Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

المفاوض... إذا قال!... هاني عوكل

 المفاوض... إذا قال!... هاني عوكل

للمرة الثانية في عمر المفاوضات الجارية، أطلقت إسرائيل سراح 26 أسيراً فلسطينياً، ضمن أربع دفعات، ابتدأتها مع انطلاق المفاوضات في تموز الماضي، ومن غير المعروف إذا كانت ستلتزم بعد بإطلاق الدفعتين الأخيرتين، أو أنها تربط ذلك بحكم العادة، بما سيجري على أرض الواقع.

 

بكل بساطة، كان يمكن لإسرائيل إطلاق سراح 104 أسرى دفعةً واحدة، دون أن تقسط أوامر الإفراج على أربع دفعات، لكن يبدو أن هذا هو الثمن الوحيد الذي ستدفعه حكومة نتنياهو، من أجل استكمال المفاوضات مع الطرف الفلسطيني.

هذا هو الثمن الذي ستدفعه، فقط من أجل البقاء على خط التفاوض المطلوب انتهاؤه عند الروزنامة التي حددها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ذلك أن إسرائيل غير معنية مطلقاً بما يجري على طاولة المفاوضات، وإلى اللحظة لا توجد أي بوادر توافق مبدئي على أي قضية مفصلية، هذا عدا إن كانت طرحت في الأساس.

نتنياهو لم يكن مقتنعاً بضرورة استكمال مسار الالتزام بإطلاق سراح باقي الأسرى وفق الدفعات التي أعلنت عنها إسرائيل، لكن كيري ضغط عليه لتقديم ما يسميه نتنياهو تنازلاً لصالح الطرف الفلسطيني، حتى يمكن للمفاوضات أن تستمر. مع ذلك يدرك نتنياهو أن اتخاذ قرار الإفراج لابد أن يرتبط بقرارات أخرى توازن مزاج جمهوره.

إنه الاستيطان، هذا القرار الأهم الذي اتخذه نتنياهو للتخفيف من عصبية الأحزاب اليمينية والمتطرفة إزاء أوامره للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، وعلى الفور تزامن القرار الأخير، مع قرار بناء أكثر من 1500 وحدة سكنية في مستوطنة رامات شلومو بالقدس المحتلة.

إلى جانب ذلك، وكعادتها تواصل قوات الاحتلال استباحة الضفة الغربية واعتقال المواطنين، بغية إعادة تعبئة السجون الإسرائيلية من جديد، ورداً على موقف القيادة الفلسطينية بأهمية تبييض سجون الاحتلال من المعتقلين الفلسطينيين، ولعل هذه السياسة الإسرائيلية يومية، تستهدف من ورائها اعتبار ملف الأسرى من الملفات الدائمة التي يمكن التفاوض عليها.

إن ملف الأسرى استراتيجي وغير مكلف لدى الاحتلال، على اعتبار أنه يمكن لإسرائيل اصطياد أي فلسطيني، أسير سابق أو مواطن عادي وفي أي وقت تريد، ومن ثم تعود للتفاوض عليه، دون أن تقدم تنازلات في قضايا أخرى، مثل ملف الاستيطان أو الحدود.

حالياً وفي أفق التفاوض وكما هو بائن ونراه ونسمع عنه، لا يوجد أي موضوع مهم يخرج عن دائرة المفاوضات، باستثناء ملف الأسرى ودفعات المحررين، ويبدو من التصريحات التي تخرج عن القيادة الفلسطينية، أن الموضوعات الحساسة لم يتم النقاش حولها إلى اللحظة.

هذه الإحاطة للمفاوضات بسياج من السرية التامة، مردها إلى هزالتها وعدم استجابتها للحد الأدنى الفلسطيني، الشعبي والرسمي، ومع ذلك وبالرغم من الضغط الأميركي الهائل على الطرف الفلسطيني للبقاء في جو المفاوضات، إلا أن المفاوض الفلسطيني يبدو أنه حسم سلفاً، مستقبل هذه العملية بالقول لا بالفعل.

ثمة من يجزم أن هذه المفاوضات أسوأ من كل سابقاتها منذ انطلاقة أوسلو قبل 20 عاماً، وهي كذلك لأن الجهد الإسرائيلي المبذول لتعميق الاستيطان أكثر من 100%، وسط ضعف أي نشاط فلسطيني رسمي مردود على الاستيطان الإسرائيلي.

بهذه الطريقة من إعلان العطاءات والتغول الاستيطاني المتضاعف، يكون القرار الإسرائيلي عند نهاية عمر المفاوضات قد التهم معظم الجغرافيا الفلسطينية وهودها، الأمر الذي يبدو حالياً مفاوضة سلمية بين طرفين، وصراع على الجغرافيا بائن وغير مقدر له التوقف.

المشكلة أن الطرف الفلسطيني يشكو كل الوقت من زيادة الاستيطان الإسرائيلي، دون أن يقدم على فعل من شأنه أن يؤثر على المزاج الإسرائيلي، ويبدو أن من المستبعد أن تستثمر القيادة الفلسطينية سخطها إزاء الاستيطان لإحماء التوتر مع إسرائيل والدفع باتجاه دعم خيار مقاومة سلمية لحظي تكتيكي أو استراتيجي على أبعد تقدير.

ربما أكثر ما سيقوم به الطرف الفلسطيني هو استدعاء الصبر، حسب نصيحة وزير الخارجية الأميركي كيري، الذي طالب بعيد اجتماعه بوزراء الخارجية من لجنة المتابعة لمبادرة السلام العربية في باريس، بالصبر إزاء ما تقوم به إسرائيل من ممارسات استيطانية صعبة.

كيري اعترف بعظمة لسانه أن المفاوضات طيلة الأسابيع الماضية لم تحقق التقدم المطلوب، وعلل ذلك باستناد تلك المرحلة التفاوضية على مبدأ طرح المواقف، وهي تنتقل اليوم برأيه إلى مرحلة تقريب وجهات النظر، مستعيناً بأهمية الصبر، على اعتبار أن هذه المرحلة أيضاً قد لا يحدث فيها اختراق إيجابي ملموس.

إذا صبرنا صبر كيري، حينها تكون الجغرافيا الفلسطينية ضاعت في "بالوعة" الاستيطان، وحينها لن تفيدنا الولايات المتحدة ولا كيري نفسه، ذلك أن التوسط لإطلاق مفاوضات من هذا النوع، إنما هي مؤشر قوي على تبني واشنطن خط إسرائيل في السلوك الاستيطاني.

آخر ما صدر عن الولايات المتحدة بشأن الاستيطان الإسرائيلي، لا يتعدى كونه أسف على قرار تسريع الاستيطان في الضفة الغربية، ولا يبدو أن الإدارة الأميركية معنية بتصعيد اللهجة ضد إسرائيل وثنيها عن تجميد الاستيطان، خصوصاً تزامناً مع قرار الإفراج عن 26 أسير فلسطيني.

هذا يعني أننا لن نسمع أميركياً أكثر من عتاب وقلق، وأما فلسطينياً فلا أحد ينفي إبداعنا في اختلاق واستدعاء أقسى عبارات التنديد والقلق البالغ، كمن يقوم بصرف شيك على بياض، مع العلم أن ضرورات اللحظة تبيح للمفاوض الفلسطيني وتشرع له فض يده عن مفاوضات تجيز ضمنياً مواصلة الاستيطان.

وفي كل الأحوال، إسرائيل لن تنتظر صمت الطرف الفلسطيني أو عدم موافقته على الاستيطان، ذلك أن التجربة برهنت أن جميع الحكومات الإسرائيلية لا تحترم الاتفاقيات ولا المواثيق الثنائية والدولية، وتتصرف في الجغرافيا الفلسطينية كما لو أنها حديقتها الخلفية، التي يحلو لها ضمها متى تشاء.

ماذا سيفعل المفاوض الفلسطيني أكثر من الاستئساد اللفظي، في الوقت الذي ربط موقفه باعتبار السلام خياراً استراتيجياً، ما يعني أنه ترك الاستئساد الفعلي لإسرائيل، التي لا تقيم وزناً له بالمطلق، وتصول وتجول في استيطانها دون رقيب أو حسيب؟

لا ينبغي أن يراهن المفاوض الفلسطيني على فشل المفاوضات، أو توقفها من قبل الطرف الإسرائيلي، حتى يفكر بعدها باتخاذ الخيارات المطلوبة، ذلك أن كافة الوقائع الحالية تؤكد لا ترجح، فشل المفاوضات، ثم إن هذا الانتهاك والاستنزاف للجغرافيا الفلسطينية ألا يحتاج إلى معالجة ورد سريع على المفاوضات عبر الانسحاب منها؟

إن الانسحاب من المفاوضات يشكل الرد الأنسب على صلف وبجاحة الاحتلال، وأرجو أن يدرك مفاوضونا هذه الحقيقة ويتعاملوا بمسؤولية مع متطلبات اللحظة، إذ يكفي القول غير المستند على أفعال، لأننا حقيقةً ومثلما يقول المثل "شبعنا من الكلام".