أكدت التصريحات الصهيونية أن العدوان على الضفة وغزة كان مخططاً له منذ زمن، وأن عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة بمحافظة الخليل استخدمها الكيان الصهيوني لشن حملته بالضفة أولاً ومن ثم عدوانه العسكري على القطاع على مدار 51 يوماً.
من أهداف العدوان أيضاً هو لمنع إنجاز المصالحة الفلسطينية وإفشال حكومة التوافق الوطني بين حماس وفتح، ولتعزيز الانقسام السياسي والجغرافي بين غزة والضفة.
وكان موقف محمود عباس وتصريحاته التي أعقبت الاختطاف قد ساهمت الإسراع بالعدوان، وكان قد شكك بالمقاومة وقدراتها، وكانت هذه التصريحات قد جاءت امتداداً لتصريحاته السابقة بعبثية الصواريخ ومطالبته بإطلاق النار على مطلقيها، جاءت الأحداث لتثبت أن صواريخ المقاومة ليست عبثية وإنما الرهان على المفاوضات هو رهان عبثي، وكان احتفال شعبنا بالقطاع وبالنصر الذي حققته المقاومة رغم الدمار الذي خلفه العدوان بالقطاع كان شاهداً على الالتفاف الجماهيري رغم حجم الألم فالكيان لن يخضع بإرادته إلا مجبراً، ولم يتمكن من فرض شروطه كما كان يفرضها بالسابق.
لم يكن دور محمود عباس ومن مثله بالوفد المفاوض موقفاً بمستوى التضحيات من أجل استغلاله لفرض الشروط الفلسطينية على الكيان الصهيوني، وإنما جاء موقفاً يريد من المقاومة أن تخضع لشروط الاحتلال وشروط أعوانها والمرتبطين بها، وهذا ما بدى واضحاً من التصريحات التي كان يدلي بها الأحمد أثناء تواجده بالقاهرة، والتي تخالف المتفق عليه، حيث كان يهدف منها بلبلة الموقف الفلسطيني ومحاولة ضرب الموقف الموحد، بينما موقف ممثلي المقاومة الفعليين كان متماسكاً من أجل تحقيق المطالب التي اتفقوا عليها قبل تشكيل الوفد.
كان للموقف الدولي الرافض للعدوان الصهيوني على القطاع واعتبارها جرائم حرب ضد الإنسان موقف متقدم أكثر على موقف الرئيس الفلسطيني وسفراء فلسطين بالشتات، وهذا ما لمسناه ببعض الدول سواء بأفريقيا أو بقارة أمريكا اللاتينية التي جاءت انطلاقاً من قناعاتها بأن ما يحصل هي جرائم ضد الإنسانية وضرورة وقفها مباشرة وتقديم مرتكبيها للمحاكم، كما كشف العدوان عن طبيعة تشكيلة الجيش الصهيوني، وجاء موقف جنوب أفريقيا بمحاكمة كل من يثبت انتمائه للجيش الصهيوني من مواطني الدولة معتنقي الديانة اليهودية، وموقف حكومة الأرجنتين بسحب الجنسية عن كل من يثبت خدمته بالجيش الصهيوني، وقرار بوليفيا باعتبار الكيان الصهيوني دولة إرهابية ودولة البرازيل التي اعتبرت أن ما يجري بالقطاع جريمة حرب، وبداية حملة بالبرازيل من أجل الكشف عن البرازيليين من يعتنقون الديانة اليهودية والذين يخدمون بالجيش الصهيوني، حيث مواقع التواصل الاجتماعي قامت بحذف صور لجنود برازيليين يعتنقون الديانة اليهودية يخدمون بالجيش الصهيوني وارتكبوا جرائم بحق الفلسطينين.
صمود المقاومة وإبراز قدراتها وإمكانياتها من خلال قصف التجمعات الصهيونية وبعض المواقع الاستراتيجية والأكثر أمنية للكيان الصهيوني، والتفاف الجماهير الفلسطينية بالقطاع وصمودها رغم حجم الدمار الذي خلفته، سيتبعه جولات أخرى من الصمود والمواجهات، وهذا يفرض على كل أطراف المقاومة الآن العمل على تثبيت الجبهة الداخلية على قاعدة المقاومة والتصدي ووحدة الموقف السياسي عند قواها العاملة، والحذر قدر الإمكان من القوى الداخلية والخارجية لتي تعمل بالطرق السياسية لاحتواء المقاومة من خلال تطمينات أو رهانات سياسية، ولا يجوز لأي طرف مهما كان حجمه من استبعاد أي طرف آخر مهما كان حجمه من المشاركة الفعلية بمواقف وقرارات تهم العام الفلسطيني، كما أن العمل على تطوير القدرات العسكرية عند كافة القوى والتنظيمات الفلسطينية هي مصلحة عامة فلسطينية، وليست مصلحة فئوية وذاتية ما دامت البندقية موجهة صوب العدو الصهيوني.
إن الاتفاق الفلسطيني لممثلي المقاومة الفلسطينية هي ضرورة لقطع الطريق على أي محاولة ترمي إلى إجهاض المقاومة التي أثبتت نجاحها بإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة وبقوة بعد أن غيبها اتفاق أوسلو وسلطته، ومن هنا ضرورة أن يكون اتفاق بين كافة القوى على الأهداف السياسية والوطنية التي يجب إنجازها بعد كل مواجهة مع هذا الكيان باعتبار أن العدوان الصهيوني على شعبنا لن يتوقف، وأن من نجاحات المقاومة احتمال أن تؤدي إلى إسقاط حكومة نتنياهو لتأتي بعده حكومة أكثر تطرفاً وعدواناً وإجراماً، وهذا ما أكدته بعض استطلاعات الرأي بالكيان عندما ارتفعت شعبية نتنياهو من 32% إلى 80% بعد العدوان على غزة، وهبطت بعد أول وقف إطلاق نار إلى 62%، والتخبط الحالي بالحكومة على قرار نتنياهو بالموافقة على إطلاق النار، وهذا يؤكد على أن المجتمع الصهيوني هو مجتمع حربي استيطاني إقلاعي رافض للوجود الفلسطيني، وهذا يفرض علينا التمسك بالمواقف السياسية التي تؤكد على حق شعبنا الفلسطيني بممارسة حقوقه وعلى رأسها حقه بالعودة إلى أرضه ودياره التي شرّد منها عام 1948.
* كاتب فلسطيني يقيم في البرازيل