Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

غزة لا تستحق كل هذه المعاناة!... رجب أبو سرية

غزة لا تستحق كل هذه المعاناة!... رجب أبو سرية

ما كاد موظفو السلطة الفلسطينية من أبناء قطاع غزة يصحون من وقع ما تعرضت له كشوفات رواتبهم قبل نحو أسبوع من خصومات طالت ما تسمى علاوة المواصلات والعلاوات الإشرافية، حتى جاء تقرير مدققي الحسابات في الاتحاد الأوروبي، والذي تضمن التوصية بوقف تمويل موظفي الخدمة العامة التابعين للسلطة من المقيمين في قطاع غزة.

 

الغريب في الأمر هو أن التقرير يصف موظفي الخدمة العامة من مواطني القطاع بأنهم عاطلون عن العمل، مع انهم لم يتوقفوا عن العمل، لا بسبب عجزهم عن القيام بواجبهم الوظيفي، ولا بإرادتهم أو برغبتهم، ولكن التزاما بقرارات قيادة السلطة - أي رب العمل - وما زالوا ملتزمين بتلك القرارات والتي لو صدرت بتوجههم الى عملهم لفعلوا فورا وعن طيب خاطر.

والأشد غرابة ان التقرير إياه تجاهل أن هذا الواقع إنما هو قائم منذ سبع سنوات، وليس وليد اللحظة، لذا فإن السؤال هو، لماذا تجاهل مدققو الحسابات المذكورون هذا الأمر كل تلك السنين، وتذكروه فقط هذا العام، إن لم يكن للأمر علاقة بمحاولة اجراء ضغوط سياسية على قيادة السلطة لقبول مقترحات أو اتخاذ مواقف سياسية ترفض اتخاذها حتى الآن !

ثم إن التقرير ينظر الى نصف الكأس، فيتجاهل أكثر من أمر، أولا : يتجاهل أن اكثر من سبعين ألف موظف يتلقون رواتبهم في قطاع غزة، وهذا ربما يصل الى نصف الدخل الذي يصل القطاع، ووقفه يعني أن يتعرض القطاع، المحاصر أصلا والمنهك والذي وصلت فيه معدلات البطالة الى أرقام قياسية، الى انفجار فوري، والى مجاعة حقيقية، أين منها المجاعة في الصومال، ثم ثانيا: يتجاهل أن عودة هؤلاء للخدمة سيترتب عليها أموال إضافية، أجور مقرات، وتجهيزات أثاث، مواصلات، وميزانيات أخرى للوزارات والقطاعات الخدمية، ستضاعف من الميزانية المطلوبة، وثالثا: إن الغالبية الساحقة من هؤلاء الموظفين، قد التحقوا بالخدمة العامة منذ إقامة السلطة قبل نحو عشرين عاما، أي انهم كوادر وظيفية على قدر عال من الكفاءة والخبرة، وأنه معظمهم قد تجاوز الأربعين من العمر، وبات على ابواب التقاعد، وان السلطة لو لجأت الى مثل هذا الفصل التعسفي فإنه سيترتب على ذلك دفع مبالغ طائلة كشروط جزائية !

الأشد غرابة ان يجيء الاقتراح من جهة لها علاقة بالثقافة الأوروبية التي ترفع من شأن حقوق الإنسان، وتدرك ان مثل هذه الخطوة، وإضافة الى ما سيترتب عليها من كوارث مجتمعية على قطاع غزة، فانها غير ممكنة من جانب واحد، لأن ذلك سيعني "الفصل التعسفي"، ويمكن فقط في أسوأ الأحوال أن يتم بحث الأمر مع الموظفين فرادى او مع من يمثلهم، لبحث إمكانية التقاعد المبكر - مثلا - مع صرف التعويضات المناسبة، كما حدث مع العسكريين من موظفي الخدمة العامة العام 2007 وما تلاه.

بقي أن نقول إن هؤلاء الموظفين الذين تجندوا للخدمة العامة وللكفاح في صفوف السلطة باعتبارها مشروع الدولة المستقلة منذ أن أقيمت العام 1994، كانوا اكثر من تضرر بفعل الانقسام، الذي ليس لهم فيه يد، وهم ومنذ سبع سنوات يحصلون فقط على الراتب الأساسي بلا علاوات وبلا ترفيعات وهي حقوق طبيعية للبشر من العاملين في القطاع العام في كل انحاء الدنيا، إضافة الى ذلك يتحملون عناء الإقامة في القطاع المحاصر والذي يفتقر لمعظم شروط الحياة الإنسانية، وأولها - على سبيل المثال لا الحصر العيش بلا كهرباء - تقريبا - طوال تلك السنوات، إصافة طبعا للمشاكل الناجمة عن شح البضائع وصعوبة السفر والتنقل وما الى ذلك، وكأن قطاع غزة وأهله يعاقبون على كفاهم الوطني وعلى أنهم كانوا أول من اطلق الرصاص وأول من أطلق الحجارة، وأول من احتضن السلطة، وما يؤسي في الحقيقة، ليس فقط ان يتجرأ الآخرون على "لحم الفلسطينيين الحي" ولكن أن يظل اهل البيت من أصحاب القرار على هذا الانقسام الممض، الذي كان السبب ولا يزال في أن يطمع فينا كل كائن، مع ان بإمكان الفلسطينيين لو تحرروا من عجزهم وانقسامهم ان يعتمدوا على أنفسهم، وفي بحر غزة غاز طبيعي وتحت أرض الضفة نفط، وهناك شباب مستعد للنحت في الصخر، للظفر بحياة حرة كريمة.

يبدو أن مآسي الانقسام لن تتوقف وليس لها مدى له قاع، فإذا كان أهل قطاع غزة يعانون كل هذه المعاناة فإن أهل الضفة أيضا، انعكس الانقسام عليهم ضعفا في مواجهة الاحتلال، وتأخيراً لجلائه، كما انه انعكس على فلسطينيي الخارج والشتات، الذين لا يجدون لهم مأوى، حين تضيق بهم بلاد اللجوء فيذهبون الى البحر ليواجهوا الغرق والموت، وكان وطنهم أولى بهم.