد أثبت انه ليس هناك شكل سياسي محدد يحقق الأهداف بل هناك أسس يمكنها أن تعمل في إطار أي شكل من الأشكال من أجل تحقيق التعاون والتقدم بين الدول، ومتى اقتنعت الدول العربية بذلك تقدمت نحو إنشاء المنظومة التي تحقق مصالحها سواء كان اسمها الجامعة العربية أو أي اسم آخر.