Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

الغياب الطويل إلى متى؟!

فلسطين اليوم

تدخل حرب الإبادة التي يشنّها الصهاينة وداعموهم الغربيّون على الشعب الفلسطيني، في غزّة والضفة الغربية، شهرها الثاني عشر. يعود السبب الأساسي لاستطالة الحرب وعجز الجيش الإسرائيلي عن حسمها بسرعة (كما حصل غالباً في حروب سابقة)، إلى الصمود والمقاومة المدهشين للشعب الفلسطيني وإلى «جبهات الإسناد» والكفاح في مواجهة الاحتلال وشركائه والمتواطئين معه.

استثار ما ارتكبه العدوّ من مجازر مروّعة في هذه الحرب، حركة احتجاج صاخبة، وحملات وموجات تضامن غير مسبوقة مع قضية وحقوق الشعب الفلسطيني.

بالمقابل، تأكّد أمران: الأول، انخراط أو تواطؤ أو مشاركة معظم الحكام العرب في دعم الإجرام الصهيوني وحرب الإبادة التي يشنها في غزّة والضفة. الأمر الثاني، هو استمرار غياب قوى التغيير ذات البرامج الاشتراكية، والقومية، والوطنية... عن الانخراط السياسي والعسكري، في مواجهة العدوّ وحُماته، ما كرَّس هامشيّتها وفشلها في حجز مكانٍ لها في مشهد صراع ضارٍ ومصيري في فلسطين والمنطقة (التي تضجُّ وتعجّ بالأساطيل وحاملات الطائرات والغواصات والحشود العسكرية الأطلسية والأميركية، بالدرجة الأولى). بالنسبة إلى الطرف الأول، فقد تبيّن أن معظم الحكام العرب، وفي مقدّمهم المطبّعون مع الكيان الصهيوني، هم مجرّد أدوات، وأنهم، ملوكاً ورؤساءً وقادةً، يدينون بمواقعهم وبالمحافظة عليها للمستعمر الأميركي، وحتى للعدوّ الصهيوني!

يتصل بذلك أن انكفاء أو غياب قوى التغيير والثورة والاشتراكية، شكّل عاملاً كبير السلبية بحدّ ذاته، فضلاً عن أنه شجّع الأنظمة العربية على الصمت أو التواطؤ أو الخيانة. هي لم يتهدّد وجودها أو سلطاتها، نشاط ضاغط، شعبي وسياسي: يحتجّ ويطالب ويؤنِّب، كما يتطلّبه الصراع القائم والموقف الصحيح منه.

إن هذه القوى لم تتخلّف عن واجب وطني وقومي فقط، بل هي أيضاً، فوّتت فرصة ثمينة كان من شأنها أن تساعد في حلّ أزمتها، وفي استعادة دور وحضور مؤثّرَين في الخريطة السياسية الراهنة. إن المعركة ضدّ العدوّ المغتصب والفاشي، وضدّ داعميه الأطلسيين، وكذلك ضدّ المتواطئين معه من الحكام العرب وأنظمة الاستبداد، هي جوهر حركة التحرر العربية الجديدة في المرحلة التاريخية الحالية. وهي، إذاً، معركة ذات ركيزتين متداخلتين: ركيزة تحررية في مواجهة قوى الاستعمار القديم والجديد، والتي يشكل الكيان الصهيوني قاعدتها ورأس حربتها لاستمرار وتعزيز سيطرتها على مصائر وموارد المنطقة الممتدة من موريتانيا إلى باكستان. أمّا الركيزة الثانية، فتتمثل في تفعيل وتطوير النضال ضد أنظمة التبعية والاستبداد والتفريط والخيانة والنهب والفساد.

إنّ بحث وتفحّص أسباب ما تقدّم من خلل وهامشية، وتخلّف عن الواجب الثوري الحقيقي، هما مسألة في غاية الأهمية. لا ينبغي أن يُستبعد أيّ عنوان وعدم تناول أيّ ممارسة أو توجّه بالنقد عندما يكون ذلك ضرورياً. تحدّيات موضوعية متراكمة، وكذلك عوامل ذاتية، ساهمت هي، أيضاً، بالإضافة إلى القمع والمنع والاستبداد، في تهميش وتغييب حضور قوى التغيير التي لعب بعضها دوراً مهماً في مواجهة الغزو الإسرائيلي والأطلسي عام 1982. يشكل نشوء ودور «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» (جمول) التي نحتفل الآن بذكراها الثانية والأربعين، مثلاً مهماً للبرهنة على ما يمكن القيام به أو تحقيقه عندما يجري اتخاذ خيار وتوجّه صحيحين وثوريّين: في اللحظة والكيفية المناسبتين. ما أشبه الأمس باليوم! العدوّ هو نفسه! المخاطر أكبر وأخطر. لماذا إذاً ضيّعنا البوصلة؟ ولماذا يكون القرار صحيحاً عندما يتخذه طرف، ولا يكون كذلك عندما يتخذه طرف آخر! متى بدأ الانحراف؟ لماذا تحوّلت «جمول»، لدى البعض، إلى ذكرى للاحتفاء لا للاقتداء؟ بل هي تحوّلت أحياناً إلى مجرد عصبية، لا يتردّد البعض، بدافع خطأ أو سوء تقدير، بوضعها في مواجهة المقاومة الراهنة التي تُسطِّر آيات مدهشة من البطولة والصمود ضد القتلة الصهاينة وداعميهم الإمبرياليين.

سيكتب التاريخ، في يوم من الأيام، أن الأنظمة كانت متخلّية أو خائنة. سيكتب أيضاً أن بعض الحركة الشعبية كان مأزوماً وعاجزاً عن الارتقاء إلى مستوى الأحداث التي ستترك بصماتها على المنطقة ومصائرها إلى أمدٍ بعيد.

ثمّة مؤشرات واعدة في غير ساحة، وهي تسمح بالاستنتاج أن ردّ الفعل الشعبي، وإن تأخّر، لن يتأخّر كثيراً. لقد أثارت جرائم العدوّ وداعميه غضب عشرات الملايين في سائر أنحاء الكون، بما في ذلك دول وعواصم وساحات البلدان الغربية. وهي باتت عاملاً حاضراً ومؤثراً حتى في الانتخابات الأميركية! هذا، بالتأكيد، أول الغيث، الآتي أعظم ...

ينبغي التنبّه إلى أنّ أحد أهم أسباب العجز والغياب هو سوء التقدير السياسي حول المرحلة وطبيعتها وما تستدعيه من إعادة بلورة البرامج والسياسات والعلاقات. في تكثيف يمكن القول إن استهداف غزّة والضفة الغربية حالياً، هو رأس جبل الجليد. إن المنطقة بكاملها مستهدفة، وهذه المرة، بشكل بالغ العنف والهمجية.

في السياق ذاته، ينبغي مراجعة توجّه وأساليب عمل المقاومة، في الجانب السياسي على الأقل. المقاومة ومحورها، مطالبان، بشكل منهجي، بالتخلي عن بعض الفئويات في الشعارات والممارسات، ما يضفي، أكثر فأكثر، طابعاً شمولياً وتحررياً على المعركة، ويوسِّع، بالتالي، من نشاطها وفعاليتها وآفاقها.

 

* كاتب وسياسي لبناني