Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

شمال الضفة ورعب "المخيمات الصيفية"

فلسطين اليوم

"مخيمات صيفية" هو المسمى الذي اعتبر المهمة في الضفة الغربية مجرد مخيم صيفي للتدريب والنقاهة، فيما هو يجيّش لها 23 كتيبة عسكرية، بما فيها قوات نخبة خاصة!

 

جاء المسمى الإسرائيلي (مخيمات صيفية) لأوسع اجتياح إسرائيلي لشمال الضفة منذ عقدين هزلياً بشكل مبالغ فيه، حتى مع استئنافه هذا اليوم في طولكرم وغيرها، وهو المسمى الذي اعتبر المهمة مجرد مخيم صيفي للتدريب والنقاهة، فيما هو يجيّش لها 23 كتيبة عسكرية، بما فيها قوات نخبة خاصة مدعومة بسلاح طيران يرافقها طوال الوقت.

 تكشفت هزلية المسمى منذ لحظة إطلاق العملية ومدى التعبئة الإعلامية الإسرائيلية التي رافقتها، ما يشير إلى مستوى الانفعال الذي واكبها، على الرغم من النجاحات الموضعية التي ابتدأت بها فعالياتها الميدانية، سواء بالاغتيالات أو عمق الانتشار، وإن اقتصر على بعض شمال الضفة، وتحديداً في جنين وطولكرم وطوباس.

هنا حارة الدمج والجابريات وهناك المربعة والمنشية. مسميات محلية حفرت عمق العجز الإسرائيلي، وإن استقدم إلى أطرافها فرقاً إعلامية إسرائيلية مع ما روج له من مطعم للشاورما، حاول أن يظهر الجنود عبره وهم في مخيمات النقاهة، لكن الكتيبة، ذراع سرايا القدس المحلية في شمال الضفة، توعدت أن تحول صيفية مخيمات الاجتياح إلى "رعب المخيمات"، فهل نجحت في ذلك؟ ولماذا استئنافها مجدداً؟ وماذا عن دور السلطة وأجهزتها بهذا الخصوص؟ وهل يمكن تطبيق مقترح بن غفير في تقييد حركة الفلسطينيين في مناطق ج من الضفة؟

بين صيفية المخيمات ورعب كتيبتها جاء التحدي. ويأتي استئناف العملية الإسرائيلية، بعد استمرارها عشرة أيام متصلة في جنين، وأياماً متقطعة في طولكرم ومخيم الفارعة، لتعكس حقيقة الإنجاز الذي أفرزته المهمة إسرائيلياً، في وقت نجحت كتيبة جنين في تنظيم عرض عسكري ضم العشرات من أفرادها وفي تأبين شهداء المواجهة في ساحة المخيم، بعد يوم واحد على تصريح نتنياهو بأن جيشه سحق الإرهابيين في شمال الضفة، ليعاد طرح السؤال الإسرائيلي في صورة موجة تحريض إعلامي مجنونة ضد جنين ومعها الضفة الغربية برمتها.

جاءت تكتيكات الهجمة الإسرائيلية المدعومة بشتى أنواع الأسلحة، عبر مختلف الأجهزة الأمنية، لتخلط أوراق الميدان. وقد نجحت في تشتيت حركة جزء من طاقة فتية المقاومة، وهو ما تجلى في قدرتها على اغتيال عدد من المجموعات الشبابية في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة ومناطق طوباس وصير والزبابدة والسيلة الحارثية، وخصوصاً عبر سلاح الجو، إضافة إلى قتل عدد من المواطنين الفلسطينيين غير المسلحين، بينهم عجوز مسن في جنين وصبيّة في كفرذان وطفل من اليامون، مع هدم بعض المنازل من دون مبرر أمني. أما الاعتقالات، فلم يكن بينها إنجاز أمني ذو بال، إضافة إلى تدمير البنية التحتية بشكل منهجي طال في مدينة جنين وحدها امتداد 25 كم.

ظهرت العملية الإسرائيلية في سرعة الحركة وكثافة النيران ومدى الانتشار في المخيمات والمدن وحتى الأرياف، لتعطي انطباعات مضللة عن قوة التحكم والسيطرة، وهو شعور نجحت في قذفه وسط عامة الناس، فيما تركز أداء الكتيبة ومعها قوى المقاومة المختلفة وعشرات المواطنين غير المنضوين على تفجير العبوات الناسفة محلية الصنع، وقد تم تفخيخها مسبقاً، أو ربما تم تفخيخ بعضها خلال امتداد أيام المواجهة، في شوارع تم تجريفها في الأيام الأولى منها، وطبيعي أن بنية الشوارع بعد التجريف تساعد على سهولة وسرعة التفخيخ، إضافة إلى نصب الكمائن في الأزقة والحارات بالعبوات وإطلاق الرصاص.

حاول الإسرائيلي أن يسوق نجاح عمليته بالاغتيالات التي طالت 14 شاباً من أفراد المقاومة، أبرزهم قائد كتيبة طولكرم أبو شجاع، وفي وصول قواته إلى عمق المخيمات، وهو بالتأكيد نجاح إسرائيلي أمني استثمر أخطاء تكتيكية يقع فيها شبان المقاومة، ما سهّل اغتيالهم، وخصوصاً التعامل مع أجهزة الهاتف المحمول بشكل غير مدروس، ولكن العملية الإسرائيلية فقدت وهج نجاحها وزخم إنجازاتها، وما زالت تفقده حتى الآن، في ظل قدرة المقاومة على اتباع تكتيكات ميدانية حتى بعد انتهاء الهجمة الأولى، وتحولها إلى اقتحامات مستمرة في الأطراف حتى الآن. أبرز هذه التكتيكات:

1- المحافظة على تفجير العبوات بالآليات الإسرائيلية على اختلاف أنواعها طوال الهجمات الإسرائيلية المستمرة، على الرغم من محاولات أجهزة السلطة إزالة بعض العبوات بحجج مختلفة غير واقعية، وهو ما أدى إلى مواجهة باب مخيم جنين بين هذه الأجهزة والمقاومة. وقد مثّل نجاح الاستمرار في وتيرة التفجيرات طوال 10 أيام متصلة، بما فيها اليوم الأخير قرب دوار الحمامة، حيث بقيت بعض أجزاء الآلية في مكان التفجير، إضافة إلى مشاهد تم توثيقها لمدرعات معطوبة يتم جرّها، وأخرى انقلبت ولم يتم إنقاذها إلا بعد جهود استثنائية، وهي تفجيرات ما زالت وتيرتها حتى الآن لتعطي نتيجة فارقة في تفريغ العمليات الإسرائيلية من مضامينها الأمنية والنفسية.

2- نجاح 7 كمائن نوعية في إيقاع خسائر بشرية وسط الجنود الإسرائيليين، وهو ما ظهر في الفيديوهات التي خرجت من وسط المواجهات، وقد علت فيها أصوات الجنود وهم يصرخون، لكن "الجيش" الإسرائيلي اكتفى بالاعتراف بكمين مركزي في حارة الدمج طرف مخيم جنين العلوي، والسبب أنه اضطر فيه إلى استقدام عدة طائرات، من بينها طائرة شحن كبيرة لنقل الإصابات. وقد تأكد أن عددها تجاوز ما أعلن عنه، وخصوصاً بعد تصوير المواطنين عملية نقل جندي قتيل بشكل لا يمكن التكتم عليه.

3- محافظة المقاومة، وخصوصاً الكتيبة، على قيادتها، والتي لم تتضرر بنيتها الرئيسة كما يظهر من طبيعة البيانات التي ظلت تصدر طوال المواجهة وما بعدها حتى الآن، وهي بيانات مسؤولة ودقيقة وفق متابعة المعطيات الميدانية إعلامياً. وقد خلت من نبرة الشعارات الشعبوية.

4- نجاح بعض العمليات النوعية في جنوب الضفة، وخصوصاً عملية قتل رجال الشرطة الإسرائيليين الثلاثة، وتفجير سيارة مفخخة مع هجوم موازٍ ضد تجمعين استيطانيين قرب الخليل.

5- تنظيم الكتيبة استعراض القوة الشبابي المسلح في ساحة تأبين الشهداء، مع ما سبقه ورافقه من رعاية مخلفات المواجهة على صعيد حاضنتها، ما أظهر حافزية نفسية عالية حاولت العملية الإسرائيلية أن تجففها عبر موجة أدائها الناجح في بعض الجوانب.

تقع مخيمات شمال الضفة في عين العاصفة، على الرغم من تعثر الخطط الإسرائيلية التي وضعت نصب عينيها هدفين مرتبطين ببعضهما بعضاً، وهما تفعيل المستوطنات المخلاة منذ عقدين في حومش وجانيم وأفيتار وما مجموعه 9 مستوطنات، وهو قرار صدر عن الائتلاف اليميني الحاكم منذ 3 سنوات، ويبدو أن ذلك مرتبط بهدف تهجير مخيمات شمال الضفة، وخصوصاً مخيمي جنين ونور شمس، وهو التهجير الذي طالب به وزير خارجية الكيان كاتس صراحة، وكأن هدف تفعيل هذه المستوطنات مرتبط بهدف تهجير أو تدمير هذه المخيمات بشكل كليّ، ما يطرح سؤالاً كبيراً عن المسؤولية السياسية والجماعية للقوى الفلسطينية في الضفة، بما فيها السلطة، حول خطر محدق كبير بهذا الحجم.

وقد تبين بشكل قطعي أن قوة المخيمات عبر بأس كتيبتها هي العثرة الرئيسية في وجه تفعيل الاستيطان، فهل يعي أهل التسوية ذلك أو يتجاهلونه عياناً؟