وسّع جيش الاحتلال الإسرائيلي عملياته العسكرية في مدينة جنين ومخيّمها، شمالي الضفة الغربية، في اليوم الخامس على بدء عدوانه، وسط اشتباكات عنيفة وكمائن تنفّذها المقاومة في محاور عدة. واستشهد، عصر أمس، شابان باستهداف الاحتلال دراجة نارية قرب قرية كفردان أثناء توزيعهما الخبز، فيما أصيب آخرون. وجاء ذلك في وقت واصل فيه العدو إحكام حصاره على عدة بلدات في جنين، حيث تَمنع قوات الاحتلال حركة الفلسطينيين داخل المدينة، التي تفرض حصاراً شاملاً عليها. كما برز، أمس، إجبار الاحتلال الكثير من العائلات من مخيم جنين والحيّ الشرقي، على النزوح قسراً من منازلها إلى مناطق متفرقة، فيما ارتفع إجمالي عدد الشهداء في هذه المدينة وحدها، إلى 16 منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية.وتزامناً، واصلت المقاومة التصدّي ونصْب الكمائن لقوات الاحتلال، وخوض اشتباكات عنيفة معها، إذ أَظهرت صور متداوَلة عدداً من الجنود وهم ينقلون جندياً مصاباً من داخل حي الدمج، في المدينة. وقالت «كتائب شهداء الأقصى - جنين» إن مقاتليها يخوضون اشتباكات ضارية مع القوات المتوغّلة في المخيم، بالأسلحة الرشاشة والعبوات المتفجّرة، بينما رصدت كاميرات المواطنين وقوع انفجارات واشتباكات مسلحة داخل المخيم، وسط تحليق مكثّف للمروحيات العسكرية الإسرائيلية. وممّا أعلنته المقاومة أيضاً، تبنّي «كتيبة جنين» «إيقاع قوّة مشاة في كمين في محور ساحة المخيم وإمطارها بزخات كثيفة من الرصاص المباشر، وإيقاع إصابات مؤكدة في صفوفها، واستهداف قوات الإسناد والتعزيزات العسكرية بالعبوات الناسفة والرصاص المباشر»، وكذلك «تفجير عبوة ناسفة معدّة مسبقاً بقوات الاحتلال المقتحمة في محور مسجد طوالبة».
وفي المقابل، شدّدت قوات الاحتلال حصارها على المستشفيات، وتحديداً «جنين الحكومي»، حيث منعت الطواقم الطبية من الوصول إليه، معرقلةً عمل فرق الإنقاذ وإصلاح البنى التحتية، كما منعت الدخول إلى المخيم، في وقت تعرّضت فيه الطواقم الصحافية لإطلاق الرصاص من قِبَل قناص في جيش العدو. كما عمّقت قوات الاحتلال من عمليات التدمير والتجريف في مدينة جنين، التي باتت منكوبة، وأشبه بمنطقة ضربها زلزال، كما وصفها رئيس بلديتها، نضال عبيدي. ورصدت كاميرات المواطنين تجريفاً غير مسبوق في شارع البريد ومركز المدينة، حيث هشّمت جرافات الاحتلال دوار السينما، والمحال التجارية، وشارع البريد ومنطقة السوق التجارية، واقتلعت الأشجار، كما جرفت شارع عرانة على أطراف جنين، ودوار يحيى عياش وسط المدينة، ومحيط دوار البادية.
كشفت شهادات المواطنين النازحين، عن واقع صعب للغاية تعيشه العائلات في المناطق المستهدفة
وأكّد عبيدي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الدمار في جنين هائل وعلى مستوى غير مسبوق، وقد طاول الشوارع والبنية التحتية وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات»، مضيفاً أن «التقديرات تشير إلى أن حجم الدمار يُقدر بنحو 500 مليون شيكل، والعملية العسكرية شلّت الحياة العامة والحركة التجارية والاقتصادية وسط نقص حادّ في المواد الرئيسية». ولفت إلى أن الاحتلال جرّف أكثر من 70% من شوارع مدينة جنين، فيما انقطعت المياه عن كامل مخيمها، و80% من المدينة، متحدّثاً أيضاً عن تجريف 20 كيلومتراً من شبكات المياه والصرف الصحي وكوابل الاتصالات والكهرباء.
كذلك، كشفت شهادات المواطنين النازحين، عن واقع صعب للغاية تعيشه العائلات في المناطق المستهدفة، ومنها شهادة المواطنة شذا الصباغ التي أُجبرت على النزوح. وقالت شذا، في مداخلة عبر شبكة «وطن» المحلية، إن «الاحتلال قام بمحاصرة عائلتها داخل المنزل، بعد اقتحامه بأكثر من 30 جندياً وسط إطلاق الرصاص». ولفتت إلى أن «قوات الاحتلال وقعت في كمين نصبته المقاومة أثناء احتلال منزل عائلتها، حيث قام الجنود بنقل إحدى الإصابات إلى المنزل، فيما شرع الجنود الآخرون في إطلاق الرصاص وقذائف الأنيرغا بشكل جنوني»، مضيفة أن الجنود أَجبروا عائلتها على النزوح من المنزل.
ويحظى تصاعد الأحداث في الضفة باهتمام الإعلام الإسرائيلي، خاصة مع ما تشهده منطقة جنوب الضفة من عمليات نوعية للمقاومة في اليومَين الماضيَين. وفي هذا الجانب، حذّر محلّل الشؤون العسكرية في قناة «كان 11»، روعي شارون، من التصاعد الكبير في استخدام العبوات المتفجّرة في الضفة، قائلاً: «انتبهوا حالياً: عبوة تلو عبوة، وسيارات مفخّخة». وأضاف محذّراً الإسرائيليين: «فلنتنبّه إلى أنه في الأشهر الأخيرة يجري الحدث في شمال الضفة الغربية، طولكرم وجنين ونابلس والأغوار، وفجأة في الخليل (جنوبي الضفة) التي تأتي دائماً متأخرة». ووفقاً لشارون، فإن مدينة الخليل «ملتهبة وصلبة، وتأتي دوماً في الموجة الثانية، لكنها تصبح مدرسة للجميع، ونحن نرى مؤشرات إلى أن الخليل حمساوية ودخلت اللعبة، ويجب أخذ ذلك في الحسبان». كما حذّر من أن «الضفة الغربية جبهة خطيرة جداً إذا ما أُشعلت».
من جانبه، سخر الكاتب جدعون ليفي، في مقال له في «هآرتس»، من تحليلات الأوساط الأمنية والعسكرية التي تربط ما يجري في الضفة بالأموال الإيرانية، قائلاً إن «كل ما تمارسه إسرائيل من استيطان وسرقة أراضٍ وإطلاق العنان للمستوطنين وتدهور الوضع الاقتصادي وعمليات القتل وانتشار الحواجز وعمليات إذلال الفلسطينيين، جعل الوحوش تستيقظ من سباتها، وتتسبّب بعودة المفجّرين الانتحاريين». ولفت إلى أنه زار في الأسابيع الأخيرة جنين وطولكرم وقلقيلية ورام الله والخليل، قائلاً: «على رغم أن الضفة لم تلعب أيّ دور في هجوم السابع من أكتوبر، فإنها استيقظت بعده على واقع جديد - ليس لأن الواقع السابق كان إنسانياً أو شرعياً - طفح بالشغف للانتقام واغتنام الفرص، واتّسم بضغط الحذاء الإسرائيلي بلا رحمة على رقبة الضفة».