Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

هل استفدنا من درس مجزرة صبرا وشاتيلا؟

فلسطين اليوم

في نهاية شهر آب من عام 1982، خرجت آخر قيادات وقوات الثورة الفلسطينية من بيروت بعد توقيع اتفاق بطريقة غير مباشرة مع المبعوث الأميركي فيليب حبيب، إثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت، وجزء كبير من البقاع والجبل. وكان من شروط الخروج استقدام قوات متعددة الجنسيات لحماية المخيمات الفلسطينية، فجاءت هذه القوات المكونة من قوات المارينز الأميركية وقوات فرنسية وإيطالية، وبعد أيام انسحبت بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، فقتل بعدها الرئيس اللبناني المنتخب حديثاً والمتعاون مع الإسرائيليين بشير الجميل، في تفجير ضرب بيت الكتائب في بيروت الشرقية. شارون، الذي كان حينها ينتظر هذه الفرصة، وبعد أقل من 24 ساعة دخلت قواته وقوات حزب القوات اللبنانية وقسم من جيش أنطوان لحد البائد المتعاون مع إسرائيل لبعض أجزاء بيروت الغربية، وخاصة منطقة مخيمَي صبرا وشاتيلا وجوارهما، وارتكبا على مدى ثلاثة أيام متتالية مجزرة بشعة ومروّعة راح ضحيتها نحو ثلاثة آلاف وخمسمئة فلسطيني ولبناني. وعندما اكتشفت فصول المجزرة المروّعة صُدم العالم، وأجبرت هذه الصدمة الكبيرة حتى الكيان الإسرائيلي على تشكيل لجنة تحقيق سمّيت «لجنة كاهان».ما نريد الإشارة إليه في هذا المجال هو آثار تلك المجزرة؛ أن أحد أسبابها المباشرة كان نقض الاتفاق الذي تم مع الوسيط الأميركي فيليب حبيب، وهذا النقض والتنصل من بنود الاتفاق جاءا من الجانب الأميركي والأوروبي، فولا التعهد بحماية المخيمات لما خرجت قوات «م. ت. ف» من بيروت، وما انسحابها المفاجئ والسريع من بيروت بعد أيام على خروج قوات «م. ت. ف» وأسبابه إلا لغزاً كان ولا يزال يحمل خلفه خطة مبيّته من قبل إسرائيل وحلفائها من القوات اللبنانية وجيش لحد، لكن الدرس الذي كان صارخاً ومدوّياً هو: هل استفدنا منه نحن كفلسطينيين، أقصد القيادة الفلسطينية؟
لا أنكر أن تعاطي قيادة الثورة الفلسطينية في ذلك الوقت مع الوساطة الأميركية نابع من أمرين مهمّين:
الأول، أن قوات الثورة الفلسطينية، التي حوصرت في بيروت لمدة ثمانين يوماً تحت وابل من القصف الشديد من الأرض والجو والبحر، لم ترد تدمير بيروت العاصمة العربية التي احتضنتها في حين رفضتها عواصم أخرى، ولم تقف إلى جانبها في هذا العدوان الكبير عليها، فرأت أن تلبّي مطالب حلفائها من اللبنانيين الذين وقفوا إلى جانب قوات الثورة الفلسطينية جنباً إلى جنب في كل مراحل القتال، سواء ضد الإسرائيلي أو ضد الانعزاليين.
الثاني، أن قيادة «م. ت. ف» وقتها كانت تسعى إلى نيل اعتراف بها من الولايات المتحدة الأميركية، فرأت في قبول الوساطة مقدّمة على طريق نيل الاعتراف هذا، والذي قد يؤسس في فتح قناة اتصال مع الإدارة الأميركية.
لكن الإدارة الأميركية، بعد الخديعة والتنكّر والانفكاك من التعهدات التي قطعتها على نفسها، ضربت الجانب الفلسطيني ضربة شديدة، فهل أخذت القيادة الفلسطينية العبرة من هذا الموقف الأميركي؟
الجواب: لا، فقبل هذا الدرس، تلقت القيادة الفلسطينية صفعة أخرى، عندما كادت قيادة «م. ت. ف» أن تنجز وساطة ناجحة في الإفراج عن الرهائن الأميركان الـ 52 الذين كانوا محتجزين في طهران، فاتصل طاقم الرئيس الأميركي المرشح للانتخابات وقتها رولاند ريغان بالجانب الفلسطيني وأبلغه أن يتراجع عن وساطته حتى لا يعطي منافسه الرئيس الأميركي جيمي كارتر نجاحاً يمنع ريغان من الفوز بالانتخابات. وبالمقابل وعد طاقم ريغان بفتح اتصال مع قيادة «م. ت. ف» بعد فوزه بالرئاسة مباشرة، فصدقت القيادة الفلسطينية الوعد، وخسر كارتر، وفاز ريغان، ولم يف الأخير بوعده للفلسطينيين.
ومنذ ذلك الحين والتجارب في مصداقية الجانب الأميركي تتواصل، وعلى رأسها الضمانات الأميركية التي جرت في كل مراحل التفاوض الفلسطيني الإسرائيلي، والتي لم تف الإدارات الأميركية المتعاقبة بأي منها وخاصة السياسية، والتي كانت تشير إلى ممارسة الضغط المطلوب على كلِّ من يتنكّر لبنود الاتفاقيات، وكل ما قدّمته الولايات المتحدة لقيادة الشعب الفلسطيني وللشعب الفلسطيني هو اعتراف هزيل بها وبعض المساعدات المالية والمشاريعية كما تقدّم لأيّ دولة في العالم.
لذا نقول: درس صبرا وشاتيلا الصارخ لم نتعلّم منه إطلاقاً، وما سبقه وما لحقه شكّل إخفاقاً كبيراً للقيادة الفلسطينية في هذا الجانب. فالإدارات الأميركية التي تسوّق نفسها بأنها راعية للسلام كانت ولا تزال هي الحاجب الأساسي الذي يمنع إسرائيل من تلبية مطلبات الحل السياسي القائم على العدل، وأن سياسة الولايات المتحدة باقية ومتواصلة وعميقة مع تقلب الرئاسات والإدارات على مر السنين والعقود.
وهذا الدرس وما سبقة وما لحق به يجب أن يكون حاضراً في هذه الأيام في عدم الانخداع في الإدارة الأميركية التي تقف بكل قوة إلى جانب إسرائيل في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة منذ نحو عام، وتحاول تسويق نفسها كوسيط يسعى إلى إيقاف الحرب وتنفيذ صفقة التبادل. وأن الويلات المتحدة، في وقوفها إلى جانب إسرائيل، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الأميركية والاستراتيجية في الزمنين القريب والبعيد، يقدّم على كل الاعتبارات، ويعدّ تغريداً خارج سرب المفاهيم السياسية التحالفية على مرّ الأزمان والتاريخ.
*صحافي فلسطيني