قل ما تشاء عزيري عن هذا السؤال العنوان، غبياً، مستفزاً، صادماً، ﻻ وحدوياً، وأوصل، حيث شئت، فمن وجهة نظري انه سؤال مشروع ومبرر لأسباب وجيهة عديدة لن نطيل في تناولها. فمن حيث المبدأ، فان البحث عن الحقيقة يبدأ بطرح اﻻسئلة الصعبة والمستفزة للعقل وللواقع،
ليكون الجدل والعصف الفكري للوصول الى الحقيقة النسبية التي تناسب وتلائم اللحظة التاريخية التي يمر بها مجتمع ما، حيث لم تتفق البشرية في يوم ما، على حقيقة واحدة، وقد يقول قائل بانهم اتفقوا على حقيقة مطلقة واحدة، وهي الحركة الكونية (وليس أياً من الحركتين، "فتح" او "حماس") كما أن الواقع الراهن يعطي مشروعية لطرح السؤال وفي هذا الوقت بالذات، فما تحقق من صمود واعادة اعتبار للشعب والقضية الفلسطينبة بعد نتائج الحرب اﻻخيرة على غزة في ظل اﻻنقسام، لم يتحقق في أي وقت آخر، بغض النظر عن تشكيك المشككين بما تحقق، لدوافع سياسية وتنظيمية بحتة، وبغض النظر عمن يكذبون علينا وعلى أنفسهم بأن ما تحقق كان في ظلال الوحدة، وفي ظل حكومة التوافق الوطني، فان الحقيقة والواقع غير ذلك، فالوحدة التي يتحدثون عنها وحدة شكلية ومظهرية ليس اﻻ، والحكومة غير الموجودة أساساً في الضفة، لم تكن موجودة في غزة، فالحرب اﻻعلامية المستعرة منذ لحظة وقف اطلاق النار، وسبات الحكومة السرمدي في الضفة خير دليل على ما نقول باننا كنا أمام وحدة شكلية وهشة.
قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية السبت الماضي ان استئناف المحادثات غير المباشرة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي سيكون يوم الاربعاء وذلك بهدف استكمال مفاوضات تثبيت اتفاق الهدنة الذي تم التوصل اليه بوساطة مصرية الشهر الماضي. واشارت الوكالة نقلا عن مسؤول مصري قوله ان وفدي "فتح" و"حماس" سيجتمعان في القاهرة يوم الثلاثاء لاستكمال ملف المصالحة الفلسطينية. وهنا لنا سؤال، أيوجد لحظة تاريخية فارقة، كما هي عليه الآن لتبرر طرح السؤال الكبير، لنبحث جميعا عن الجواب الصحيح والدقيق لنصل بسفينتنا إلى بر الأمان في زمن عاصف، أمواجه الصهيونية والداعشية عاتية، ﻻ ترحم، زمن ﻻ مجال فيه إﻻ لمن يستحق الحياة. فنحن أمام أعظم وأخطر مهمتين وطنيتين، إﻻ وهما مهمة مواجهة اﻻحتلال والعدوان من جهة، ومهمة توحيد الصف وتحقيق الوحدة الوطنية من جهة أخرى.
الإجابة التقليدية السريعة على السؤال، بأن الوحدة أفضل بمليون مرة من الإنقسام، وهي كذلك، اذا كانت الوحدة على أسس وثوابت وطنية واضحة المعالم، وهناك من يقول، ونحن منهم، بأن الوحدة الوطنية حتى وإن كانت هشة وشكلية، او حتى مفروضة بحكم الأمر الواقع، كما كان الحال اثناء العدوان الهمجي الأخير، حيث ﻻ مجال للتهرب من الوحدة لحظة استباحة الدم الفلسطيني، فانها كذلك أفضل من اﻻنقسام. اما اذا كانت الوحدة للتفريط بالحقوق والثوابت الوطنية، ولتقديم التنازﻻت على حساب الحقوق بدون ثمن، وإنما استجابة للضغوط واﻻملاءات. فان اﻻنقسام أفضل وأشرف مليون مرة من هكذا وحدة. نصرخ عالياً ونجاهر بهذا الرأي، أننا فعلاً أمام لحظة تاريخية وسياسية فاصلة وإستحقاقات كبيرة.
اننا أمام لحظة فارقة، أما أن نكون أو ﻻ نكون، فالصراع في المنطقة على أشده، فمن لم يمت بالسيف مات بغيره، وعلى العقل واﻻبداع الفلسطيني، المغيبين منذ سنوات وسنوات ان يجدا الطريق والسبيل الأمثل للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن الذي وضعتنا فيه سياسة وثقافة أوسلو وما نتج عنها، وما تضعنا فيه حركتي "فتح" و"حماس"، من حرب كحرب داعس والغبراء بينهما، بلا مبرر وبلا طائل منها. وللإنصاف فإن الحركتين تتحملان المسؤولية الكاملة بدرجات متفاوتة، ولكنني أﻻحظ وبكل تجرد وموضوعية ان حركة "حماس" تحاول التوازن أكثر والتحلي بالصبر، ربما لأنها قوية باﻻنتصار الذي تحقق وتخشى من تبديده، او لأنها تحت ضغط حاجة القطاع لفك الحصار وإعادة اﻻعمار، وربما للسببين معاً.
نحن بأمس الحاجة للصراحة ولقول الحق والحقيقة، وتحميل المسؤولية لمن يتحملها والإبتعاد والتخلي عن خطاب النفاق الوحدوي الذي تعج به ساحتنا الفلسطينية، خاصة في السنوات اﻻخيرة، والذي يستخدمه الكثيرون بشكل انتهازي ورخيص للوصول من خلال الخطاب التعويمي الذي ﻻ يزعل أحداً وفي نفس الوقت ﻻ يغني وﻻ يسمن من جوع، وكم يؤلمني ان يشارك في مثل هذا الخطاب شخصيات وطنية مناضلة كان لها تاريخ عريق وما زالت تحظى باحترام، وبلغت من العمر والتجربة التي يفترض ان تكون مواقفها واضحة وشجاعة، وﻻ أريد أن أقول أن تكون كحد السيف. لقد آن اﻻوان لأمثالنا أن نقول الحق وﻻ شيء غير الحق، فأي إمتيازات وفضائيات يريدون؟! إن ساحتنا وقضيتنا بأمس الحاجة للقول والرأي الجريء السديد، البعيد عن لغة المجاملات ولغة المصالح، التي تضع النقاط على الحروف وتحمل المسؤولية لمن يتحملها بعينه. فكفى قتلاً للوحدة باسم "لغة الوحدة".
من البديهيات والمسلمات أن ﻻ تقام وتبنى الوحدة الوطنية على قاعدة برنامج فصيل بعينه، اﻻ اذا كان فصيلا وحيدا في الساحة، (..) فلا بد وبالضرورة ان تتم وتبنى الوحدة على قاعدة القواسم المشتركة والجامعة، إذ ﻻ يمكن في الوقت الراهن، ان نفرض نموذج الضفة على غزة، او ان نفرض نموذج غزة على الضفة، فلا بد من إيجاد ما هو مشترك جامع ونافع وهذا ممكن وان كان فيه شيء من المخاطرة، اذا ما تحلت جماعة اوسلو وسلطة رام الله بقليل من الشجاعة الوطنية، وإذا ما تحلت "حماس" بشيء من التواضع لجهة حجمها ودورها الذي ﻻ ينكره راهنا اﻻ جاحد، والتجربة اللبنانية (وان كانت ليست محمية بما فيه الكفاية) ماثلة أمام أعيننا، ويمكن اﻻستفادة منها، وأمامنا التجربة الفيتنامية التي كانت تقاتل وتفاوض اﻻمريكان في نفس الوقت، بل تشن هجماتها النوعية والمفاوضون جالسون على طاولة المفاوضات في باريس. ليخرج العقل الفلسطيني الذي طالما تبجحنا بعظمته وعبقريته، بنموذج وتجربة رائدة جديدة، تجمع بين برنامجي المقاومة والمساومة.. برنامج يحمي سلاح المقاومة ويشرعه، ليكون ظهيراً للمفاوض المدافع عن الحقوق، وهنا تكون السلطة الواحدة والقرار الواحد سلما كان أم حربا، وليس سلما دائما على طول الطريق الى المقبرة. فهذا ليس سلما وﻻ سلاماً وإنما استسلاماً وخنوعاً. الوحدة الوطنية التي تشرع وتحمي المقاومة والسلاح المقاوم، هي الوحدة التي تلائم الوضع الفلسطيني، ومن يعجبه فأهلا، ومن ﻻ يعجبه، فليشرب مباه البحر الميت، كما كان يقول رمزنا ومثلنا الأعلى الشهيد أبو عمار.
وكشيء واقعي ومنطقي فان الشعب الفلسطيني، ﻻ يمكن له ان يتحد في هذه المرحلة بالذات على اي من برنامجي السلطة بقيادة "فتح"، أو برنامج "حماس" بقيادة الإخوان المسلمين (..) في هذه المرحلة، فلن يقبل فلسطيني واحد غير مستفيد بتسليم قطعة سلاح واحدة قبل نيل الحرية واﻻستقلال، كفى.. كفى: لقد ذقنا الأمرين وشبعنا ذﻻً وهواناً، لن نقبل بتسليم السلاح تحت عنوان وشعار، الشرعية والقانون والسلاح والقرار الواحد، قبل جلاء اﻻحتلال جلاء تاما، وإﻻ لن نكون إﻻ عبيداً بأجر أو عملاء بأجر. والأجير يبقى أجيراً مهما غلا ثمنه. لن نتحد على ركام تجربة لم تجلب لنا سوى الذل والعار، الذل أمام شعوب العالم التي فقدنا احترامها، والعار أمام أنفسنا، ونحن نقف أذﻻء أمام حاجز او معبر بانتظار إشارة من يقف على الحاجز، الم يقل أبو مازن نفسه وبعظمة لسانه، مراراً وتكراراً بأنه ﻻ يستطيع ان يخرج من بيته او مقر عمله اﻻ بتصريح مسبق. لن نتحد بالتهديد بلقمة عيش ابناء غزة، ولن نتحد بالتهديد باستمرار حصار غزة واغلاق معابرها، ولن نتحد في ظل التهديد بعدم إدخال مليم أو إعمار لغزة بدون تواجد الحكومة والشرعية، هذا موقف العدو وحلفائه القدامى والجدد، وليس موقفنا، ليس موقف أي فلسطيني حر، وهذه مطالبنا وحقوقنا التي سنتمسك فيها.