في الذكرى السنوية الخامسة عشر للإنتفاضة والتي لم تحقق أهداف الشعب الفلسطيني بالإنعتاق من الاحتلال والإستقلال، إستشهد خلالها نحو خمسة ألاف فلسطيني، وسقط نحو ألف قتيل إسرائيلي، وما ميّزها أنها في بداياتها كانت هبات شعبية،
إلا أنها إمتدت إلى الداخل الفلسطيني لتشمل معظم فلسطين التاريخية، حيث إندلعت هبة شعبية كبيرة في النقب والجليل والمثلث وإستشهد 13 فلسطينياً من فلسطين الداخل الـ48.
القدس مشتعلة وهي الشرارة التي إندلعت منها الإنتفاضة، و"إسرائيل" وحكوماتها المتعاقبة تمارس ذات الإجراءات مرات بهدوء وصمت، ومرات بعنف وقمع من أجل السيطرة على ما تبقى من فلسطين والمقدسات.
وبرغم ذلك لم يعد للحكومة الإسرائيلية ورئيسها هامش للمناورة أكثر لمنع الفلسطينيين التصدي للإجراءات في القدس والمسجد الأقصى، وما تقوم به من فرض عقوبات جماعية وقمع وقتل الفلسطينيين وإرهابهم في القدس، وكما ذكر نتنياهو أن الهدف هو القمع وفرض عقوبات قاسية وإطلاق النار الحي تجاه المتظاهرين وتعديل قوانين وسنّ أخرى، وتطبيق ما يسمى العقوبة الدنيا ضد راشقي الحجارة، الذين يتصدون بشجاعة وإرادة جبارة بصدورهم العارية لقمع قوات الإحتلال.
لم تستمر الإنتفاضة بمسارها الشعبي على غرار الإنتفاضة الأولى لمواجهة الإحتلال، الذي واجهها بإرهاب وعنف بعد أن إختار الفلسطينيين إستخدام الكفاح المسلح في مواجهة الإحتلال، الذي وجد في ذلك فرصة لإرهاب الفلسطينيين بقتلهم بالصواريخ والعقاب الجماعي، واقتحام مدن الضفة الغربية وإعادة احتلالها.
وما تلا ذلك من فرض شروط وإملاءات وتآمر وتواطؤ وخذلان عربي ودولي، وما صاحب تلك المرحلة من خيبات وانكسارات فلسطينية، برغم استمرار مقاومتهم المسلحة في قطاع غزة، وما ارتكبته "إسرائيل" في القطاع من جرائم وما زالت لقمع أي مقاومة فلسطينية.
وما وصل إليه حال الفلسطينيين من إنقسام وشرذمة وفقدان الثقة واليقين بكل القيادات والفصائل التي لم تفكر بتعديل المسار، والقيام بمراجعات وطنية حقيقية لمسيرة النضال الفلسطيني ووسائله، وعثراته والعقبات والتحديات التي تواجه الفلسطينيين ومشروعهم الوطني من تراجع.
الحال يزداد سوءًا، وما هو مطلوب من القيادة والفصائل لم يتم القيام به، فالحفاظ على صيرورة وجذوة النضال الفلسطيني لمواجهة احتلال استعماري عنصري، يحتاج إلى إعادة مراجعة وإستنهاض وتعريف المشروع الوطني والقضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية التاريخية، انطلاقاً من أنهم حركة تحرر وطني تكافح من أجل الحرية والاستقلال، وعليهم البدء بإعادة بناء منظمة التحرير ومؤسساتها كهيئة معنوية جامعة لكل الفلسطينيين وعلى أسس وحدوية.
سنوات الإنقسام سنوات هزيمة، سهلت على "إسرائيل" الاستفراد بالفلسطينيين، فإنهاء الانقسام مهمة وطنية للحفاظ على الهوية الفلسطينية من الضياع، و"إسرائيل" تحاول طمسها، وفصل غزة عن الضفة وعن باقي مكونات الشعب الفلسطيني.
ما يعيشه الفلسطينيون من تشرد ولجوء وإنقسام كارثي أثر في فهم الثقافة والتربية الوطنية الجامعة، وتمسك كل طرف بروايته وسيطرته على منطقة حكمه، وشوهت وشتت الرواية التاريخية في عقول الأجيال الصاعدة، والتي تؤرخ لنكبة ومعاناة الفلسطينيين والحق التاريخي في وطنهم بعد أن تعرضوا للطرد والقتل والتشرد من إحتلال عنصري مجرم ولا يزال يرتكب جرائمه ومستمر فيها. وأصبحت بحاجة إلى إعادة تعريف، ونشرها والبدء بتوعية وتربية وطنية حقيقية إنطلاقاً من أن هناك رواية تاريخية واحدة بإستهداف الأجيال الشابة، وما يسمون جيل الإنقسام التائه وغيّب عن واقعه النضالي والإشتباك اليومي مع الإحتلال، وترك وحيدا يبحث عن ذاته وهموم يومية بحلول فردية، وأن كل فرد في المجتمع له دوره في مقاومة الإحتلال وبناء المجتمع الفلسطيني الحر.