Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

ماذا لو اتفقنا على هدنة طويلة؟.. هاني عوكل

ماذا لو اتفقنا على هدنة طويلة؟.. هاني عوكل

  تهدئة مؤقتة جديدة تضاف إلى أخواتها من التهدئات السابقات نتيجة مفاوضات ماراثونية معقدة بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، برعاية الوسيط المصري الذي يبدو أنه لم يتمكن إلى اللحظة من التوصل إلى اتفاق يمهد للإعلان عن هدنة مستقرة في قطاع غزة.

 

قبول الوفدين بتهدئة لمدة خمسة أيام، يعني أن الظروف لم تنضج بعد لتثبيت هدنة طويلة، الأمر الذي يؤكد صعوبة المفاوضات ووجود اختلافات كبيرة بين الوفدين في القاهرة، وإلا كنا سمعنا عن اتفاق يؤجل ولا ينهي العدوان الصهيوني على قطاع غزة.

يبدو واضحاً من عدم التوصل إلى هدنة مستقرة إلى الآن، أن الاحتلال الصهيوني لا يريد الخروج من هذه المفاوضات مهزوماً أو حتى على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب"، ذلك أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يسعى لتمديد الوقت وتمييع الموقف الصهيوني أملاً في عدم إعطاء الفلسطينيين كامل حقوقهم.

كثر هم الساسة الصهاينة الذين ينتقدون نتنياهو على طريقة إدارته لهذه المفاوضات، وعلى أولوية إنهاء "حماس" في قطاع غزة وعدم التحاور مع الرئيس محمود عباس واعتباره شريكاً غير مناسب لعملية السلام، وهذا ما يفسر رغبة نتنياهو في إطالة المفاوضات لترويض أزلامه على اتفاق يناسبهم.

ما يخشاه رئيس الحكومة الصهيونية أن يتفق مع الفلسطينيين على هدنة مستقرة، تؤدي إلى الإطاحة بحكومته وتنهي حياته السياسية، وكان ملاحظاً التشاور الدائم والاجتماعات المتواصلة للمجلس الوزاري المصغر، لتقييم العدوان الصهيوني وحتى في مرحلة المفاوضات التي جرت في القاهرة.

الجوهر في الموضوع أن نتنياهو أراد أن يشارك الجميع في قراراته ويدفع الكل ثمنها، حتى لا يقع وحده تحت طائلة المسؤولية، فهو يحاول أن يصل إلى المنطقة الرمادية التي تفصل بين الأبيض والأسود، بين أن يوافق على كافة الشروط الفلسطينية، وبين إفشال المفاوضات والذهاب إلى استكمال العدوان على غزة.

من هذه المفاوضات يريد نتنياهو رد البلاء عن الثمن القليل الذي يسعى لدفعه، فهو وإن ينظر إلى النتيجة المتعلقة أخيراً بهدنة تؤدي إلى وقف العدوان على غزة، إنما طموحه يتجاوز الهدنة إلى الحاجة لبقائه على رأس الحكومة الصهيونية.

وبصرف النظر عن طول مدة التهدئات المؤقتة المعلنة أو التي من المحتمل الإعلان عنها لاحقاً، فإن الاحتلال الصهيوني يستصعب الذهاب نحو عدوان استنزافي والعيش في مرحلة فراغ لا يقينية، لأنه سيخسر أكثر من الفلسطيني الذي خسر كثيراً ومستعد لمواصلة التضحيات من أجل تحصيل حقوقه وحريته.

القصد أن المفاوضات في القاهرة ستؤدي في نهايتها إلى الإعلان عن هدنة ثابتة، لن تلبي كافة شروط الفلسطينيين بقدر ما أنها سترفع الحصار تدريجياً عنهم، وهذا هو الشغل الشاغل للوفد الصهيوني الذي يعمل بإيعاز من نتنياهو على قضم حقوق الفلسطينيين والمناورة لكسب هدنة بأقل الأثمان.

طيب على فرض اتفقنا على هدنة مستقرة، ماذا بعدها؟ هذا السؤال موجه إلى القيادات وإلى الجمهور الفلسطيني في الداخل والشتات، خصوصاً وأن الهدنة لن تنهي قصة القضية الفلسطينية نحو حل شامل ولن تجلب السلام في نهاية المطاف، إنما هي مجرد استراحة مقاتل.

طالما وأننا خضنا المقاومة المسلحة وقلصّنا الفارق في موازين القوى المختلة بطبيعة الحال لصالح الاحتلال الصهيوني، فإن علينا مواصلة النضال السلمي في هذه المرحلة، لأن الهدنة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إبعاد سلاح المقاومة عن خط المواجهة مع العدو.

لا يعني ذلك ترك السلاح فهو قائم في كل الأحوال وموجه ناحية العدو عند أي اعتداء، إنما القصد أن ننوع أساليب مقاومتنا واستخدام أفضلها وأيها الأنسب لمتطلبات المرحلة، والأخيرة تشير إلى أن مقاومة سلمية ودبلوماسية استنزافية ضد العدو ستلحق فيه هزائم وخسائر باهظة.

على المقاومة السلمية والشعبية أن تُكمّل ما أبدعت فيه المقاومة المسلحة، خصوصاً في فضح الاحتلال الصهيوني وشله اقتصادياً وبشكل تدريجي، لأن الشلل الاقتصادي سيعني الكثير لدولة تقوم على الرفاه وجمهورها زئبقي لا يقوى على البقاء في تنفس اصطناعي.

ويدرك العدو أن الضفة الغربية في مقاومتها السلمية تشكل تهديداً استراتيجياً وخطيراً على دولة الاحتلال، لأن المقاومة المفتوحة ستفرمل إلى حد كبير المخططات الصهيونية التي تُحاك في الضفة، من تهويد القدس الشرقية وتهجير أهلها وسحب هوياتهم، إلى تعميق الاستيطان وإنشاء معازل تفصل بين القرى والبلدات والمدن الفلسطينية.

الاحتلال لن يقوى على مقاومة استنزافية، لا موسمية مرتبطة بأحداث صغرى أو كبرى، الأمر الذي يعني أهمية وضع استراتيجية وطنية فعالة لإطلاق وتعميم هبة جماهيرية منتفضة على الاحتلال، والاستفادة من العدوان على قطاع غزة لتعرية الاحتلال وكشفه أمام العالم.

بفعل العدوان الصهيوني ورد المقاومة المسلحة، تكبد الاحتلال خسائر اقتصادية بمليارات الشواكل في غضون شهر واحد تقريباً، أضف إلى ذلك أن السياحة تراجعت إلى 25% في شهر تموز الماضي .

إذا كانت هذه الخسائر قد أثّرت بشكل أو بآخر على السياسة والأمن والاقتصاد الاسرائيلي، فإن مقاومة سلمية بنفس طويل، ستؤدي إلى إلحاق ضربات ولكمات موجعة فيه، وعلى الأقل أنها ستعيق المخططات الصهيونية الموضوعة سلفاً لتصفية الضفة الغربية كنتيجة لوأد الدولة الفلسطينية المستقبلية.

ثم إن مقاطعة البضائع الاسرائيلية والاستيطانية جزء من الفعل النضالي الوطني المسؤول والملتزم ضد الاحتلال، فلا يكفي مقاومة بالقول والحجر، إنما ينبغي أن تكون عملاً منظماً يلتزم به الجميع، سلطةً وقوى ومؤسسات وشعب.

إنها فرصة ذهبية بحق لوضع الاحتلال تحت المجهر العالمي، ومحاسبته عبر السعي إلى إصدار قرار أممي كالذي ساوت فيه الأخيرة الصهيونية بالعنصرية فيما مضى، وجعل كل الطرق تؤدي إلى فضح الاحتلال وكشف مخططاته لتصفية القضية والشعب الفلسطيني.

وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن لا يؤمن بالسلام فإنه غير قادر على التفاوض حوله، والاحتلال هو سيد من يتفنن في وضع العوائق للهروب من هذا السلام الذي ينشده المجتمع الدولي بحسن أو سوء نية في سبيل إقامة دولة فلسطينية مستقلة.

علينا بمقاومتنا المشروعة أن نوقظ العالم ونحركه على فظائع الاحتلال، لأننا وحدنا في الميدان لن نكون قادرين على مقارعته، لكن بإسماع العالم صوت حناجرنا وصوت حجارتنا، نكون بذلك على الطريق الصحيح الذي سيضمن حقوقنا إن عاجلاً أم آجلاً.