Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الاستراتيجية السياسة الإسرائيلية الجديدة..!!.. صابر عارف

الاستراتيجية السياسة الإسرائيلية الجديدة..!!.. صابر عارف

  لم يتمكن حتى الآن بنيامين نتنياهو المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، من تشكيل حكومته وطالب بفرصة أسبوعين جديدين لاستكمالها وتقديمها للكنيست الصهيوني للمصادقة عليها، وأكاد أجزم بأن الأمر ﻻ يتعلق بأية عقبات أو صعوبات يواجهها في التحالفات وفي التشكيل،

فالأمر بات بيناً وواضحاً بأن ﻻ بديل ولا منافس لنتياهو في رئاسة الحكومة القادمة، بعد أن توجّه "بنو إسرائيل" ملكاً عليهم بانتخابه للمرة الرابعة، وكرّسوا نزوعهم نحو المزيد من اليمينية والعنصرية والتوسع والاستيطان.

وعليه فإن الأمر ﻻ يتعلق بصعوبات وعقبات بمقدار ما يتعلق بوضع الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة "للتصدي ولمواجهة مرحلة  تاريخية هامة" من تاريخ المنطقة ككل، ومن تاريخ الكيان الصهيوني نفسه.. مرحلة هامة وحاسمة تتسم بالدقة والحساسية والتعقيد الشديد، وتجمع ما بين الأمن الظاهر، وبين الخطر الكامن، ويمكن القول بأنها تتسم وتتحدد بالسمات والصفات الرئيسية الجوهرية التالية:

■ تتسم بالوحدة والتماسك المجتمعي الصهيوني حول تزايد النزوع نحو التطرف والتشدد العنصري والتوسعي، ندر له مثيل في تاريخ الوجود الصهيوني، وهذا يطلق يد أي زعيم أو أي قيادة، فما بالكم بنتنياهو وبالقيادة الحالية الأكثر غطرسة.

■ تتسم بقدرات عسكرية صهيونية ضاربة، بالغة القوة والاقتدار، تتحدى فيها القرارات الدولية كقرارات لوزان الإيرانية الدولية، وتهدد وتصرب في كل محيطها بلا خوف وبلا تردد.

■ تتسم بالمقابل بوضع فلسطيني منهك حتى النهاية، مقسّم ومفتت، والصدق والصراحة تقتضي أن نقول أنه بلا قيادة، أو بقيادة أهزل من هزيلة، إن لم نقل أكثر.

■ وضع عربي لا يتسم بالانهيار والتفكك، وبجيوش قتلت بعضها بعضاً وهوت فحسب، وإنما بتصالح معلن، والمستتر منه أعظم، مع الكيان الصهيوني، وصل درجة التحالف الذي تفاخر واستقوى به نتنياهو أمام العالم أجمع.

■ وضع دولى بوصلته "إسرائيل"، مستسلم لها ولارادتها دائماً. وبعد نتائج الانتخابات التي كان يتمنى أن تأتي بغير نتنياهو لتلميع وجهه ولتسهيل حركته ومناوراته السياسية، وجد الوضع الدولي نفسه مضطراً لرفع الأيدي، والاستسلام مجدداً لمشيئتها. بحجة أن هذه "إرادة الناخب والمجتمع الإسرائيلي الديمقراطي"..!!

■ وبالمقابل فإن المرحلة والمنطقة العربية تموج وتحفل بالأعاصير العاتية، وتنذر بمفاجآت ومتغيرات يصعب تقديرها، خاصة أن النار ملتهبة في محيط الكيان ويصعب التحكم في توجيهها دائماً، فالسياسة كما الرياح متقلبة، وإن بنسب متفاوتة.

مع أن وضعاً كهذا لم تكن تحلم "إسرائيل" بمثله أو بأفضل منه، إلا أنها وكونها تنتمي لمؤسسات متميزة بنجاحها وتفوقها حتى الآن على الأقل، حتى لا يزايد علينا أحداً فيما نقول، فإنها لا تركن ولا تطمئن إلا لقوتها الذاتية ولتفوقها الدائم، الأمر الذي يفرض عليها مراجعة سياستها واستراتيجيتها باستمرار وإعداد ما يجب إعداده بدقة متناهية، بما في ذلك وضع الخطط البديلة كما يحصل الآن بالضبط. وربما هذا ما يفسّر تأجيل تشكيل الحكومة.

كما قلنا إن الاستراتيجية العسكرية ليس موضع بحث أو خلاف (باستثناء الموضوع المتعلق بالنووي الإيراني)، فهي موضع إجماع وفق القاعدة التي ذكرنا، والحوار يدور أساساً حول المسار والخيار السياسي الذي يجب السير والتعامل به مع الساكنين الفلسطينيين شرق "الدولة"..!! بعد أن أغلقت "إسرائيل" وليس نتنياهو فحسب "خيار وحل الدولتين". وسقط بذلك كل حديث عن مفاوضات وتسويات، وحلول للقدس والمستوطنات وما إلى ذلك من خرافات أصبحت عندهم من الماضي البعيد.

فبعد أن باتت هذه مسلمات "تل أبيب" وعلى الأرجح بأنها ستكون مسلمات واشنطن، والأيام بيننا كما يقول دائماً الأستاذ عبد الباري عطوان، أعتقد بأن الاستراتيجية الإسرائيلية السياسية القادمة تجاه الموضوع الفلسطيني ستقوم على قاعدتين:

الأولى: إعطاء السلطة الفلسطينية فرصة للقبول بالحكم الإداري الذاتي كما هو معرف إسرائيليا بلا زيادة ولا نقصان، وبدون مفاوضات. فإما وإﻻ. ولتحقيق ذلك لن تستخدم الحوار وإنما الإملاء والتنفيذ على الأرض لإرغام السلطة أو من ستفرخ للقبول بذلك وهم كثر على أية حال.  وهذا ما يعرف بالخطة "أ"  وهي المفضّلة جداً.

الثانية: إعادة العمل بما عرف سابقاً باسم الإدارة المدنية التي كانت تعمل وبقيت تعمل وما زالت تقوم بدورها في ظل السلطة، ولكن ستعمل هذه المرة بشكل رسمي ومعلن ومباشر مع السكان وليس من خلال السلطة، باعتبارهم ساكنين وليس مواطنين، والعمل على تحسين مستواهم المعيشي لتحقيق ما يسمونه بـ"السلام الاقتصادي". وهذا ما يعرف بالخطة "ب".

من المرجح، إن لم يكن من المؤكد أن هذا يفسّر ما يسمى برزمة "التسهيلات" لفلسطينيي الضفة والقطاع معاً، التي تتعلق بالأمور الحياتية اليومية لتحسين الوضع الاقتصادي الذي أصيب بالشلل نتيجة السياسات الإسرائيلية من حصار وحجز أموال. ولمواجهة ما قد يترتب على ذلك من مخاطر، فقد اتخذت منذ ما يزيد عن عام ويشكل متدرج سلسلة من الإجراءات التي لا يتسع المقال لذكرها، لتحقيق عدة أهداف، ليس أقلها:

- بروفه عملية ونظرية لتنفيذ سياستها القديمة الجديدة، بهدوء وتدرّج.

- محاولات لإمتصاص ردود الفعل الدولية نتيجة حصار الشعب الفلسطيني، ونتيجة للانسحاب الإسرائيلي من مسار وخيار التسويات والحلول السياسية.

- محاولات لتنفيس الاحتقان الشعبي الفلسطيني الذي لن ينفجر في وجه سلطة وهمية، ﻻ سلطة لها أساساً، وإنما سينفجر بوجه الضاغط والخانق الفعلي، فعادة ما توجّه الضربة للرأس وليس..

ستعتمد "إسرائيل" لتنفيذ سياستها هذه صيغ وأساليب جديدة أحادية الجانب، لتحقيق أهداف بعيدة المدى، وبعيدة عن الحلول السياسية والتسويات والمفاوضات لأنها لا تعترف بوجود طرف ثان. وستعتمد لتنفيذ الخطة "أ" الضغط والابتزاز بكافة الوسائل والأساليب، بما في  ذلك وعلى الأرجح شنّ حرب جديدة على قطاع غزة لضرب وتحجيم نفوذ الصوت المفاوم، وللتسهيل على السلطة أو من ستفرخ القبول بالحكم الإداري، وإلا فالعمل لخلق أجواء وربما تيار يلعن الساعة التي جاءت بها سلطة الأمر الواقع، ويفضّل الاحتلال عليها لأنه كفر بها، ويريد أن يعيش، ولن أدخل هنا في سجال حول وطنية أو لا وطنية هؤلاء. وهذا يفتح الطريق أمام الخطة "ب". ومن زاوية أخرى، قد يجد البعض بأن تحمّل الاحتلال المسؤولية المباشرة عن احتلاله أفضل بكثير على المدى المتوسط من استمرار الوضع القائم، حيث أن عنصريته وجشعه ستكون وجهاً لوجه مع الشعب المحتل.

للأسف الشديد فإن السلطة القائمة لا تغض الطرف عن هذه الإجراءات فحسب، بل ولأنها في حالة إفلاس قاتله، ولا تستطيع أن تفعل أو تقدّم أي شيء لجمهورها، فإنها تدعي بطولة تحقيق هذه "الإنجازات"..!! ولطالما سمعنا حسين الشيخ "وزير" الارتباط المرخص مع العدو يتغنى وأتباعه في المحافظات بهذه المهازل.

هنا وهنا بالضبط يكمن الخطر الشديد، بحيث يتسرّب "المشروع السياسي الإسرائيلي" من تحت ومن خلال السلطة بوعي أو بدون وعي. السلطة لن تعي أبداً لأنها فاقدة للوعي، فهل يعي الشعب؟! آمل وأصلي من أجل ذلك.