حسن حردان
يبدو من الواضح أنّ الخطة الأميركية لإخضاع السودان وفرض الهيمنة الكاملة عليه دخلت مساراً جديداً، البداية كانت مع خطوة إزالة اسم السودان من لائحة الإرهاب الأميركية، مقابل رضوخ الحكم السوداني لعقد اتفاق الاعتراف بكيان العدو الصهيوني وإقامة العلاقات معه… فالخطة لها تتمة من الشروط الأميركية المطلوب تنفيذها من السودان لقاء قيام وزارة الخزانة الأميركية ب «دفع المؤسسات المالية الدولية لإعادة هيكلة أو تأجيل، أو إلغاء ديون السودان»، حسب ما ورد في مشروع قانون يُدرس في الكونغرس الأميركي، يهدف إلى وضع السودان بكلّ مؤسساته تحت الإشراف والوصاية والأمرة الأميركية، أيّ إعادته إلى زمن السيطرة الاستعمارية بكلّ أشكالها.. وذلك تحت عنوان تطبيق «قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية للعام ٢٠٢٠، «وهو يحظى بدعم واسع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لهذا فقد تمّ إدراجه ضمن مشروع التمويل الدفاعي الذي مرّره الكونغرس بإجماع كبير من الحزبين.
ويتطلب المشروع من الخارجية الأميركية تقديم تقرير عن استراتيجيتها المذكورة، يتضمّن أهداف الولايات المتحدة في الانتقال السلمي السياسي في السودان، والخطة التي ستعتمدها لتحقيق هذه الأهداف، إضافة إلى تقييم للإصلاحات اللازمة لترويج حقوق الإنسان والمساءلة، ووصف للجهود الرامية لتحقيق هذه الإصلاحات. كما يتضمّن تقييماً لإصلاحات القطاع الأمني في البلاد من قبل الحكومة السودانية كتفكيك الميليشيات، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.
وحسب نص المشروع، يطلب المشرّعون من الرئيس الأميركي تقديم الدعم لجهود حماية حقوق الإنسان، وبسط سلطة القانون والحكم الديمقراطي، إضافة إلى دعم البرامج الهادفة إلى تقديم النمو الاقتصادي وإنتاجية القطاع الخاص. كما يدفع باتجاه دعم الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز فرص سلام واستقرار طويل الأمد، ومساءلة قوى الأمن والاستخبارات السودانية. إضافة إلى المحاسبة على جرائم انتهاكاته حقوق الإنسان، واستغلال الموارد الطبيعية، وتهديد العملية الانتقالية الديمقراطية في السودان.
ويتحدث القانون عن مراقبة أموال الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، وأصولها، وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة.
وينص أيضاً على ضرورة وضع لائحة بكلّ الأسهم في الشركات العامة والخاصة التي تديرها أو تملكها قوى الأمن
والاستخبارات ونقل كلّ هذه الأسهم إلى وزارة المالية أو أيّ هيئة تابعة للحكومة السودانية والتي أسّست لهذا الغرض، والتي تقع تحت السلطات المدنية.
ويشمل النص وقف أيّ ضلوع لقوى الأمن والاستخبارات في الاتجار غير الشرعي للموارد المعدنية بما فيها النفط والذهب إلخ…
هذه الخطة المدرجة في القانون ليست لمساعدة السودان وإخراجه من أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وإنما لفرض الهيمنة الكاملة عليه.. وهي نتيجة رضوخ الحكم السوداني للشروط والإملاءات الأميركية، بالتخلي عن سيادة واستقلال السودان.
فمن يعتقد انّ الأمر قد ينتهي بتلبية الطلبات الأميركية بتوقيع اتفاق صلح واعتراف بكيان العدو الصهيوني على حساب قضية العرب الأولى قضية فلسطين، مقابل شطب اسم السودان من لائحة الإرهاب الأميركية، إنما هو واهم واهم.. فهذا الأمر لا يعدو مجرد بداية طريق إخضاع السودان، أو أيّ بلد آخر يسلك طريق الاستسلام للإملاءات الأميركية… إنها بداية لسلسلة لا تنتهي من الطلبات التي على الحكم السوداني تنفيذها حتى يصبح تابعاً بالكامل سياسياً واقتصادياً ومالياً وعسكرياً وأمنياً لمنظومة الهيمنة الاستعمارية الأميركية.. أيّ أن يصبح السودان محكوماً من قبل الولايات المتحدة التي تريد أن تشرف على سياسات حكومته وصولاً إلى إدارة مؤسسات الدولة السودانية، وإعادة بناء الأجهزة العسكرية والأمنية السودانية لتكون أداة طيعة بخدمة الاستراتيجية الأميركية في الوطن العربي وأفريقيا، في حين تتولى الشركات الأميركية وضع يدها على ثروات السودان النفطية والمعدنية والعمل على استغلالها مقابل إعطاء السودان بعض الفتات من عائداتها.. بينما تتولى وزارة الخزانة الأميركية الإشراف والرقابة على وزارة المالية والمصرف المركزي السوداني، بذريعة إدارة وترشيد الإنفاق لضمان إيفاء السودان لديونه الخارجية…
انها العقلية الاستعمارية الأميركية، وهي تذكرنا بنفس العقلية الاستعمارية البريطانية الفرنسية في طريقة تعاملها مع مصر أيام حكم الخديوي اسماعيل، الذي نجحت كلّ من لندن وباريس في استدراجه للوقوع في فخ المديونية مما أغرق مصر بالديون حتى عجزت الحكومة المصرية عن السداد، فسارعت بريطانيا وفرنسا إلى وضع يدهما على وزارة المالية المصرية بذريعة ضمان تحصيل ديونهما…
هذا ما يبشر به مشروع القانون في الكونغرس الأميركي، السودان، بأنّ عليه أن يطبّق حزمة من الشروط والطلبات الأميركية مقابل وعد أميركي بهيكلة، أو تأجيل، أو إلغاء الديون الخارجية المترتبة على السودان.. انها وسائل الاستعمار لإفقار الدول وإخضاعها ونهب خيراتها وإبقائها في حالة من التخلف والتبعية.. والسودان من الدول الغنية بالموارد الطبيعية التي يطمع المستعمر الأميركي في استغلالها ونهبها لحلّ أزماته على حساب الشعب العربي في السودان.. واستطراداً تحويل السودان إلى قاعدة للتآمر على الدول الأفريقية والعربية المستقلة والعمل على إخضاعها لمنظومة التبعية الاستعمارية الأميركية، لتمكين الولايات المتحدة من التمدّد في هيمنتها الاستعمارية، عربياً وأفريقياً.. في سياق سعيها لإعادة تعويم مشروع هيمنتها الذي يعاني من التراجع والانحسار.. لهذا لا تنتظروا خيراً من المستعمر الأميركي، فهو عندما يعرض مساعدته للسودان أو أيّ بلد آخر وقع في فخ المديونية، إنما كمن يدسّ له السمّ في العسل، للإيقاع به في شباك التبعية والعبودية…