اجتمعت حكومة الوفاق الفلسطيني برئاسة رامي الحمدلله للمرة الأولى في مدينة غزة، بعدما سمحت السلطات الإسرائيلية لأعضائها بالمرور عبر معبر إيرز. ويشكل هذا السماح بداية تغيير جوهري في الموقف الإسرائيلي من حكومة الوفاق، ينطلق في جوهره من الموقف من إعادة إعمار قطاع غزة الذي بات هدفاً مركزياً لهذه الحكومة.
وليس صدفة أن التمهيد لإعادة الإعمار جرى عبر الاتفاق بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية وممثلية الأمم المتحدة في الأراضي المحتلة، بشأن آلية إعادة الإعمار قبيل انعقاد مؤتمر دولي للدول المانحة لهذا الشأن في القاهرة بعد غد الأحد.
وكانت "إسرائيل" قد أعلنت لحظة تشكيل حكومة الوفاق عن قطعها للعلاقات معها وعدم السماح لأعضائها بالمرور فوق "أراضيها" بين الضفة والقطاع. ولكن هذا الموقف تغيّر بوضوح بعد الحرب الإسرائيلية على غزة، ونشوء حاجة وضغط دولي لإعادة إعمار القطاع بهدف "بث الأمل وتلافي اليأس" حتى وفق تصريحات إسرائيلية.
وقد تراجعت "إسرائيل" عن موقفها الأولي بعدما اعترفت دول العالم بهذه الحكومة، ورأت فيها الوسيلة المركزية لإعادة إعمار القطاع وتلقي المعونات الدولية. وتبيّن لـ"إسرائيل" أنه لا يمكنها مواصلة منع هذه الحكومة من أداء مهامها، فأبرمت الاتفاق مع مبعوث الأمم المتحدة روبرت سيري، وعقد ممثلون عنها اجتماعات في هذا الشأن مع أعضاء في الحكومة في رام الله.
ولاحظت صحف إسرائيلية التغيير الضمني في الموقف الرسمي لحكومتها. وكتب المراسل العسكري لـ"يديعوت" أليكس فيشمان أنه "من دون مفاوضات رسمية في القاهرة، ومن دون تصريحات مثيرة ومن دون توقيع على اتفاقيات، "إسرائيل"، السلطة الفلسطينية ومصر، بدأت إعمار القطاع".
وأشار إلى أنه خلال عشرة أيام ستصل الرواتب إلى موظفي حكومة حماس، وخلال شهر ستبدأ كميات هائلة من مواد وأعتدة البناء بدخول غزة. كما وافقت "إسرائيل" على انتشار رجال السلطة الفلسطينية على معبري كرم أبو سالم وإيرز، في حين "وافقت مصر مبدئياً ـ بشروط لم تحدد بعد - على وجود رجال السلطة في معبر رفح".
وقد أكدت الإدارة الأميركية مراراً أهمية التعاون مع حكومة الوفاق في الضفة والقطاع، خصوصاً في جهود إعادة الإعمار. وقبل يومين أعلنت المتحدثة بلسان وزارة الخارجية الأميركية جين ساكي أن الولايات المتحدة تتوقع من "إسرائيل" أن تساهم في إعادة إعمار القطاع"، وأشارت إلى أن "هناك دولاً ومتنوعة تساهم في إعادة إعمار القطاع، ونحن بالتأكيد نأمل أن تفعل "إسرائيل" ذلك".
وأعربت عن رضاها من تفاهمات "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة التي تسمح بمرور مواد البناء المطلوبة لإعادة الإعمار "عبر الأخذ بالحسبان احتياجات "إسرائيل" الأمنية". وقالت إن "الولايات المتحدة تشجع منظمي مؤتمر الدول المانحة على ضم كل الحكومات التي في وسعها لعب دور".
عموماً جاءت أقوال ساكي هذه على خلفية أنباء سرت في "إسرائيل" تفيد بأن حكومة نتنياهو لن تشارك في المؤتمر الدولي لإعادة إعمار القطاع. وستحضر المؤتمر الدول المانحة أصلاً للسلطة الفلسطينية، بحضور وزراء خارجية بعض أهم دول العالم، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأميركي جون كيري.
وكان مقرراً عقد هذا المؤتمر في العاصمة النروجية أوسلو، لكن فضلوا بعدها عقده في القاهرة، وقامت وزارة الخارجية المصرية بتوجيه دعوات لكل الدول المفترض حضورها، وليس بينها "إسرائي"ل. ومعروف أن "إسرائيل" تحضر عادة اجتماعات الدول المانحة للسلطة الفلسطينية بما فيها الاجتماع الأخير في نيويورك، وإذا لم تحضر هذا المؤتمر فسوف تكون هذه هي المرة الأولى التي تغيب فيها عن مؤتمرات كهذه.
تجدر الإشارة إلى أن وزراء "إسرائيليين" كبار، بينهم وزير المالية يائير لبيد، دعوا حتى أثناء الحرب على غزة إلى عقد مؤتمر دولي تحضره الدول العربية لإعادة إعمار القطاع. ولذلك تستغرب أوساط "إسرائيلية" عدم إرسال مصر دعوة لـ"إسرائيل" لحضور هذا المؤتمر، لكن أوساطاً "إسرائيلية" أخرى ترى في صمت وزارة الخارجية "الإسرائيلية" نوعاً من الرضى عن المؤتمر بصيغته القائمة.
وقبل أسبوعين، صادقت "إسرائيل" رسمياً ـ بتوصية من الجيش، على إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة بتمويل من منظمات الإغاثة العاملة في القطاع، بهدف إعادة بناء المنشآت العامة، خصوصاً المدارس.
وكان رئيس الأركان الجنرال بني غانتس قد أعلن "وجوب السماح بفتح القطاع أمام دخول البضائع. في النهاية هناك 1,8 مليون نسمة تحيط بهم "إسرائيل" ومصر. هؤلاء الناس يستحقون الحياة. وأنا مع أن ترجح كفة الميزان لديهم باتجاه الأمل وليس اليأس".
وبالتوازي، تستعد "إسرائيل" إلى إعلان الدول المانحة عن حجم المساعدات التي ستقدم للقطاع والتي ستمس أساساً القطاع الخاص. وهناك توقعات بأن تكون الولايات المتحدة والسعودية وقطر بين أكبر الدول المانحة لمشروع إعادة إعمار القطاع.
ومع ذلك ثمة تقديرات في "إسرائيل" بأن الفارق سيكون كبيراً، كما العادة، بين الوعود والوفاء بها. وسوف تحاول الولايات المتحدة وأوروبا حثّ الدول العربية على تحمّل القسط الأكبر من نفقات إعادة الإعمار، والتي تقدر حالياً بأربعة مليارات دولار. ومنذ الآن تتطلع جهات عديدة لاقتطاع عمولات ورسوم ورشى بكميات كبيرة تجعل حصة القطاع الفعلية من الأموال أقل من التقديرات بكثير.