مجدداً يقدّم المجاهد/ المناضل الوطني الأخ خضر عدنان أنموذجاً واضحاً وصريحاً، لكل من يرغب في أن يعرف الفارق بين المناضل الوطني، الذي يضحّي بكل ما يملك من أجل وطنه وشعبه والقيم الدينية والإنسانية العليا التي يؤمن بها،
وبين المناضل السياسي، الذي قد يقدّم ما يفيد الناس، وقد يحقق ما يفيد به نفسه فقط، والذي قد يسعى إلى تحقيق إنجازات وطنية أو حزبية أو جماعية، أو أنه قد يسعى إلى تحقيق مكاسب شخصية فقط بالدرجة الأولى، أو ما يشبه ذلك، وقد يشق طريقه لذلك، عبر مغامرة محسوبة أو يكتفي بسلوك الدروب المخملية، من خلال «التنظير» والتصريح والتقدم كواجهة لحزب أو فصيل أو جماعة!
والشيخ خضر، بات رجلاً خبيراً في شؤون الأسر لدى الاحتلال الإسرائيلي، بعد عشرة اعتقالات حتى الآن، وبات مجرباً وعارفاً بأساليبهم المختلفة والمتعددة، لكنه وحين يكون الرجل وحده في مواجهة غول هذا الزمان المدجج كوحش لا راد له بكل أدوات ووسائل البطش والقمع والقسوة، وحين يصبح ظهره للجدار، ولا يجد إلا وحده، يلقي بآخر ورقة في جعبته، وهي الإضراب حتى الموت عن الطعام.
صحيح أن الشيخ خضر ليس المعتقل الإداري الوحيد في سجون الاحتلال، لكن إضرابه عن الطعام علق الجرس، في لحظة كالحة، ولأن إشارات قلب الطاولة أتت من بعيد، ومن جهة أخرى، يبدو أن "إسرائيل" تخشاها جيداً، انتصر الشيخ المرابط مجدداً، بعد أن أصرّ على أن يكون الاتفاق مكتوباً مع العدو، فعلّق إضرابه بعد الاتفاق على إطلاق سراحه في ليلة القدر، يوم 12 من تموز القادم!
إضراب خضر عدنان ومن ثم انتصاره على الجلاد الإسرائيلي، في الوقت الذي بيّن فيه بوضوح بأنه يمكن ليّ ذراع "إسرائيل"، وأنه يمكن تمريغ أنفها في التراب، في هذه الأيام وفي هذا الوقت بالذات، الذي يقول فيه البعض بأنه غير مناسب للكفاح، وانه زمن "إسرائيل" بامتياز نظراً للظروف الإقليمية والظرف الداخلي حيث ما زال الانقسام قائماً، فإنه أظهر إلى أي مدى، مازال الفلسطينيون مقصّرين بحق أنفسهم ووطنهم، وإلى أي مدى ما زالوا «يلعبون» بالنار، أو أنهم يبددون الوقت، ويغفلون عن أسباب قوتهم وقدرتهم على مواجهة "إسرائيل"، وحتى الإطاحة باحتلالها، والتطويح بها، في أكثر من مناسبة وفي غير مجال.
أولاً، أظهرت نتيجة مواجهة رجل واحد مع الاحتلال الإسرائيلي، بأننا غافلون عن قضية الأسرى جميعاً، والذين يمكن تحريرهم أو على الأقل تسخين ملفهم من خلال وسائل أخرى غير ما يطرحه المركزان القياديان المتنافسان والمتصارعان منذ سنوات على قيادة الشأن الفلسطيني، ونعني بذلك من خلال المفاوضات أو كأحد شروط استئنافها، كما جرت العادة في أكثر من مناسبة سابقة، أو من خلال تبادل الأسرى، بعد محاولة أسر جنود إسرائيليين، من خلال عملية عسكرية، كما حدث قبل تسع سنوات، في عملية «الوهم المتبدد» أو من خلال المواجهة العسكرية، والتي تجري عادة بمعدل كل عامين مرة، بين حماس و"إسرائيل"، مع ما يعنيه هذا من مرور الوقت، والسجين على أمل يجيء الفرج، من خارج القضبان.
هذا درس، كان الشعب الفلسطيني بأسره قد تعلمه قبل عقود، وهو أن يتحرك بنفسه، ولا بأس من تضامن وتعاضد من هم في الخارج، فلو أن الأسرى الفلسطينيين، الذين يعدون عدة آلاف في سجون الاحتلال، قرعوا الجرس، وفق خطة جماعية ووطنية، تبدأ مع ذويهم وأسرهم، كما فعلت زوجة الشيخ عدنان وأولاده، ومن ثم تفاعل فصيله بكل ما لديه، كما فعل الجهاد الإسلامي، ثم تفاعل المجتمع الفلسطيني بأسره، أي لو أننا نتوحد جميعاً وراء ملف محدد، ونحدد هدفاً واحداً فننجزه، بدلاً من الإصرار على جمع كل الملفات جملة واحدة، والعمل وفق سياسة، كل شيء أو لا شيء، لربما كنا حققنا شيئاً.
أما هكذا، فإن استمرار حماس وفتح في العراك الداخلي، لن يبقي على الانقسام وحسب، بل إنه لن يؤدي إلى إنجاز ملف واحد، مهما بدا ممكناً (مثال على ذلك ملف الأسرى)، وطالما بقي الرهان على كسب العراك الداخلي كهدف، فإن خسارة العراك الخارجي، أو على الأقل عدم التقدم فيه، وعدم تحقيق نجاحات أو مكاسب على طريقه إنما هو أمر مؤكد.
ربما يكون الرئيس قد استطاع بحنكته أن يحتوي ممانعة حماس للتعديل الحكومي، باشتراطات دفع ثمن الموافقة على الخطوة، استناداً لاتفاق المصالحة السابق، وربما تكون حماس قد حققت شيئاً، بتحريك المياه الراكدة في ملف الحصار، بتوجه الأسطول الدولي مجدداً، بعد أربع سنوات على آخر محاولة، لكن كل هذا يعني العودة إلى المربعات الأولى، وإلى أن طرفي المعادلة الداخلية، ما زالا يدوران حول أول الطريق، أو أنهما مثل «سيزيف» ما أن يظن بأنه قد وصل أعلى قمة الجبل حتى يهوي إلى سفحه مجدداً، مع أن عنوان الخروج من كل هذا مكتوب على الباب ومشرع أمام العيون، لكن وحيث إن الساحة يبدو أنها باتت مليئة بالمناضلين السياسيين، في الوقت الذي نحن ما زلنا نحتاج فيه إلى مناضلين وطنيين، فإن شيئاً جديداً لا بد أن يحدث، وهو الشيء الذي يغيّر من معادلة السلطة والمعارضة لشعب ما يزال تحت الاحتلال، يحتاج فيه إلى قيادة وطنية أكثر من حاجته لإدارة للحكم، قيادة تجمع الكل الوطني وتقود الصراع مع الاحتلال في الميدان وعلى الطاولة بنجاح، ولربما كنا على موعد مع هذا الجديد مع الفجر القادم ونحن لا ندري ولا نعلم!.