Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

لماذا تتبنى واشنطن المطالب الصهيونية؟!... علي جرادات

لماذا تتبنى واشنطن المطالب الصهيونية؟!...  علي جرادات

  كثيرة هي اشتراطات قادة إسرائيل التعجيزية التي تمنع التوصل إلى تسوية لجوهر الصراع.

 

إذ دعونا من التفاصيل كي نرى أن موانع التوصل إلى تسوية سياسية على أساس "الممكن التاريخي"، أي على أساس إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع، تكمن في النظام السياسي الصهيوني لإسرائيل، وليس في سياسة هذه الحكومة الإسرائيلية أو تلك.

ذلك دون أن ننكر أن حكومة إسرائيل الحالية هي "حكومة استيطان ومستوطنين" بامتياز، أو أن نتجاهل أنها أكثر حكومات إسرائيل عنجهية وصلفاً سياسياً وتشدداً أيديولوجياً، لكن دون أن ننسى أيضاً أن فائض تشدد هذه الحكومة لم يكن ليكون بهذا المستوى من الصلف لولا:

*الانقسام الداخلي الفلسطيني وعدم توافر الإرادة السياسية الجادة والاستعداد العملي لإنهائه ومراجعة عقدين ويزيد من خيار ثبت عقمه وضرره وصولاً إلى الاتفاق أو التوافق على بناء إستراتيجية سياسية وطنية جديدة شاملة وموحَّدة للمواجهة.

*تخاذل، كيلا نقول تواطؤ، مراكز القوة العربية وعدم استعدادها لاستخدام الحد الأدنى من عوامل قوتها، وإصرارها على اعتماد خيار المفاوضات الثنائية المباشرة برعاية أميركية خياراً وحيداً ودائماً، وإمعانها في التهرب من القيام بواجبها القومي تجاه القضية الفلسطينية بذريعة زائفة ومشروخة، هي: "نرضى بما يرضى به الإخوة الفلسطينيون".

*تماثل، كيلا نقول تطابق مواقف راعي المفاوضات الأميركي مع المواقف الإسرائيلية، بل الصهيونية، أي المعادي للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والتاريخية الشرعية والمشروعة على الأقل كما تنص عليها وتكفلها قرارات الشرعية الدولية.

أما لماذا ينبغي رد موانع تسوية جوهر الصراع إلى النظام السياسي الصهيوني لدولة إسرائيل وليس إلى سياسة هذه الحكومة أو تلك من حكوماتها؟

لاءات المواقف السياسية، (عدا الاستباحة الميدانية)، لحكومات إسرائيل المتعاقبة منذ انطلاق مفاوضات "الأرض مقابل السلام" في مؤتمر مدريد، 1991، لم تتغير تجاه جوهر الصراع، بل ظلت على حالها وزادت تشدداً وصلفاً، ولعل أهم هذه اللاءات:

*لا للاعتراف بحق اللاجئين في التعويض والعودة إلى ديارهم الأصلية، ولا للإقرار بمسؤولية إسرائيل التاريخية والسياسية والأخلاقية عن تشريد ولجوء نصف الشعب الفلسطيني ويزيد.

*لا للتخلي عن القدس "عاصمة أبدية موحدة لدولة إسرائيل"، ولا للتراجع عن قرار ضم شطرها الشرقي وعن مواصلة تنفيذ مخططات استيطانها وتهويدها.

*لا للتخلي عن الكتل الاستيطانية الثلاث الكبرى في شمال ووسط وجنوب الضفة، ولا لوضعها تحت أية سيادة غير السيادة الإسرائيلية، بل ثمة أحزاب إسرائيلية صهيونية نافذة ترفض التخلي عن أية مستوطنة تقع خارج هذه الكتل الثلاث التي صارت أربعاً بعد أن أضاف نتنياهو "كتلة بيت إيل" إليها.

*لا لانسحاب الجيش الإسرائيلي من المعابر والحدود الشرقية للضفة، ولا لإزاحة جدار الفصل والتوسع بما يحوله مع ما التهم من أرض إلى حدود سياسية، ولا لوقف عمليات الاستيطان في أراضي الضفة بحسبانها أرضاً "متنازعاً عليها"، وليست "أرضاً محتلة".

*لا للإقرار بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع خارج القرار 242 كقرار مطلوب التفاوض عليه وليس تنفيذه.

*لا لاستمرار المطالب الفلسطينية بعد التوصل إلى "اتفاق نهائي" وفق اللاءات التعجيزية السابقة.

*لا للاكتفاء بما حصلت عليه إسرائيل من اعتراف بوجودها وأمنها كدولة غير محددة الحدود ودون اعتراف منها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. أي لا لإبرام أي "اتفاق نهائي" قبل الاعتراف بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي".

وهو الشرط الذي ينسف الرواية الفلسطينية ويعادل الاعتراف بالحركة الصهيونية كحركة تحرر وطني ويساوي شطب مسؤوليتها عما اقترفته من عملية سطو سياسي وتطهير عرقي قل نظيرها في التاريخ الحديث والمعاصر للبشرية، علاوة على ما يشكله هذا الاعتراف من نسف لحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم الأصلية ولحق وجود من تبقى منهم على أرضهم.

بل ثمة معزوفة رسمية إسرائيلية جديدة تطالب بتعويض من جلبتهم الحركة الصهيونية من اليهود العرب.

تلك هي شروط قادة إسرائيل لإبرام "اتفاق نهائي" ينهي الصراع ويضع حداً للمطالب، ما يعني أن حديثهم عن الجاهزية والاستعداد للتسوية السياسية مجرد ذرٍ للرماد في العيون وكلام فارغ من أي مضمون ولا ينطلي حتى على من لا يعرف من السياسة غير اسمها.

فهذه شروط لفرض استسلام سياسي ولتزييف حقائق الصراع والتاريخ والجغرافيا، ولتحويل التصورات الأيديولوجية الخرافية للمشروع الصهيوني إلى حقائق سياسية معترف بها حتى من الفلسطينيين ضحايا هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني الاقتلاعي الابتلاعي الاحلالي.

إذاً لسنا أمام مواقف تفاوضية إسرائيلية متشددة لتحسين نتائج تسوية سياسية، بل أمام مواقف أيديولوجية صهيونية ثابتة لم تتزحزح قيد أنملة بعد، ويبدو أنها لن تتزحزح طالما ظلت موازين القوى بالمعنى الشامل للكلمة على حالها، وطالما ظلت الإستراتيجية الوطنية الفلسطينية والقومية العربية على حالها، وطالما ظل ملف القضية الفلسطينية في قبضة الراعي الأميركي للمفاوضات الذي لم يعد يدعم المواقف التفاوضية الإسرائيلية، فحسب، بل صار داعماً للمواقف الأيديولوجية الصهيونية، أيضاً.

اللهم إلا كان بلا معنى أن تصبح مطالب الاعتراف بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي"، ورفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية، ورفض تقسيم القدس وإخلاء الكتل الاستيطانية الثلاث أو الأربع في الضفة، والتمسك بتفصيل أي "اتفاق نهائي على قاعدة" "أمن إسرائيل ومواطنيها" الفضفاضة وغير المحددة، مطالب رسمية أميركية، ما انفك السيد كيري يعمل على تضمينها، وإن بتعويم مقصود، في خطته الوشيكة تحت مسمى "اتفاق إطار" أو "إطار اتفاق" ليقدم بعد موافقة شاهد الزور: "اللجنة الرباعية"، عليه، إلى طرفي التفاوض مع قبول تسجيل تحفظات كل طرف منهما عليه. أما لماذا؟ ليس لضمان استمرار قاعدة التفاوض الثنائي المباشر برعاية أميركية، فحسب، إنما، أساساً وجوهراً، لستر عورة الموقف الرسمي العربي الضاغط على الطرف الفلسطيني - في السر والعلن - لمواصلة الدوران في فلك الرعاية الأميركية، أي لمنع الفلسطينيين من إعادة ملف قضيتهم إلى رعاية هيئة الأمم المتحدة ومرجعية قراراتها، وفي أقله لمنعهم من استكمال خطوة حصولهم على مكانة "دولة مراقب" في هيئة الأمم المتحدة بالانضمام إلى جميع منظماتها ووكالاتها وهيئاتها التخصصية، وأولاها "محكمة الجنايات الدولية".

ناهيك عن الحيلولة دون خلق ظروف سياسية تسهم في تسهيل طريق إقدامهم على خطوات جادة لإنهاء انقسامهم الداخلي الذي دوّن طي صفحته السوداء يتعذر بناء إستراتيجية سياسية فلسطينية جديدة وشاملة بوسعها الصمود في مواجهة التصعيد السياسي والميداني في السياسة الإسرائيلية الأميركية، خاصة في ظل انكفاء مراكز القوة العربية على همومها الداخلية، بل في ظل تهافت بعضها على مائدة "التطبيع قبل التوقيع" وإبرام التفاهمات مع إسرائيل لمواجهة ما يسمى الخطر الإيراني وكأن إسرائيل ليست الخطر والعدو الأول للأمة وشعوبها من المحيط إلى الخليج، أو كأن التبعية الرسمية العربية للولايات المتحدة، الحليف الإستراتيجي الثابت لإسرائيل، ليست أساس الداء لما أصاب العرب ونظامهم السياسي ومكانتهم الإقليمية ووزنهم الدولي واستقلالهم وسيادتهم الوطنييْن ونسيجهم المجتمعي وتنمية اقتصادهم..... من اختلال بنيوي أفضى بعد عقود من الغليان إلى انفجار حراكهم الشعبي وإلى ما تلاه بفعل عفوية انطلاقه من تدخلات داخلية وخارجية تقودها الولايات المتحدة تروم إجهاضه أو حرفه أو اختطافه أو تجييره أو إغراقه في أشكال وأشكال من التقتيل والتذبيح والتدمير والتخريب والتفتيت المذهبي والطائفي والجغرافي والسياسي ما انفكت جارية في الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه. ذلك دون أن ننسى أن هذه الحالة هي ما جعل قادة إسرائيل يتجرؤون على إعلان شروطهم ومطالبهم الأيديولوجية الصهيونية، من جهة، وجعل الإدارة الأميركية تتجرأ على إعلان تبنيها لهذه الشروط والمطالب، من جهة ثانية.