Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

عاصفة تهويد القدس.. وسبل تثبيت سكانها.. نبيل السهلي

عاصفة تهويد القدس.. وسبل تثبيت سكانها.. نبيل السهلي

لم تكن اقتحامات المجموعات اليهودية المتشددة لباحات المسجد خلال الأسابيع الأخيرة هي الأولى، ولن تكون الأخيرة، إذ تسعى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -في سباق مع الزمن - إلى تهويد مدينة القدس، مستغلة المشهد العربي الضبابي، وعدم ارتقاء العرب والمسلمين في دعمهم السياسي والمالي للمقدسيين إلى مستوى التحدي الذي يواجهونه.

 

فبعد قطع شوط كبير من بناء الجدار العازل حول القدس، أصدرت اسرائيل عدة قرارات بغية تهويدها، ومن اخطر تلك القرارات تهويد التعليم العربي، فضلاً عن الشروع في تطبيق قانون أملاك الغائبين الذي يشمل الممتلكات المحجوزة من قبل المؤسسات الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة.

ويمكن القول بأن الإصرار الإسرائيلي على تطبيق رزمة قوانين عنصرية في مدينة القدس يندرج في سياق منهجية حكومة نتنياهو، للإطباق على المدينة وتهويد كل مناحي الحياة فيها، وصولاً إلى الإخلال بالتوازن الديموغرافي لصالح اليهود في المدينة، وبالتالي نسف أمال منظمة التحرير في إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وسيشهد المتابع استصدار قرارات إسرائيلية وإحياء أخرى لجهة فرض الأمر الإسرائيلي الواقع على المدينة، وسيترافق ذلك بمزيد من الاقتحامات من قبل مجموعات استيطانية لباحات الاقصى، وكذلك الإخطارات بغية هدم عشرات المنازل العربية في احياء القدس.

وفي سياق سياستها لتهويد معالم مدينة القدس، أكدت حكومة نتنياهو مؤخرا أنها تبنت قرارا للشروع مجددا في تطبيق قانون أملاك الغائبين ليشمل الممتلكات المحجوزة في القدس الشرقية المحتلة. وتم قبل ذلك اصدار قرار لتهويد قطاع التعليم، واسقاط الجنسية عن المقدسي الذي غادر القدس للدراسة أو العمل في الخارج قبل عدة سنوات، والهدف من تطبيق تلك القرارات جعل العرب المقدسيين أقلية في القدس، لا تتجاوز نسبتهم 12 في المئة من سكان المدينة في العام 2020.

ويمكن القول إن تطبيق رزمة القرارات الجائرة قد أدى إلى سيطرة إسرائيل على القسم الأكبر من الأراضي الفلسطينية، التي تعود ملكيتها للاجئين الفلسطينيين، الذين هاجروا إلى خارج فلسطين إثر نكبة عام 1948، وفي آخر الأمر حولت الأراضي الفلسطينية التي تمّ الاستيلاء عليها وفقا لهذا القانون بعد العام المذكور من الوصي إلى سلطة التطوير الإسرائيلية أو الصندوق الوطني اليهودي، واستخدمت لتوطين اليهود فقط. بعبارة أخرى، أضفى قانون الغائب «الصفة القانونية» على مصادرة الممتلكات الفلسطينية، وحوّل تلك الأرض لاستخدام اليهود فقط، ولم يُدفع أي تعويض للمالكين الفلسطينيين الأصليين.

ويعد تطبيق إسرائيل للقانون المذكور على القدس الشرقية المحتلة، مدخلاً للإعلان عن أي ممتلكات فلسطينية في القدس الشرقية يقطن أصحابها في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو أي بلد عربي بأنها «متروكة». وبذلك تفتح الطريق أمام مصادرتها وتطويرها للاستخدام الإسرائيلي فقط، من دون دفع أي تعويضات لمالكيها الفلسطينيين.

أما مخاطر تطبيق قانون الغائبين على مدينة القدس، فإن المؤسسات الإسرائيلية بات بمقدورها مصادرة الأرض الواقعة إلى الغرب من الجدار وعدم دفع أي تعويضات لمالكيها الفلسطينيين. ولا تعرف مساحة الأراضي التي ستتأثر بتطبيق قانون أملاك الغائب، لأن الحكومة الإسرائيلية استولت على سجلات كل الأراضي الفلسطينية المستأجرة في القدس، بعدما أغلق بيت الشرق في أغسطس/آب 2001.

وتؤكد دراسات بان اسرائيل صادرت 43، 5 في المئة من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية واستخدمت لبناء ا لمستوطنات الإسرائيلية فقط، خصوصاً وان القدس تستحوذ على النسبة الكبرى من النشاطات الاستيطانية. واشارت تلك الدراسات إلى أن 41 في المئة من الأراضي الفلسطينية في القدس الشرقية «منطقة خضراء»، وهي بذلك تخضع لقيود بناء مشددة وضعتها الحكومة الإسرائيلية، فضلا عن ذلك يسمح للفلسطينيين باستخدام 12،1 في المئة فقط من مساحة القدس الشرقية، 50 في المئة منها، أي 6 في المئة من مجموع مساحة القدس الشرقية، هي أملاك «غائبين». وبذلك من الممكن مصادرتها وفقا للقانون الجديد.

وتقوم إسرائيل باستخدام 4،3 في المئة من مساحة القدس الشرقية للمرافق العسكرية الإسرائيلية، والطرق وغير ذلك من البنى التحتية الإسرائيلية. وفي ما يتعلق بأراضي «المنطقة الخضراء»، تتلاعب الحكومة الإسرائيلية بقانون عثماني قديم ينص على أن الأراضي التي لا تتم فلاحتها لمدة ثلاث سنوات يمكن أن تصادرها الدولة وتعلنها «أراضي دولة». وفي ظل وجود القيود الإسرائيلية الحالية على الحركة الفلسطينية والاستمرار في بناء الجدار، بات المزارعون الفلسطينيون يواجهون صعوبات جمة في الوصول إلى أراضيهم. ونتيجة لذلك، تواجه كل أراضي هذه «المنطقة الخضراء» خطر المصادرة، وليست فقط المساحة التي يملكها أصحاب الأراضي «الغائبون« هي المعرضة للمصادرة.

 

ولفرض ديموغرافيا قسرية، طبقت السلطات الإسرائيلية قوانين عنصرية جائرة على أهالي القدس وأرضهم منذ عام 1967، فبالإضافة إلى استخدام قانون الغائب للسيطرة على أراضي المقدسيين الموجودين خارج مدينة القدس، سعت السلطات الإسرائيلية إلى القيام بعملية إفراغ المدينة من خلال تطبيق قوانين سحب الهوية الإسرائيلية من المقدسيين الذين يقيمون لأكثر من عام خارج مدينة القدس، وكذلك هي الحال للعرب المقدسيين الذين استحوذوا على جنسيات أخرى في دول العالم.

 

وتبعاً لذلك ثمة عشرات آلاف من المقدسيين مهددون بسحب هويتهم وطردهم والسيطرة على عقاراتهم وأرضهم في السنوات القليلة القادمة. وفي إطار السياسات الإسرائيلية التهويدية في مدينة القدس كثفت حكومة نتنياهو من مخططاتها لفرض الأمر الواقع في مدينة القدس، فهناك مخطط للقيام بعمليات جرف وتدمير لآلاف المنازل، لكسر التجمع العربي داخل الأحياء العربية في مدينة القدس مثل حي الشيخ جراح والعيزرية. ونتيجة تلك المخططات فإن 35 ألف مقدسي مهددون بالطرد إلى خارج مدينة القدس.

 

وبعد استصدار القانون الإسرائيلي القاضي بتهويد قطاع التعليم العربي في مدينة القدس، خصوصاً في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، فإن شبح الترانسفير يلاحق ثلاثين ألف فلسطيني من القدس للاستئثار بفرص التعليم في بقية مدن الضفة الغربية. وكانت إسرائيل قد طردت خمسة عشر ألف مقدسي أثناء احتلالها للقدس الشرقية عام 1967، ناهيك عن طرد نحو ستين ألفا من المقدسيين المسلمين والمسيحيين عام 1948 بفعل المجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في قرى قضاء القدس مثل قرية دير ياسين وغيرها.

 

ولفرض الواقع التهويدي، تجري محاولات إسرائيلية حثيثة لتطبيق سياسة سكانية مبرمجة لتهويد القدس خلال السنوات المقبلة، وذلك في سياق سياسة ديموغرافية تعتمد أساسا على طرد أكبر عدد من العرب الفلسطينيين من المدينة تحت حجج مختلفة، وجذب أكبر عدد من المهاجرين اليهود إليها عبر إغراءات مالية كبيرة. والهدف من ذلك كله محاولة فرض الأمر الواقع الديموغرافي اليهودي، وتدمير حضارتها التي ما زالت من أهم الدلائل على تاريخ الإنسان العربي وجذوره فيها.

 

ويلحظ متابعون ان ثمة تركيزاً للنشاط الاستيطاني داخل الأحياء العربية القديمة في مدينة القدس، بغية تهويدها عبر الزحف الديموغرافي، وإحلال مزيد من المهاجرين اليهود فيها عبر الإغراءات المالية والمساعدات الضخمة، ناهيك عن الإعفاءات الضريبية للمستوطنين اليهود سواء داخل المستوطنات التي تحيط بالقدس من جميع الاتجاهات -وعددها 26 مستوطنة وفيها 180 ألف مستوطن - أو أولئك الذين أقاموا في أحياء يهودية في داخل مركز المدينة أو بالقرب من الأحياء العربية القديمة. كل ذلك يحصل في ظل غياب عربي وإسلامي واضح لدعم وتثبيت المقدسيين في مدينتهم لمواجهة السياسات الإسرائيلية وعاصفة التهويد التي تجتاح كافة مناحي الحياة في المدينة.

 

ويبقى القول ان ثمة اقتحامات متسارعة حصلت خلال الأسابيع الأخيرة من قبل الجماعات اليهودية لباحات المسجد الأقصى. وهناك تصريحات متواترة من قبل قادة المستوطنين واعضاء في الكنيست لتكرار الاعتداءات في المستقبل بوتيرة أعلى، وبدعم من المؤسسة الحاكمة في إسرائيل على المسجد الأقصى ورموزه الدينية. ولدرء المخاطر المحدقة على مدينة القدس؛ لابد أن يرتقي العرب والمسلمون إلى مستوى التحدي.