على بُعد مئات الأمتار من مقرّ رئاسة السلطة الفلسطينية في مدينة رام الله، ومثلها من المربعات الأمنية التي تقيمها الأجهزة الأمنية في مناطق مختلفة في مدينتَي رام الله والبيرة، استباح عشرات المستوطنين المحافظة، ونفّذوا محرقة جديدة بحقّ ممتلكات الفلسطينيين. وفي التفاصيل، اقتحم عشرات المستوطنين المدجّجين بالسلاح، فجر أمس، المنطقة الصناعية في مدينة البيرة، حيث أضرموا النار في 20 مركبة، ومدخلَي مبنيَين، من دون أن يواجههم أحد ويمنع تنفيذ ما كان يمكن أن يسفر عن مجزرة. لكنّ أحد المواطنين الذي حاول إخماد النيران، تعرّض لإطلاق نار على أيدي المستوطنين، وكذلك الأمر بالنسبة إلى مركبات الإطفاء التي انتظرت بعيداً إلى حين انسحاب هؤلاء إلى مستوطنة بيت أيل. أمّا الصورة التي خلّفتها الهجمة، فبدت شديدة السواد، ليس فقط بفعل النار والدخان الذي غطّى الجو والعمارات السكنية، بل أيضاً بما يعنيه هجوم من هذا النوع، وما يؤسّس له مستقبلاً.
وإذ تعرّضت المنطقة الصناعية في مدينة البيرة سابقاً لهجمات على أيدي المستوطنين، لكنها لم تكن تتعدّى إعطاب إطارات المركبات أو خطّ شعارات عنصرية. أما الهجوم الأخير، فيُعدّ الأكبر والأخطر من نوعه، ليس فقط لناحية الأضرار التي خلّفها، بل أيضاً لجهة حجم استباحة الضفة، والذي وصل إلى قلب مشروع السلطة. وممّا يجعل تداعياته ثقيلة الوطأة أيضاً، هو العجز الكامل عن مواجهته، وتحديداً من قِبل الأجهزة الأمنية؛ فإذا كان بضعة مستوطنين نفّذوا الهجمة وأحرقوا المركبات وأطلقوا النار وحاولوا اقتحام العمارات السكنية، فكيف سيكون المشهد في حال هاجم المئات منهم المنطقة نفسها أو أي منطقة أخرى؟
ووفقاً لشهود عيان، تحدثوا إلى «الأخبار»، فإن عدداً من المستوطنين المسلحين حاولوا اقتحام عدد من البنايات السكنية، وهو ما كان يمكن أن يؤدي إلى وقوع مجزرة، لو أنهم استطاعوا. لكن ذلك السيناريو لم يعُد بعيداً، نظراً إلى ما شهدته عدد من المناطق في الضفة من أحداث مشابهة. وإذا كانت هجمات المستوطنين في السابق، بسيطة، وتتركّز على المناطق المهمّشة والبعيدة عن التجمعات السكانية، وفي القرى والمناطق المصنفة «ج» الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة، إلا أن هجوم البيرة ينبئ بدخول مرحلة جديدة، ستصبح معها القرى والمدن عرضة لمثل تلك الهجمات. وفي حين يبدو دور الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة واضحاً لجهة التنسيق الأمني مع الاحتلال وملاحقة المقاومين، فهي تَظهر عاجزة راهناً عن توفير أجوبة حول دورها في توفير الحماية والأمن للمواطنين. والمفارقة المرّة، هنا، أن الحالة الجمعية في الضفة، ترى أن المواطنين تركوا من دون أسنان وأظفار للدفاع عن أنفسهم؛ فالسلطة الفلسطينية التي جرّدتهم من كل أدوات الدفاع عن النفس سابقاً، لم تدافع بدورها عنهم أو هكذا يُرى ممّا حدث إلى الآن، في أكثر من موقع.
لا يمكن فصل ما حدث في البيرة عن السعار الاستيطاني الذي سرى في حكومة الاحتلال وعصابات المستوطنين
على أي حال، لا يمكن فصل ما حدث في البيرة عن السعار الاستيطاني الذي يضرب حكومة الاحتلال وعصابات المستوطنين، وتصاعد الاعتداءات؛ إذ تزامن هجوم البيرة مع آخر مماثل شنّه مستوطنون، فجر أمس، على بلدة دير دبون شرق رام الله، حيث أحرقوا مركبة وخطّوا شعارات عنصرية على أحد الجدران، بينما منعوا مرور شاحنات كانت في طريقها إلى معبر ترقوميا غرب الخليل. كما سُجّلت عشرات الاعتداءات على مزارعين منعهم المستوطنون من الوصول الى أرضهم، وقاموا بنصب أسلاك شائكة حول منزلين في تجمّع عرب المليحات شمال غرب أريحا في غور الأردن، بعدما حاصروا منزلاً آخر يُعدّ امتداداً لتلك المنطقة المحاصرة. وشهدت قرية برقا شرق رام الله، هي الأخرى، هجوماً عنيفاً من قِبل المستوطنين، الذين هاجموا المزارعين في حقولهم وأضرموا النيران في أشجار الزيتون، وعدد من منازل المواطنين. وبحسب المصادر المحلية التي تحدثت إلى «الأخبار»، «فقد هاجم عشرات المستوطنين المسلحين القرية من ثلاثة أطراف، وأضرموا النيران في أراضي المواطنين وحقول الزيتون، وثلاثة منازل، كما تجمعوا قرب المدرسة الأساسية للذكور، في محاولة منهم لاقتحامها». وأضافت المصادر أن مواجهات عنيفة جداً اندلعت بين المواطنين والمستوطنين، أصيب خلالها مستوطنان بجروح جراء رشق الفلسطينيين إياهما بالحجارة وضربهما بالعصي.
ومع تصاعد هجمات المستوطنين، باتت دعوات الفصائل والأحزاب أكثر إلحاحاً إلى إيجاد آلية لمواجهتها؛ إذ طالبت حركة «حماس» بتصعيد المواجهة ضدّ المستوطنين في الضفة الغربية عقب هجوم البيرة، والذي وصفته بأنه «إرهابي وتطوّر خطير». وقالت «الجبهة الشعبية»، من جهتها، إن اعتداءات المستوطنين على المدينة «جزء من سياسة ممنهجة من قِبل قوات الاحتلال التي رعت صناعة ميليشيات مسلحة من مجموعات المستوطنين وحمتها، تتيح لها تنفيذ اعتداءاتها على الفلسطينيين»، مستهجنة غياب أجهزة أمن السلطة عن أيّ دور في حماية الفلسطينيين، في الوقت الذي تنشغل فيه بالملاحقة النشطة للمقاومين الذين يدافعون عن شعبنا في وجه جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين.