في العام 1948 كانت أمي طفلة تحملها جدتي على كتفها وتفر بها من مسقط رأسها يافا باتجاه غزة حين اعترضها مجموعة من الجنود الصهاينة وحاولوا خطف الطفلة مدعين انها شقراء ولا يمكن أن تكون ابنة لهذه المرأة الحنطية، ولكن صراخ الطفلة وتشبثها بأمها أنقذاها من بين أيديهم
وسارت بها أمها وسط لعناتهم فهم يستكثرون على امرأة عربية مثل هذه الطفلة الجميلة ذات الملامح الغربية، وإبان انتفاضة الحجارة تكررت القصة ذاتها مع طفلة في مخيم جباليا حيث قال والدها: لولا درايتي باللغة العبرية لاختطفوا طفلتي حيث كانوا يحدثون بعضهم البعض بأن هذه الطفلة ذات البشرة البيضاء والشعر الأصفر والعينين الخضراوين لا يمكن أن تكون ابنة لرجل اسمر البشرة يعيش في فقر مدقع، وعليهم اختطافها لتتبناها عائلة يهودية.
هاتان الحادثتان تؤكدان للاسرائيلية المتطرفة ايليت شاكيد عضو الكنيست الاسرائيلي عن الحزب اليهودي أن نساءنا ومنذ عقود مضت لا يلدن افاعي كما تقول، ولكنهن يلدن بنات جميلات وتنحدر من نسلهن فتيات أجمل وشبان أبطال.
ويبدو أن جيش الاحتلال بقيادته الخرقاء المتعطشة للدماء قد عملت بنصيحتها جيدا، لأن معظم الشهداء هم من الأطفال غالبا حسب احصائيات وزارة الصحة، ويلي ذلك النساء ثم النساء الحوامل، ولكنهم لا يعرفون أن المرأة الفلسطينية قد سجلت أعلى نسبة انجاب على مستوى العالم، حيث بلغ معدل انجاب المرأة الفلسطينية 6.8 طفل مدى الحياة، وهي أعلى نسبة في العالم، خصوصا في غزة تعتبر المرأة الغزية انجاب الأطفال خاصة الذكور أقل واجب وأسمى رسالة تقوم بها، وفي كل عدوان تمر به غزة تسجل احصائيات المستشفيات زيادة في انجاب الذكور عن الاناث، لدرجة ان يولد في ليلة واحدة في أحد مستشفيات غزة ثلاثون طفلا، ويختار الآباء والأمهات أسماء لهم تناسب الوضع الذي ولدوا فيه، ويختارون أيضا أسماء شهداء ارتقوا خلال العدوان.
في عدوان عام 2008 أنجبت جارتي الشابة طفلها الأول مع أول ايام العدوان، وفي عدوان العام 2012 أنجبت طفلها الثاني، وتندرنا كثيرا عليها بأنها تلد أطفالها اثناء الحروب، ولم نكن نحتفل بالمولود الجديد الذي تضعه في ظروف صعبة، وكنت أنا أقوم بتأجيل زيارتي للجارة والتهنئة بالمولود حتى انتهاء العدوان واستقرار الأوضاع، وأحمل لها هدية قيمة في كل مرة، لأنني كنت أشعر وقتها بأن هذا الطفل القادم هو الأمل، وهو العوض من الله، فلا يمكن أن ينقطع نسل أمّة سيباهي بها الرسول صلى لله عليه وسلم يوم القيامة.
عندما رأيتها حاملا للمرة الثالثة سألتها أكثر من مرة عن موعد ولادتها، فكانت تجيبني: في منتصف رمضان المقبل، وكنت أتمنى لها السلامة.
لم أخمن ولم أتوقع ولم أستغل ذكائي لأستنتج أن مولودها الثالث ستنجبه في عدوان ثالث وجديد على غزة.
ليتني استنتجت... ليتني فهمت.