(1) العودة حق كالشمس كما هي الشمس حق كالعودة سواء بسواء، إنه يتأكد في كل يوم إيماننا بحتمية العودة لديارنا التي هُجِّرنا منها بالقمع والقهر والتضليل وبالوعد والوعيد، فجُرِّد شعبنا من سلاحه، وهو من فَجَّر ثورة البراق التي قتل فيها من الصهاينة عدد كبير،
ففي صفد التي أعدم أحد أبنائها (الشهيد فؤاد حجازي) قُتل من عصابات صهيون نحو سبعين صهيونيّاً، وفي الخليل التي أعدم اثنان من أبنائها _وهما الشهيدان: (محمد جمجوم، وعطا الزير)_ قتل أكثر من ستين صهيونيّاً، وكذلك في القدس التي هي شعلة الثورة، هكذا مع كل ثورة وثائرة كان يدفع الصهاينة الأغراب أثماناً بالغة الكلفة.
نعم، جُرد الفلسطينيون من سلاحهم؛ لأن جيوشاً عربية رسمية هي من ستحمل على عاتقها الحيلولة دون إقامة وطن قومي للصهاينة على أرضنا فلسطين، وبالفعل قَدِمت الجيوش بعدد محدود (20500 جندي)، وسلاح فاسد، وقيادات كان يعوز أكثرها الوطنية، ولاسيما أن منها من كانت لا تزال تحت القيادة المباشرة للإمبراطورية (بريطانيا) التي أعطت الوعد، وكان أول مندوب سام لها في فلسطين (هربت صموئيل) يهوديّاً صهيونيّاً.
(2)
وكنا _وما زلنا_ نتساءل نحن الفلسطينيين: أحقّاً أن من أعطت وعداً هي من ستحول دون تحققه؟!، أكان غلوب باشا (القائد العام لأحد تلك الجيوش القادمة إلينا) سيمنع بلفور باشا من تحقيق وعده؟!
ولكن الحقيقة التي تبدت لنا ولكل رائي أن المخرج هو من أراد أن يتم الإخراج النهائي لإعلان ظهور ذلك التخصيب النكد الذي سمي (إسرائيل) بانتصار عصاباته المجرمة في حرب استعراضية، بحيث يخيل لنا أن الأرض انتزعت بقوة السلاح؛ ليأخذ الكيان شرف الانتصار على ستة جيوش عربية؛ فتكون الكارثة والبطولة؛ فيتعزز وجوده في رحم هذه الأرض التي تنفي خبثها.
(3)
ولكن، انظر إلى الحقيقة، وهي أن (هاجانا) _وهي كلمة روسية بمعنى الدفاع_ وحدتها الضاربة (بلماخ) قد عمل أغلب أفرادها في الجيش البريطاني في فيلق خاص بكتائبه الثلاث (روماة الملك 38، وروماة 39، وروماة40)، كان تعداد مقاتليها في معارك الـ(48) (60000) مقاتلاً، وكان عدد مقاتلي عصابة (إيتسل) (آرغون) التي انشقت عن (هاجاناة) وتولى قيادتها (مناحيم بيغن) (7000) مقاتل، وعصابة (إشتيرن) (ليخي) (مقاتلون من أجل حرية إسرائيل) المنشقة عن (إيتسل) كان تعداد مقاتليها (3000) مقاتل، وذلك بمجموع يزيد على ثلاثة أضعاف الجيوش العربية، وقد نفذت في حرب 1948م الخطة (دال) التي وضعت عام 1947م، والقاضية بتوحيد كل العصابات تحت قيادة مشتركة تتزعمها (هاجانا).
وهكذا استمرت حلقات الخيانة ليخرج الغراس النكد في غلاف ديني يهودي، وباستنساخ توراتي تلمودي، ويسمى (إسرائيل)، مع أن فكرة عودة اليهود إلى فلسطين قادتها جميعاً ليس أيًّا منهم من أسباط بني إسرائيل الاثني عشر، بل أصول هؤلاء (الشكنازيم) من القبائل الخزرية التي سكنت وسط آسيا وتهودت في العصور الوسطى، مع أن اليهودي في عقائد اليهود من كانت أمه يهودية، وكان أول من نادى بالفكرة الصهيونية هو (مارتن لوثر) زعيم الصليبيين البروتستانت لخدمة أبعاد دينية وأطماع استعمارية، لا (ثيودور هرتزل).
وقد سبق عقد مؤتمر بال بالعاصمة السويسرية في عام 1897م إقامة سبع عشرة مستوطنة في فلسطين، لتتحقق تلك الفكرة الاستعمارية الإمبريالية عن طريق الدولة اللقيطة؛ للحفاظ على مصالح الدول الكبرى التي ترعاها وتمدها بأسباب البقاء وعوامله في المنطقة الإسلامية.
(4)
وفي سنة 1938م عملت عصابة (هاجانا) على شراء السلاح من كبار تجار السلاح من سوريا ومصر ولبنان وتونس بأسعار مضاعفة، على ألا يبيعوا غيرهم.
وأكثر من ذلك بدأت بالبحث عن أسرار القنبلة النووية منذ عام 1946م، بعدما أودع (ديفيد بنغوريون) مبلغاً طائلاً تحت تصرف (شيمون بيرس) ليقوم بهذه المهمة وامتلاك هذا السلاح القاتل؛ لأنه يعلم أنه لا بقاء له في المنطقة إلا بما يضمن خيار شمشون (عليَّ وعلى أعدائي)، فعلاً يتعاملون كما يتعامل الخاطفون الغاصبون.
ومن السخريات أن تُساق المحرقة المدعاة التي قيل إن النازيون نفذوها باليهود في أوروبا، وأغلب تلك الممارسات كانت عقابًا على خيانات قاموا بها، مع أننا لسنا نحن بأي حال من الأحوال طرفاً في ذلك، بل تاريخيّاً يسجل لنا نحن المسلمين أن اليهود قد عاشوا أفضل عهودهم في كنف الدولة الإسلامية، وعلى مدار قرونها المديدة.
وللذين يلمزون صناعات المقاومة وبداياتها نقول: إن التصنيع العسكري الصهيوني الذي بدأ في سنة 1933م كان أول إنتاج عسكري له "الكوع"، وبالإرادة أصبح الكيان لا يصدر فقط الصناعات العسكرية المتطورة، بل أيضًا تكنولوجيا الاتصالات العسكرية، وأحدث أنظمة التحكم والمراقبة.
(5)
أقيم الكيان الصهيوني على أنقاض شعب هُجِّر من أرضه، ولن تمحى هذه الدولة اللقيطة إلا بعودة المهجرين إلى ديارهم وتعويضهم، ومحاسبة المجرمين الذين سولت لهم أنفسهم تقزيم القضية في ثوب إنساني وشعب يريد دولة على جزءٍ من أرضه لتطبيع وجود الكيان.
يوم أقيم الكيان لم يقم على أنقاض دولة بل كنا _ومازلنا_ جزءاً من أمة عظيمة غيبت قسراً من المشهد الحضاري، وإنا نؤمن بحق تقرير مصيرنا على أرضنا كلها أو أي جزءٍ يحرر منها، ولكن ليس على حساب حق عودة كل من هجروا وذرياتهم إلى مدنهم وقراهم التي اقتلعوا منها عنوة تحت نير العدوان والبطش، وذلك هو الأساس والجوهر لقضيتنا بكل أبعادها.
وإنه في هذا العام (2015م) يمر على التهجير 67 سنة، وعلى حرب 4 حزيران 1967م 48 سنة، لعلها مفارقة جميلة؛ لنجعل من حق العودة محورًا تتكتل حوله كل الجهود الفلسطينية في إطار واحد يبتعد كثيراً عن التفرقة وروح الانقسام الحاصل بفعل اختلاف البرامج، وليكون هذا الحق مُوحِّداً للشعب الفلسطيني بكل أطيافه ومؤسساته في أماكن وجوده كافة.
فلسطين أون لاين