كلّما شعرت إسرائيل بالضيق والاختناق، بسبب مغامراتها الدموية وحساباتها التقليدية حيال الصراع العربي الصهيوني المحتدم منذ مئة عام، ادّعت بأن المشكلة القائمة مردّها إلى إيران التي ترمي إلى تدمير الكيان الصهيوني والهيمنة الكلية على المنطقة. وتهدف إسرائيل من هذا الطرح إلى التنصّل من مسؤولية إحداث الفوضى والاضطراب في المنطقة وتحميل إيران المسؤولية بدلاً منها. علاوة على ذلك، تريد إسرائيل من عملية خلط الأوراق التي تتقنها، بفضل الإعلام العالمي والدعم الأميركي، التقليل من شأن الشعب الفلسطيني الذي يقاومها بضراوة ويكاد يفقدها توازنها بعدما تمادت في غيّها وخرجت عن كل ما هو مألوف ومعترف به دولياً من مؤسسات وقوانين ومواثيق.وإذا عدنا إلى تاريخ الصراع العربي الصهيوني المستعر منذ مئة عام، لأدركنا أن إيران لم تكن طرفاً حقيقياً في هذا الصراع إلا منذ سنين محدودة، في حين كانت إلى جانب الكيان أثناء حكم الشاهنشاه. والصراع لم ينشب بسبب إيران، وإنما هو استمرار لصراع قديم طارت شرارته بسبب العدوان الصهيوني المستمر على فلسطين والأقطار العربية تنفيذاً لمخطط استعماري يهدف إلى إبادة الفلسطينيين أو طردهم من أرضهم، وإقامة الدولة اليهودية الخالصة على الأراضي المقدّسة. دولة لا يهمّها أحد سوى المستوطنين الصهاينة الذين يدنّسون الأقصى والقيامة كلما عنّ ذلك على بالهم، وهم الجماعات نفسها التي تتعرّض للأهالي الأصليين وتحتل أملاكهم وعقاراتهم تحت مظلّة الجيش الإسرائيلي ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الباحث أبداً عن أمجاد على حساب الدم الفلسطيني.
إنّ ما تفعله إيران من تقديم العون بكل أشكاله للشعب الفلسطيني، وغزة بصورة خاصة، هو، إلى أهميته القصوى، نقطة في بحر المساعدات المالية والعسكرية التي تقدّمها واشنطن إلى دولة العدوان والاغتصاب، في الوقت الذي تحاول فيه عاصمة الإمبريالية أن تلعب دور الوسيط بين العرب والكيان، بينما هي منحازة كلّياً إلى تل أبيب.
كما أن ما تقوم به إيران واجب إسلامي وأممي تجاه شعب مظلوم ينبغي أن تقوم بمثله سائر الدول العربية والإسلامية التي تمتنع عن ذلك، بمعظمها، لأسباب ذاتية كما لوقوعها تحت الضغط الأميركي والأطلسي الذي يمنعها من أداء واجباتها ويدفعها دفعاً للتطبيع مع الكيان الغاصب ومساعدته على مستويات عدة.
هذا مع العلم أن الخضوع لإرادة الأجنبي لا مبرّر له، فكيف إذا مسّت هذه الإرادة قضايانا الأساسية وفي مقدّمها القضية الفلسطينية؟!
إن تذرّع الكيان الغاصب بالعامل الإيراني ليس له معنى، إذ إن إسرائيل خاضت حروباً عديدة ضد العرب وارتكبت مجازر متعددة ضد الفلسطينيين، من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا إلى مدرسة التابعين، ليس ردّاً على إيران، وإنما في سياق سياستها الثابتة لإرهاب الفلسطينيين وحملهم على الاستسلام أو مغادرة بلادهم قسراً.
أمّا إذا أراد البعض، من عرب أو أجانب، تصديق الأكاذيب الإسرائيلية والتذرّع بها، فهذا شأنه، لكن ذلك لن يغيّر في الحقيقة شيئاً.
* كاتب ووزير سابق