تدخل الانتفاضة الشعبية شهرها السابع بإشتباك انتفاضي يحافظ على مظاهره العامة من طعن ودهس وإلقاء زجاجات حارقة وغيرها من مظاهر الكفاح والفعل الشعبي، ورغم كل القوة وجبروت وطغيان الإحتلال وما استخدمه ويستخدمه من إجراءات وممارسات قمعية وإجرامية
والتي باتت أكثر "تغولاً" و"توحشاً" مثل عمليات الإعدام الميداني والتي رأينا آخرها بحق الشهيد عبد الفتاح الشريف، وجدنا بأن "إسرائيل" تفشل بقوة في إخماد ووأد هذه الإنتفاضة والتي أصبحت ترى فيها تحدياً وجودياً لها كما هو حال حركة المقاطعة (BDS).
"إسرائيل" فشلت في إنهاء الإنتفاضة وسآتي على ذكر التفاصيل في المقالة وبالمقابل نحن حتى اللحظة الراهنة فشلنا بإمتياز كقوى وأحزاب في تحويل الإشتباك الإنتفاضي إلى خيار سياسي يتجاوز أوسلو والإنقسام. وما زال هذا الإشتباك الإنتفاضي يسير بدون قيادة وأهداف وطنية موحدة، وتغيب عنه الركائز الفكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والوطنية الموحدة.
الإنتفاضة تتعرض لعدة مخاطر جدية، يراد منها ذبحها، الإحتلال "المتغول" و"المتوحش" في ظل سلطة منهارة يصعد من هجومه السياسي، وفي الجانب الآخر يستخدم أقصى قوته العسكرية والأمنية لكي يسحق بأقصى سرعة عصب الإنتفاضة، قادتها الميدانيين، يطوع ويخترع ويشرع قوانين "قراقوشية" ويتخذ قرارات عنصرية مغرقة في التطرف لخدمة هذا الهدف، حيث نشهد تصاعد في عمليات الإعدامات الميدانية بشكل سافر، محمد أبو خلف في باب العامود بالقدس (بوابة دمشق) وعبد الفتاح الشريف في الخليل، إستمرار احتجاز جثامين شهداء القدس الـ(14)، والذين مضى على وجود البعض منهم في ثلاجات الإحتلال سته شهور، ترك الشهداء ينزفون حتى الموت، الإعتقالات المستمرة وبالذات الأطفال القاصرين، توسيع دائرة الإعتقالات الإدارية والإبعاد عن الأقصى والقدس، الهجوم الإستيطاني المتصاعد كـ"البلدوزر" والملتهم للأراضي الفلسطينية، المصادقة بالقراءة الأولى على إبعاد أهالي الشهداء إلى خارج الضفة الغربية والقدس، هدم منازل أهالي الشهداء والأسرى، توسيع طائلة العقوبات الجماعية، بحيث تشمل فرض حصار مشدد على البلدات التي يخرج منها الشهداء، وسحب تصاريح العمل والعلاج من أبناء البلدة ..الخ.
الخطر السياسي على الإنتفاضة يتأتى من عدة اطراف معنية بوقف مفاعيل وتطورات هذه الإنتفاضة، لأن من شأن إستمرارها وتصاعدها خلق حالة من عدم الاستقرار في الدول المحيطة بفلسطين وبالذات مصر والأردن، وإستعادة القضية الفلسطينية لمكانتها كحلقة مركزية في الصراع العربي- الإسرائيلي، وان تصبح على رأس الاهتمام الدولي، بعد النجاح في تغيبها لفترة طويلة، من شأنه قلب الأوراق وبعثرتها وتغير في سلم الأولويات الأمريكية والأوروبية الغربية والإقليمية والعربية، والتي باتت ترى بأن الألوية للصراع والحروب المذهبية والطائفية وحروب التدمير الذاتي العربية، والمسألتان السورية والعراقية، ولذلك سعت أمريكا لممارسة أكبر قدر من الضغط على السلطة الفلسطينية، لكي تعمل على وقف الإنتفاضة، ومنع تطورها وتصاعدها واتساع نطاقها وشموليتها، والمساعدة الجدية من أجل السيطرة على الوضع، ورغم أن السلطة حسب ما قالته الحكومة الإسرائيلية وأجهزة أمنها، بانها أحبطت أكثر من (40)% من العمليات ضد الإسرائيليين (جنود ومستوطنين)، وأبعد من ذلك عندما ذهب الرئيس أبو مازن للقول بأن الأمن الفلسطيني يفتش حقائب طلبة المدارس وصادر أكثر من (70) سكينة، كل ذلك لم يجعل أمريكا تمارس أية ضغوط جدية على "إسرائيل" من أجل وقف الإستيطان أو حتى إطلاق سراح الدفعة الرابعة من أسرى ما قبل أوسلو، التي عطل نتنياهو إطلاق سراحهم، عندما فشلت المفاوضات التي قادها وزير الخارجية الأمريكي كيري لمدة تسعة شهور، بل كانت تريد العودة إلى المفاوضات بدون أية شروط، مع تحميل الطرف الفلسطيني المسؤولية عن ما يسمى بـ"العمليات الإرهابية"، وتبني الموقف الإسرائيلي بأن "إسرائيل" تدافع عن نفسها في وجه "الإرهاب" الفلسطيني، ولذلك وجدت السلطة بأن عودتها للمفاوضات، هي ربح صافي لـ"إسرائيل"، وغطاء لها من أجل الإستمرار في الإستيطان، ولم تتمكن أمريكا من تحقيق هدفها بوقف الإنتفاضة لأنها لم تقدم للسلطة الفلسطينية سوى الوعود الفارغة الجوفاء التي خبرتها جيدأ.
أما الخطر الآخر فهو "إبر المورفين" والتخدير والرشى الإقتصادية للمنتفضين والشعب الفلسطيني، من خلال زيادة تصاريح العمل للعمال الفلسطينيين، والتصاريح للتجار وغيرهم، متوهمة "إسرائيل" بأن تحسين شروط وظروف حياة الفلسطينيين تحت الاحتلال من شأنه أن يوقف الإنتفاضة، ولكن هذه الإنتفاضة، لم تكن دوافعها الفقر والبطالة والجوع، بل الاحتلال وإستمرار وجوده، هو جوهر قيام هذه الإنتفاضة، وإستمرارها، حتى مثل تلك الرشى تراجع عنها الإحتلال، عندما وجد بأن أكثر من عملية طعن أو دهس نفذت من قبل شبان فلسطينيين ليس لديهم أو لديهم تصاريح عمل في القدس والداخل الفلسطيني- 1948.
وكلك الإنتفاضة تواجه خطر الخفوت والهبوط في ظل غياب القيادة الوطنية الموحدة، وتعمق وتكرّس الإنقسام وشرعنته، كمشروع تفكيكي للحقوق والخريطة والشعب والحقوق، وإستمرار التنسيق الأمني وتطوره والإصرار على بقاءه وفق تصريحات قيادة السلطة الأمنية والسياسية.
أما استمرار رهانات "أوسلو" واستمراء "لعبة" الانقسام، وبالتالي، التلكؤ في تبني ودعم وقيادة خيار الشعب المستعد للعطاء والتضحية بلا حدود، فيعني أن الحالة الشعبية باتت متقدمة، في وعيها الوطني واستعدادها الكفاحي ومبادراتها الشجاعة، على نخب قيادية يكبلها إرث المنظومة الفكرية والسياسية والأمنية والأخلاقية والنفسية لـ"أوسلو" والانقسام.
الاشتباك الانتفاضي الميداني المستمر حقق إنجازات سياسية ومعنوية مهمة جداً، فهي بددت الأوهام وقالت بشكل واضح بأن مسار مدريد- أوسلو لن يقود إلى حل ودولة، ولكن لم تصل مرحلة الإنجاز الإستراتيجي بإنكفاء الاحتلال بالمقاومة عن الأراضي المحتلة عام 1967، أو إزالة تمظهراته الأمنية والعسكرية والإستيطانية والإقتصادية، وهذا الإشتباك الإنتفاضي المستمر يقول لكل الواهمين بأنه لا يمكن تحصيل دولة عبر دائرة مفاوضات مغلقة وماراثونية، ولا يوجد أي مركب سياسي إسرائيلي من أقصى اليسار أو اليمين يوافق عليها أو يعترف بها، فحزب العمل الصهيوني "المعارض"، تخلى، في الآونة الأخيرة، حتى عن تأييده النظري، لما يسمى "حل الدولتين"، بحجة مصاعب تطبيقه، وطرح خطة انفصال من طرف واحد للتخلص من سكان القرى الفلسطينية المحيطة بـ"القدس الشرقية"، بوصفهم "خطراً ديموغرافياً" على، (ما تسميه الأحزاب الصهيونية كافة)، "القدس الموحدة" و"العاصمة الأبدية" لـ"دولة إسرائيل". أما برنامج حزب الليكود الحاكم بائتلاف مع أحزاب صهيونية علمانية ودينية أشد منه تطرفاً وفاشية، فكان ولا يزال: ("سلطة واحدة من البحر إلى النهر").
الخلاصة أننا كشعب فلسطيني مع دخول الإشتباك الإنتفاضي شهره السابع، فإن صراعنا مع المحتل ما زال في مربعه الأول، وما زلنا كشعب نواجه تحدياً وجودياً وليس سياسياً فقط، مرتبطاً بإستمرار إنكار قادة الاحتلال لوجود الشعب الفلسطيني، تأسيساً على إيديولوجيا "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، و"أين هو الشعب الفلسطيني"!، الذي نجم عن، وترتب على، نجاح الحركة الصهيونية في إنشاء، وتوسيع حدود، كيانها الغاصب: "إسرائيل".