Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

غزة المقفلة على وجع التاريخ.. طلال عوكل

غزة المقفلة على وجع التاريخ.. طلال عوكل

  لا أحد يهتم بشؤون الناس، فهم وما يملكون جزء من السياسة، حتى لو كانت السياسة فوق أو دون خط الوطنية. وحتى الآن يبدو أن ثمة نقصاً في وعي المسؤول الفصائلي الكبير، لمدى أهمية الصمود على الأرض، حتى لو أن هذا المواطن الذي عليه أن يصمد كان مدركاً بأنه ترس صغير في آلة السياسة الوطنية، أو أنه يعرف بأنه وقود السياسة ومحل استهدافها.

 

لقد بدأ فصل الشتاء فعلاً، واستبشر الناس عموماً الخير في هذه البدايات التي تشهد فصلاً قد يكون أفضل من الفصول السابقة، وقد يعفي خبراء المياه من كثرة التحذير بالكارثة التي تنتظر سكان القطاع جراء نقص المياه الجوفية وتلوثها.

في العام الماضي، والذي سبق، لبّى الناس الدعوة لإقامة صلاة الاستسقاء، خوفاً من الجفاف وبسبب تأخر سقوط الأمطار، وقلة ما سقط منها، لكن الكثيرين منهم، عادوا وندموا بعد المنخفض الجوي القوي، الذي أحدث الطوفان والغرق في عديد مناطق قطاع غزة ونجمت عنه أضرار كبيرة عجزت عن احتوائها إمكانيات الدفاع المدني.

اليوم ثمة عشرات آلاف الأُسر، التي دمر العدوان الإسرائيلي بيوتها، ومصالحها ومنشآتها ودمر البنى التحتية، وهي تنتظر الفرج القريب، والأغلب أن هذه الآلاف، ستصلي من أجل أن يتأخر سقوط المطر، وأن يكون فصل الشتاء، تكراراً لفصل الخريف، فالصيف الذي حمل لها بلاءً عظيماً لا يختلف عن الشتاء، الذي يواصل ما لحق بهم في فصل الصيف.

قصة غريبة في هذا الزمان، حين يصلي الناس، حتى يحبس الله الخير عنهم، لأنه فائض بؤس عليهم. المانحون في القاهرة قدروا مبالغ تفيض عما تحتاجه عملية إعادة الإعمار، وفائض عما تقدمت حكومة الوفاق بطلبه، ولكن المانحين أيضاً وضعوا آليات واشتراطات صعبة، لتنفيذ وعودهم وقراراتهم.

الإسرائيلي الذي غاب عن مؤتمر المانحين، وأفعاله تشير إلى أنه يستحق التغييب عن كل مؤتمر أو تجمع إقليمي أو دولي، يحتفظ لنفسه بحق الفيتو، ويواصل تهديداته، حتى قبل أن تبدأ عملية إعادة الإعمار، بتعطيلها، إذا توفرت لديه معلومات بأن حركة حماس، ستستفيد منها في ترميم وإعادة إعمار الأنفاق التي تعتقد "إسرائيل" أنها نجحت في تدميرها.

في كل وقت يمكن لـ"إسرائيل" أن تجرد هذه الذريعة وتختلقها حتى تعطل عملية إعادة الإعمار، ولتحريض المانحين، الذين لا يحتاجون لمن يحرضهم على تأخير دفع المستحقات التي تعهدوا بها من أجل إعادة الإعمار.

وقد يتكرر سيناريو مؤتمر إعادة إعمار القطاع الذي انعقد في شرم الشيخ عام 2009، الذي خصّص نحو أربعة مليارات ونصف المليار من الدولارات، لم يصل منها إلا نحو مئتي مليون دولار.

الفلسطينيون أنفسهم قد يتكفلون بتعطيل عملية إعادة الإعمار بسبب الخلافات المتزايدة حول ملف وآليات عمل المصالحة، التي تتوقف عند تشكيل حكومة الوفاق، ولا تتحرك إلى الأمام. كان تشكيل حكومة الوفاق، واتفاق الفلسطينيين على أنها المسؤولة عن ملف إعادة الإعمار ضرورياً حتى تستجيب الدول المانحة، لمتطلبات عملية إعادة الإعمار، ولكن حتى تنجح العملية وتسير على نحو جيد لا بد من أن يتجاوز الفلسطينيون، إلى تمكين الحكومة فعلياً من أداء مهمتها. الحاجة لتمكين الحكومة من أداء مهمتها، هدف تطالب به كل الأطراف السياسية، ولكنها تختلف حول آليات التمكين، وحول من يسيطر وحده، او عبر الشراكة على حركة المعابر.

هكذا تصبح عملية إعادة الإعمار، وما ينطوي عليه ملفها من أموال وآليات جزءاً من عملية الصراع الداخلي، المتصل بعملية المصالحة وهو ما يدركه الناس الذين لم يعودوا سذجاً أو بسطاء إلى الحد الذي يجعلهم غير متفائلين حتى بما خصصه مؤتمر القاهرة.

الحكومة حتى الآن لم تحرك ساكناً في قطاع غزة، وكان الناس ينتظرون إنجازاً واحداً ملموساً، يخلق لديهم الأمل بأن المصالحة قد بدأت، وبدأت تعطي ثمارها.

كثيرة التصريحات والوعود وكثيرة الخلافات والاختلافات التي تمنع تحقيق الإنجاز، أي إنجاز، وفي قطاع غزة، لا يلاحظ المرء أي وجود أو آثار لحكومة التوافق، بل على العكس من ذلك، فتأخر قضية رواتب الموظفين المدنيين لدى الحكومة المقالة، يؤدي إلى شلل الكثير من المرافق والمصالح المتعلقة بحياة الناس.

كان الناس ينتظرون حلاً، ولو جزئياً او مؤقتاً لقضية التيار الكهربائي، غير أن الأمور لا تتحرك إلى الأمام، فيما يكثر الحديث والمتابعة للحل التركي، الذي تنتظره الكثير من العقبات، ولا يرقى إلى مستوى الحل المأمول. وينتظر الناس حل مشكلة معبر رفح الحدودي، خاصة وأن الأمر لا يتعلق بـ"إسرائيل"، وأن معالجة هذه المشكلة قد تكون أيسر وفي متناول اليد لكونها تتصل بالعلاقات الفلسطينية المصرية. الأوضاع في غزة لم تختلف إلا بحجم العذابات والمعانيات، وهي أشد من ذي قبل، وأغلب الظن أن الأسباب فلسطينية فلسطينية، قبل أن تكون من أي طرف آخر، فهل يبرهن المسؤول السياسي عن وعيه لأهمية وأولوية البشر على المصالح الفئوية؟