اتسعت المفاوضات لتشمل دولا عربية، إضافة للاتحاد الاوروبي والرباعية الدولية، وقد تحول التفاوض الثنائي الفلسطيني الاسرائيلي الى الجزء الاقل أهمية في عملية التفاوض. المعلومات التي ترشح عن المفاوضات متضاربة ولا يمكن اعتمادها.
غير ان المفكر نورمان فينكلستاين سلط الاضواء على مساعي اميركية لبلورة "إتفاق إطار" في الاسابيع القادمة، يتبعه "اتفاق نهائي" خلال الاشهر الست الاخيرة من ولاية أوباما. تحدث فينكلستاين عن كثير من التسييس والتسويق والهستيريا، وعن الدراما التي يحبها أوباما، وتحدث عن قدرة كيري على ابتكار صفقة تستجيب للشروط الاسرائيلية. على سبيل المثال الصيغة الالتفافية ليهودية الدولة تنص على : إسرائيل دولة للشعب اليهودي ومواطنيها. وفلسطين دولة للشعب الفلسطيني ومواطنيها. هذا النص يوحي بالمساواة بين المجموعتين السكانيتين والدولتين، فضلا عن الايحاء بأن حقوق الفلسطينيين في مناطق 48 محفوظة.
وقد تحتمل الصيغة ان حقوق المستوطنين الراغبين في البقاء ضمن الدولة الفلسطينية محفوظة ايضا. المسألة الأهم في هذا النص هو شطب او نفي حق العودة للاجئين الفلسطينيين الى الاماكن التي طردوا منها والذي يعتبر جوهر الصراع. إضافة الى شطب الرواية التاريخية الفلسطينية لمصلحة الرواية الاسرائيلية القائلة "أرض بلا شعب"، والتي تتضمن انكار وجود الشعب الفلسطيني في وطنه التاريخي، وما قاد اليه الانكار من تطهير عرقي غير معترف به، ولا تتحمل إسرائيل مسؤوليته. كان بند يهودية الدولة هامشيا وغير مطروح بقوة، لكنه في الاونة الاخيرة تصدر المشهد، لا لشيء إلا لأنه ارتبط بتصفية قضية اللاجئين بالمفهوم الاسرائيلي. المقصود بالشعب اليهودي كل يهود العالم.
وهذا يتناقض مع حرية اليهود في الاندماج ضمن مجتمعاتهم وأوطانهم التي بدأت اكثرية منهم تندمج فيها – 6 من كل 10 يهود يحبذون الزواج المختلط من غير اليهود-. نص كيري يصادر حق اكثرية يهود العالم في الاختيار بين هذه دولة حصرية دينية والدول المدنية التي يعيشون بين ظهرانيها.
يتعامل مع الشعب الفلسطيني بمعايير مزدوجة، حين يغلق أمام من طردوا الابواب والشبابيك للعودة الى بلادهم ويعيشوا كمواطنين متساويي الحقوق. فلماذا يحرم اللاجئون المطرودون بالقوة من العودة الى الاماكن التي طردوا منها كمواطنين ضمن السيادة الاسرائيلية؟ يكتمل المشهد المأساوي الذي بدأ بإعلان دولة اسرائيل على انقاض الشعب الفلسطيني ويحاول ان ينتهي بدولة يهودية حصرية تحظر على المطرودين العودة الى بلادهم. هذه النتيجة لا تعني حل الصراع المزمن الممتد الى قرن من الزمان، بل تعني فرض حل سياسي على مقاس المصالح الاسرائيلية والاميركية بتمويهات لا تخفى على أحد.
هذا الحل الذي تنعدم فيه العدالة لا يمكن للشعوب ولا الاجيال القادمة والمتعاقبة أن تقبل به وهو في الاغلب لن يعمر طويلا.
المصيبة في الحل الاميركي لا تقتصر على تصفية قضية اللاجئين، بل يتعداه الى تقويض مقومات الدولة الفلسطينية، من خلال اقتطاع وضم المستعمرات الكبرى التي تكبر وتزداد وتتضخم وتتسور بجدار فصل عنصري بلا توقف. هذه المستعمرات التي تجسد الاطماع الكولونيالية الاسرائيلية كوضع اليد على اهم موارد الدولة الفلسطينية - المياه والارض الزراعية والمناطق السياحية- وفصل التجمعات الفلسطينية عن بعضها البعض وتحويلها الى بنتوستونات فصل عنصري.
اخص بالذكر مستعمرة معاليه ادوميم التي تفصل الجنوب عن الوسط والشمال. ومدينة القدس الشرقية برمتها يحاول الاسرائيليون وضعها جانبا، أما خطة كيري فتغض النظر عن الكتل الاستيطانية في محيطها وداخلها. الاستباحة الاسرائيلية للارض الفلسطينية ووحدتها يتم تحت مسمى مبادلة أراضي بنسب غير متفق عليها بعد. وفي هذا السياق تتعامل خطة كيري مع منطقة الاغوار كمنطقة امنية تتواجد فيها قوات اسرائيلية وأميركية تحت مسمى استئجار وواقع الحال فإن هذه المنطقة تعتبر منطقة استثمار لكبار الرأسماليين والجنرالات الاسرائيليين المتقاعدين وتعود عليهم بمليارات الشواقل. لاحظوا كيف يتم تجزيء عناصر الحل عن بعضها، وكيف يتم تقويض كل عنصر وإفراغه من مضمونه. يتم الحديث مثلا عن دولة فلسطينية ذات سيادة لغرض استيعاب اللاجئين فيها من الناحية النظرية.
وعندما نمعن النظر في مقومات الدولة، سنجدها مخردقة بالاستيطان والجدار وشبكة الطرق وبوابات الفصل ما يجعلها لا تكفي لحياة البشر الموجودين بداخلها.
الغاء حق العودة وضم الكتل الاستيطانية أو - بحسب الرواية الاسرائيلية - ضم كل المستوطنات من غير استثناء، يجعل خطة الاطار والحل النهائي المزمع ترويجه وفرضه لا يعدو كونه استجابة اميركية خالصة للشروط الاسرائيلية. ولا يغير من هذه الحقيقة المرة مساحيق التجميل والرتوش والهدايا وحلو الكلام عن السلام.
الحل يطبخ على نار هادئة، بمشاركة الجميع. يقول فينكلستاين : كيري خلافا لكلينتون الذي تجاهل الجميع، جمع الكل في طابور مستقيم (السعودية والاردن والجامعة العربية والاتحاد الاوروبي والرباعية). اوروبا تقوم بدور شد الحبال ومقاطعة اسرائيل بتنسيق مع كيري لتطويع ممانعة اقصى اليمين الاسرائيلي. ويضيف "القضية الفلسطينية عربيا في حكم الميتة" ايران لم تتفوه بشيء عن مفاوضات كيري، ومصر منشغلة بخلع حماس، والسعودية مهتمة بالصراع مع ايران وسورية والمزاج العام لا يهتم بفلسطين في الوقت الحاضر. والوضع الداخلي الفلسطيني في اسوأ حالاته وايامه.
ما يجري إعداده يسير دون اعتراض يذكر، ومن غير سياسات بديلة، ومن غير دفاع ولا اقول هجوم. المقصود بالسياسات البديلة هو بناء عناصر قوة جديدة، والاستعداد لصد وتحمل الضغوط. القيادة لم تحاول الاستقواء بالشعب، ولا لتجنيد الموارد، لم تقرع الجرس. وقوى المعارضة التي ترفض كيري وخطته، لم تحول الرفض الى قوة شعبية تدافع عن مصالحها ضد الحل الاميركي الاسرائيلي المناقض لها. من يقرع جدران الخزان؟ من يقول ان القبول بالاحتكار الاميركي للعملية السياسية سيؤدي الى تصفية الحقوق الوطنية؟ من يستطيع اقناع الراي العام الفلسطيني بأن قضيته تحظى بتعاطف عالمي وتملك عناصر قوة قادرة على الصمود؟ لماذا لم نحاول الاستنجاد بالشعوب العربية؟ الانتظار والاحساس بالعجز والاحباط وعدم النقد والامتناع عن المبادرة وصفة سحرية لفرض وتمرير الحل بالمواصفات الاسرائيلية والاميركية.