يلخص الشاعر الراحل، الحاضر دائما بقوة محمود درويش في قصيدته المعروفة ( الأرض) معاني ودلالات يوم الارض الخالد بالنسبة للشعب الفلسطيني ، حيث قال :"في شهر آذار، في سنة الإنتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية. في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات.
وقفن على باب مدرسة إبتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق النهائي – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي".
قبل ثمانية وثلاثين عاماً، وبالتحديد في يوم السبت الثلاثين من شهر مارس/آذار 1976، وبعد ثمانية وعشرين عاماً في ظل أحكام حظر التجول والتنقل، وإجراءات القمع والإرهاب والتمييز العنصري، والإفقار وعمليات اغتصاب الأراضي وهدم القرى، والحرمان من أي فرصة للتعبير أو التنظيم، هبّ الشعب الفلسطيني في جميع المدن والقرى والتجمعات العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 ضد الاحتلال الصهيوني. وقد اتخذت الهبة شكل إضراب شامل ومظاهرات شعبية عارمة، أعملت خلالها قوات الاحتلال قتلاً وإرهاباً للفلسطينيين، حيث فتحت النار على المتظاهرين، مما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين، هم: الشهيدة خديجة شواهنة والشهيد رجا أبو ريا والشهيد خضر خلايلة من أهالي سخنين، والشهيد خير أحمد ياسين من قرية عرَّابة، والشهيد محسن طه من قرية كفركنا، والشهيد رأفت علي زهدي من قرية نور شمس واستُشهد في قرية الطيبة، هذا إضافة لعشرات الجرحى والمصابين، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 300 فلسطينيي. وكان السبب المباشر لهبّة يوم الأرض هو قيام السلطات الصهيونية بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عرّابة وسخنين ودير حنّا وعرب السواعد وغيرها، لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطّط تهويد الجليل، ويشار هنا إلى أن السلطات الصهيونية قد صادرت خلال الأعوام ما بين عام 1948-1972 أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها السلطات الصهيونية، بعد سلسلة المجازر المروّعة التي ارتكبها جيش الاحتلال وعمليات الإبعاد القسّري التي مارسها بحق الفلسطينيين عام 1948.
فهبّة يوم الأرض ليست وليدة صدفة، بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة منذ قيام دولة "إسرائيل". وقد شارك الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967، وأصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية، ورمزاً لوحدة الشعب الفلسطيني في الداخل الفلسطيني والشتات. ويلحظ المتابع بان منطقة الجليل الفلسطيني رغم كافة السياسات الصهيونية قد حافظت إلى حد ما بأغلبيتها العربية، مع أنها المكان الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد لمحاولة فرض يهودية الكيان، فأعلنت السلطات الصهيونية في أوائل عام 1975 خطة لتهويد الجليل تحت عنوان: مشروع "تطوير الجليل عام 2020"، وهي الخطة التي تعد من أخطر ما خططت له حكومة "إسرائيل"؛ إذ اشتملت على تشييد ثماني مدن صناعية في الجليل، مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي العربية، ذلك أن نظرية الاستيطان والتوسع توصي بألا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضي المطورة، وإنما فوق الأراضي البور والمهملة، وهي التسميات التي تُطلق على الأراضي التي يملكها العرب. وفي هذا السياق طبقت السلطات الصهيونية عدة قوانين لعزل الأقلية العربية عن محيطها العربي، كما سيطرت السلطات الصهيونية على القسم الأكبر من أراضي العرب في داخل الخط الأخضر.
ففي حين يشكل العرب 20% من سكان "إسرائيل" أي نحو مليون ونصف المليون عربي فلسطيني ، فإنهم لا يستحوذون إلا على 2% من المساحة التي أنشئت عليها "إسرائيل". وقد شكّلت عملية تهويد الجليل ولا تزال هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية، فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله: "الاستيطان نفسه هو الذي يُقرر ما إذا كان علينا أن نُدافع عن الجليل أم لا" . وتبعا لذلك، احتلت "إسرائيل" عام 1948 أراضي واسعة من منطقة الجليل، وتمت إقامة 350 مستوطنة فيها، وبرر الصهاينة عملية الاستيلاء على الأراضي بأنها أراضٍ للغائبين، ولم تقتصر عملية التهويد على أراضي الغائبين، وإنما تمت السيطرة المباشرة على "أملاك" حكومة الانتداب البريطاني، وتقدر هذه الأراضي بحوالي 2-3 ملايين دونم، لكن "إسرائيل" لم تكتفِ بتلك الأراضي، وإنما امتدت يدها إلى أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم، وكان العرب يملكون حتى عام 1948 حوالي 13 مليون دونم من أصل 27 مليون دونم، بينما سيطرت الحركة الصهيونية على 1.5 مليون دونم.
ومنذ عام 1948، أصدرت السلطات الصهيونية قوانين متعددة من أجل شرعنة السيطرة على الأرض الفلسطينية، ومنها: قانون الغائب، وقانون الأراضي البور، والمناطق المغلقة، وبهذا تمكنت السلطات الصهيونية من السيطرة على حوالي مليون دونم من أخصب الأراضي العربية.
ومنذ تولي نتنياهو سدة الحكم في "إسرائيل"، تم استصدار عدة قوانين للحد من التواصل الديمغرافي العربي بين المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1948 والمحتلة عام 1967، واعتمدت المؤسسة الإسرائيلية عدة سياسات لمحاولة فرض يهودية الدولة، حيث تمت عملية مبرمجة لتهويد الأماكن التاريخية العربية، ناهيك عن تهويد المقدسات، وفي المقدمة منها المساجد والكنائس. وتركزت عملية التهويد في منطقتيْ الجليل والنقب في شمال وجنوب فلسطين المحتلة، بغية فرض يهودية الدولة على أكبر المناطق مساحة ضمن حدود فلسطين التاريخية .
لقد أصبح "يوم الأرض" يوماً وطنياً فلسطينياً بامتياز، حيث يحيي الشعب الفلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية (27009 كيلومترات مربعة) وفي الشتات تلك الذكرى. فهبة "يوم الأرض" في الثلاثين من مارس/آذار عام 1976 كانت بمثابة منحى جديد لتكريس وحدة الشعب الفلسطيني من أجل الدفاع عن أرض أجداده، والعمل لعودة اللاجئين الفلسطينيين إليها .
في قصيدة محمود درويش (الأرض )استشراف لمستقبل الارض الفلسطينية ، حيث ستعود الأرض الى اهلها مهما طالت عتمة الاحتلال ، حيث قال في قصيدته :
أنا الأرض
والأرض أنت
خديجةُ! لا تغلقي الباب
لا تدخلي في الغياب
سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
سنطردهم من هواء الجليل.
أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
لن تمرّوا
لن تمرّوا
لن تمرّوا!