مضى أكثر من ستة شهور على عمل حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في أعقاب اتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح في شهر أبريل الماضي، فيما عرف "باتفاق الشاطئ"، دون أن نشهد لها حضوراً أو دوراً على أرض الواقع
ينسجم مع مسؤوليتها وواجبها يؤدي لإنهاء محنة آلاف الموظفين العالقين رهينة لهذه الحكومة، والخدمات المعطلة التي يحتاجها المواطنون خصوصاً في قطاعي الصحة والتعليم، إضافة إلى المهام الأخرى التي تقع على كاهل هذه الحكومة بما فيها مسئوليتها في إنهاء آثار الحصار وتأثيراتها على كافة مناحي الحياة والخدمات والإنتاج والمشاريع وغير ذلك رغم التصريحات والمواقف المعلنة، واللقاءات والوعود واللجان و..و..إلا أن كل شيء ظل على حاله، بل ربما بعض الأمور ازداد سوءًا.
وأكاد أزعم أن لا أحد من المواطنين يفهم أسباب ذلك، وحقيقة ما يقال في سياق التبرير أو التفسير لهذه الحالة، لكن بعيداً عن الأسباب ومن يتحمل المسئولية عن ذلك، فإن الشيء المهم هو: أن المواطن ظل تحت ضغوط المعاناة والحرمان والبؤس بسبب عدم تلقي الموظفين لرواتبهم، وتراجع مستوى وحجم الخدمات المقدمة للمواطنين جراء ذلك، خصوصاً مع عدم تلقي الوزارات والمرافق مخصصاتها التشغيلية بصورة مستمرة وكافية.
وإذا كانت الحكومة بل والفصائل غرضها هو تعزيز صمود المواطنين، وتوفير الحدود الدنيا لهم من العيش الكريم في ظل استمرار الاحتلال، والتخفيف من تأثيرات الحصار والإغلاق المفروض عليهم من الاحتلال فإن أي تبرير أو سبب تذكره في سياق حرمان المواطن من ذلك يكون نوعاً من العبث والإضرار بالمواطن والوطن على حد سواء.
وهنا نود القول لحكومة الوفاق، وللقيادات السياسية سواء ممثلة في السلطة أو الفصائل فإن هذه الحالة غير مقبولة، ولا يمكن القبول باستمرارها مهما كانت المعطيات والأسباب، لأن المواطن والوطن أكبر من كل ذلك، ومعركتنا للصمود في مواجهة الاحتلال تفرض علينا التعالي عن كل المهاترات والتبريرات التي تمنع جهودنا لتعزيز صمود المواطن والوطن في وجه الاحتلال.
ودعونا نستعرض ما يقال في هذا السياق:
* إن عدد الموظفين الذين ألحقتهم الحكومة السابقة في قطاع غزة كبير، ولم تراع فيهم المعايير المقررة في حكومة السلطة. فلنسلم جدلاً بأن هذا سبب مبرر وواقع، لكن أليسوا هؤلاء مواطنين فلسطينيين، ومن واجبنا أن نوفر لهم فرصة للعمل والعيش الكريم في ظل انهيار سوق العمل في القطاع الخاص في غزة، بسبب الحصار والإغلاق والدمار الذي تعرضت له القطاعات الاقتصادية والإنتاجية من قبل الاحتلال.
* ودعونا نسلم جدلاً بأن هؤلاء الموظفين هم عدد زائد، والكثير منهم لا تحتاجه الهياكل الوزارية، لكن ومنذ متى كانت التعيينات في السلطة مبنية على احتياجات حقيقية، ومعايير فنية بحتة، ومتطلبات أداء ملحة. ألم تكن معظم التعيينات في السلطة هي من قبيل المسئولية الوطنية نحو شعبها، وتقديراً لظروفه الخاصة التي يفرضها الاحتلال، لم تكن وظيفة السلطة في مرحلة ما منبوذة من المواطنين حينما كانت أبواب العمل مفتوحة أمامهم. إنها ليست معادلة احتياجات وإنما معادلة مسئولية تستوجب علينا أن نحمل أبناءنا وقوانا العاملة على طريق معركة الصمود والثبات في وجه الاحتلال.
* ودعونا نسلم جدلاً بأن هذا الطرف أو ذاك يسيء فهم المصالحة، أو ليست لديه نوايا جادة، أو قل ما تشاء من الشكوك، وسوء النوايا. ماذا سيضير السلطة وحكومة الوفاق والفصائل أن تمضي سفينة الحكومة في احتضان كافة أبناء الوطن المنتسبين لها بعيداً عن التمييز السياسي أو الفصائلي طالما أن ذلك في المحصلة سيخدم المواطن والوطن ويعزز من صمودهما.
* أمر آخر نتوقف عنده قد يراه البعض أو حكومة الوفاق هو مربط الفرس في الحالة الراهنة، يتمثل في عدم توفر الميزانية أو الأموال اللازمة لذلك. ألم ندخل الآن في سنة مالية جديدة يمكن فيها دمج موظفي غزة في الموازنة العامة للسلطة للعام الجديد؟. ثم منذ متى ونحن نعتمد على مواردنا الخاصة في تغطية الموازنة، فجل اعتمادنا على المساعدات والدعم، وإذا كانت جهات قد استعدت أن تدعم عملية الدمج والخروج من هذه الحالة، فلماذا لا نستثمر ذلك بصورة سليمة.
* من أولويات حكومة الوفاق المساواة بين أبناء الوطن، وتوفير سبل الرعاية والأمان الاجتماعي والمعيشي لهم، ألا يكفي ذلك تصنيف موظفي حماس وموظفي فتح من سجل عمل الحكومة، ونعتمد سجل المواطن والوطن.
إننا نقول لحكومة الوفاق وقياداتها والمسئولين فيها، أنتم أمام مسئولية تاريخية، واستحقاق وطني بامتياز، عليكم ألا تخذلوا شعبكم ووطنكم ، وبادروا إلى تحمل مسئولياتكم بعيداً عن الحسابات السياسية والفصائلية، والتزاماً بالمسئولية الوطنية.
رسالتنا لكم ارحموا أبناء شعبكم، وتلطفوا مع محنهم التي أرهقتهم، ودعوا أبناء الوطن يكونون إخواناً...