أكثر من أسبوعين مرّ على دخول قوات الاحتلال البرية الى قطاع غزة، والتي واجهتها مقاومة شرسة وذكية في الوقت نفسه، فقوات الاحتلال المدعومة بالطائرات والدبابات، دخلت إلى مناطق حدودية كالشجاعية وخزاعة تحت وقع النيران المكثفة، والضربات الجوية،
حيث انسحب المقاومون من تلك الأماكن تكتيكياً لتدخل قوات الاحتلال إلى بعض المناطق لتعود المقاومة الفلسطينية للاتحام بقتال شرس وصمود كبير في الميدان، موقعة في صفوف قوات الاحتلال العشرات من القتلى والجرحى، حيث استخدمت في تلك المعركة، أنواع جديدة من الأسلحة فاجأت العدو، كما تفاجأ بثبات المقاومين في ميدان القتال.
وقد سبق هذين الأسبوعين، عملية عسكرية قادها كيان الاحتلال عبر طائراته الحربية المختلفة، تحت عنوان القضاء على الصواريخ الفلسطينية، لكن إطلاق الصواريخ لم يتوقف حتى اللحظة، حيث أبدت المقاومة الفلسطينية صموداً استثنائياً منقطع النظير، كما تواصل الاشتباك والتصدي لقوات الاحتلال على تخوم القطاع، بالأسلحة وباللحم الحي، وما زالت قوات الاحتلال عاجزة عن التقدم.
ونشير هنا إلى أن كيان الاحتلال وكما في حروبه السابقة بدأ يختزل العناوين الكبيرة للحملة العسكرية العدوانية على القطاع من القضاء على صواريخ المقاومة وتدمير "البنية التحتية" لفصائل المقاومة إلى تدمير الأنفاق على الحدود مع قطاع غزة، نظراً لعجزه عن حصد أي نتائج تذكر سوى سفك المزيد من الدم الفلسطيني، في ظل التصدي البطولي لرجال المقاومة على كافة المحاور واستمرار إطلاق الصواريخ على المستوطنات والمدن المحتلة والمواقع العسكرية داخل عمق الكيان.
لكن ما سر هذه المقاومة، ومن أين لها هذه القوة؟؟؟
هناك أسباب عديدة تقف خلف هذه القوة وهذا الصمود، منه ما يتعلق بأحوال وظروف المقاومة نفسها، ومنه ما يتعلق بالحاضنة الشعبية، ومنه ما يتعلق بالكيان الإسرائيلي، رغم حالة تردي الوضع العربي واللامبالاة تجاه ما يحصل في قطاع غزة والضفة الغربية بل وفلسطين عموماً.
فالمدن الكبرى كالقدس وحيفا وتل أبيب هي تحت مرمى نيران المقاومة وهو ما شكل مفاجأة كبرى خصوصاً لمدينة حيفا التي تبعد 140 كلم عن غزة، وبتعبير آخر فإن فلسطين المحتلة هي بأكملها تحت قبضة صواريخ المقاومة.
بالإضافة الى ما سبق نضيف الإنجازات التي حققتها المقاومة على الأرض، والتي تتمثل بالعمليات النوعية التي استهدفت فيها المقاومة قوات الاحتلال سواء عبر الالتحام المباشر، أو عبر العمليات النوعية خلف خطوط العدو من خلال الأنفاق، أو من خلال عمليات القنص، مما أضاف بعداً جديداً لهذه المعركة، ناهيك عن خطف جندي إسرائيلي، مما قلب الأمور رأساً على عقب.
العنصر الثاني هو الالتفاف الشعبي في غزة أو في الضفة الغربية أو مناطق الـ48، فحتى كتابة هذه السطور بلغ عدد الشهداء منذ بداية العدوان حوالي 1668 شهيدا، وأكثر من 9420 جريحاً، 40 بالمئة من هؤلاء الشهداء والجرحى هم أطفال ونساء حسب إحصاء وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، وبالرغم من هذه المأساة ما زال الالتفاف الشعبي حاضراً بقوة وبحسب آخر استطلاع أجري في تموز/يوليو من السنة الحالية ونقله موقع دراسات الشرق الأدنى في واشنطن، أن ثلثي المستطلعة آرائهم من الشعب الفلسطيني في الضفة ومناطق الـ48 هم مع المقاومة، فلا يتوقع الاحتلال أن يرفع الشعب الفلسطيني راية بيضاء، فغزة ومدن الضفة الغربية مشتعلة وتؤازر مقاومتها، وإنجازات المقاومة تتحدث عن نفسها، ناهيك عن نفاد صبر الغزيين من الحصار، وعدم وجود أي حلول منذ العام 2007 ـ تاريخ نجاح حركة حماس في الانتخابات وإمساكها زمام السلطة في غزة ـ في رفع الحصار عن القطاع، كل تلك العوامل تجعل المقاومة هي الأمل، بتحقيق رفع الحصار عبر القوة والثبات في الميدان.
ولا شك أن لغياب الدور العربي الواضح سواء عبر جامعة الدول العربية والتي لم تكلف نفسها عناء دعوة القادة العرب إلى عقد قمة، حيث اكتفت بشجب العدوان، وتبني المبادرة المصرية كما هي، بالإضافة إلى غياب دور الدول العربية وصمتها المطبق، جعل صوت المقاومة هو الأعلى وأسهم في رفع أسهم المقاومة التي تؤلم وتربك "إسرائيل"، وبالتالي لا حلّ إلا بالتوحد خلف المقاومة، أمام هذا الانهزام في الواقع العربي لتحقيق رفع الحصار.
أما بالنسبة إلى كيان الاحتلال فمن الواضح جداً حجم الإرباك الذي يعانيه، فالتوغل في قطاع غزة معركة مكلفة، فالحصيلة التي اعترف بها العدو الإسرائيلي حتى الآن هي مقتل 63 جندياً وضابطاً و3 مستوطنين، وجرح 227 آخرين، والخوف كل الخوف من أسر المزيد من الجنود، والصواريخ لم تتوقف، والجنود في حالة استنزاف، والخسائر على المستوى الاقتصادي والسياحي بلغت نسبتها حسب آخر التقديرات حوالي نصف مليار دولار، ومئات الآلاف بل الملايين من الإسرائيليين مهددون في أمنهم، بمعنى آخر لبست "إسرائيل" ثوب الهزيمة والانكسار، وأصبحت قوة منتفخة بلا جدوى أمام ثلة من المقاومين في غزة.... وهذا ما عاينه الغزيون.
فأمام كل هذه الإنجازات نقول لماذا لا نعتمد على المقاومة؟؟؟