اليوم (أمس الخميس) أجّلت محكمة فلسطينية في مدينة رام الله محاكمة الزميل الصحفي محمد عوض مصوّر تلفزيون وطن للأنباء المعتقل في سجن أريحا منذ شهر لـ15 يوماً جديدة تحت حجة استكمال التحقيق.
عوض وصل بسيارة النقل الخاصة بالمخابرات الفلسطينية وما أن صعد للمحكمة حتى تبيّن حجم الهزال الشديد الذي يعانيه وصعوبة المشي، إضافة لتغيّر ملامح شكله بسبب التعذيب الواضح عليه.
تواجد عدد من الزملاء في وقفة تضامنية _خجولة_ نظمتها نقابة الصحفيين مشكورة أمام المحكمة، وقال عوض لعدد من الزملاء الذين استطاعوا الوصول لقاعة المحكمة إنه يتعرّض للصعق بالكهرباء والتعذيب الشديد والشبح.
الصديق محمد عوض قبل أن يكون زميلاً صحفياً لي ولآخرين كُثر تعرّض لعدد كبير من اعتقالات الاحتلال وأجهزة السلطة الفلسطينية، لكنّ أصعب هذه الاعتقالات كانت في سجون السلطة الفلسطينية، حيث عُذب زميلنا تعذيبا شديداً في سجن بيتونيا جنوبي رام الله عام 2008-2009، ولن أكذب عليكم فلم يكن اعتقاله على خلفية التعبير عن الرأي التي يُتخذ منها حجة بأن الاعتقالات التي تتم ليست على خلفية الرأي، ولكن على خلفية سياسية!! وكأن الاعتقال على خلفية سياسية مشروع ومشروعٌ جداً.
عوض تخرّج من الجامعة بعد تأخر ثلاث سنوات بسبب هذه الاعتقالات المتتالية، ولم يجد من الوكالات من يوظفه_بسبب تاريخه النضالي_ سوى وكالة وطن للأنباء، وهنا بدأت مسيرته المهنية في العمل الصحفي.
خلال هذه المسيرة تعرّض الزميل لعدد كبير من المضايقات من الأمن إضافة لعدة اعتقالات كان أطولها العام الماضي حيث أمضى 4 شهور في سجون السلطة، وخرج منها بريئاً بقدرة قادر.
في المرة الأخيرة التي اعتقل فيها عوض، وظهر فيديو اعتقاله مخزياً لجهاز المخابرات خلال الاعتداء عليه، فخرج في اليوم التالي الناطق باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية عدنان الضميري في روايته للاعتقال: "بأن محمد اعتقل بسبب نقله للأموال لحركة حماس من قريب له في إيطاليا".
سبحان الله، خلال 24 ساعة استطاع الضميري التحقيق من هذه "الجريمة"_غسيل أموال لحماس_ وقام باطلاق الاتهام أمام عشرات الصحفيين، وقام بسرد تاريخ محمد مع الاعتقالات لدى الأجهزة الأمنية وبأنه اعتقل على خلفيات عسكرية وهذه كذبة كبيرة، ولو صدق فيما قال فليُخرج أيًّ قرار سابق من المحاكم الفلسطينية بإدانة عوض بما قال.
وهنا أتسائل، كيف للواء الضميري أن يتهم مواطناً بانه ناقلٌ للأموال لحماس في اليوم التالي بينما قامت المحكمة الفلسطينية اليوم بعد 30 يوماً من اعتقال الزميل عوض بتمديد اعتقاله لاستكمال إجراءات التحقيق دون وجود أي تهمة ضده!!
كثير من زملاء عوض الصحفيين يتسائلون عند عملية اعتقال أي صحفي من الطرف الآخر "هل اعتقاله على خلفية صحافية؟؟ أم سياسية؟؟" وكأن الاعتقال على خلفية صحفية حرام أما الخلفية السياسية حلال، ونسي كثير من الزملاء أن كباراً من صحفيي فلسطين هم بالأصل أعضاء فاعلون وقيادات في حركة فتح وفصائل منظمة التحرير، وهذا ما لا أنكره، بل هي جينات فلسطينية في أن يكون لدى الصحفي اتجاه او اعتقاد ما، وهو حق كفلته جميع القوانين.
الاعتقالات السياسية_وكذلك الإسرائيلية_ ارتفعت وتيرتها بشكل جنوني عقب انتخابات بيرزيت، فبشكل يومي يتم اعتقال واستدعاء العشرات في مدن الضفة المختلة وسط غياب واضح من وسائل الإعلام المحلية التي تهتم لكل شيء إلا لهذه المسألة.
وقد يتهمني بعض الزملاء بأنني أذكر اعتقالات الضفة ولا أمُرّ على اعتقالات مقابلة لها في غزة، وهنا أقول بأنني كصحفي أتابع بيانات يومية لحركة حماس في الضفة الغربية بأسماء المعتقلين والمستدعيين بشكل تفصيلي، فيما تغيب _تقريباً_ بيانات فتحاوية في غزة عن ذات الموضوع.
الاعتقال السياسي جريمة، والتعذيب جريمة سواء أكانت في غزة أو الضفة، وهي لا تسقط بالتقادم أبداً، وسيأتي يوم ما ليُحاسب فيه كل من ارتكب هذه الجريمة.
بالعودة إلى الزميل عوض حيث كان من المفترض أن يُزّف لعروسه الأسبوع القادم، ولكن تم إلغاء الحفل بسبب غيابه القسري.
والدة عوض، كما أمهات المعتقلين السياسيين لا ينَمنَ ليلهُنّ بسبب اللوعة على أبنائهم المعتقلين، فكيف لأم الزميل عوض أن تنام هذه الليلة عقب رؤية ابنها اليوم مُكبلاً، متعباً، شاحباً، يقول لها: أنا بموت كل يوم.. أنا بنشبح..أنا بيعذبوني بالكهربا".
دَرَستُ مع عوض ثلاث سنوات في جامعة النجاح بنابلس، وربطتني به علاقة مميزة، فاجتمعنا في ذات السكن الطلابي مرة، وكل ما يمكنني القول عنه إنه صلب الإرادة، ولديه من الهمّة ما تعانق السماء، ومعنوياته لا يمكن لها أن تنكسر لأنه صاحب حق.
سيتحرر عوض قريباً من سجون السلطة، وسيعود لمواصلة عمله الصحفي، وسيتزوج من عروسه، وسنقف جميعاً لجانبه، ولن تنفعكم توصياتكم الأمنية باحتجاز عوض ونقله لسجن أريحا بدلاً من رام الله للأبد.
الحرية لك زميلي وصديقي محمد عوض.