هي أيام عشرة، ما بين 20 تموز و30 تموز الفائت، مترعةٌ بالدلالة، ويانعة للاستدلال:فجأةً، خرج علينا توني بلينكن، في 20 تموز، ليعلن أن إيران قادرة في غضون أسبوع على التوفّر لما يتيح صنع قنابل نووية.
في 24 تموز، صعد نتنياهو منصّة الكونغرس الأميركي ليعلن أن إسرائيله هي حصن الدفاع عن الغرب، والولايات المتحدة بالذات، وأنها تقاتل بالنيابة عن الجميع، وما عليهم سوى إمدادها بالوسائط. ثم مكث لأسبوع وهو يجري اتصالاته بأركان الدولة «العميقة» في العاصمة، من دون أن يُغفل التواصل مع خصمها الألدّ في فلوريدا.
في اليوم ذاته، 24 تموز، قام الرئيس السوري بزيارة مفاجئة وسريعة لنظيره وحليفه الروسي في موسكو، خرج بعدها الأخير بتصريح مفاده أن هناك تصعيداً وشيكاً في المنطقة، متعلّقاً بالحرب في غزة، وله انعكاسات سورية.
في 30 تموز، ومستثمرةً واقعة مجدل شمس، اغتالت إسرائيل رئيس أركان قوات حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، ثم ثنّت في اليوم التالي باغتيال رئيس حركة «حماس»، إسماعيل هنية، في قلب طهران؛ بكلّ ما عناه الحدثان من إلقاء إسرائيل قفّازها في وجه «المحور»، لحدّ تحدّيه إلى مبارزة شاملة.
هل ما بدّل المزاج الأميركي من ناءٍ عن حرب شاملة إلى مُقبل عليها تلمّسٌ استخباري لنقلة إيرانية وشيكة، أو حتى جارية، من العتبة النووية إلى التسلّح النووي؟ وهل إمخارها «فلوتيلا» بحرية عباب المحيط إلى شرق المتوسط صبّ في هذا الاتّجاه؟
طيب، إن لم يكن سبب التصعيد الإسرائيلي، المسنود أميركياً، ذلك السيناريو، فما هي إذاً دواعيه؟ أهو رفع سقوفٍ يفترض أن عزوف «المحور» عن حرب شاملة سيدفعه لا إلى تجنّب ركوب مخاطرها فحسب، بل إلى الضغط على «حماس» كي تمرّر صفقة تبادل، مُرضية لإسرائيل، تأتي بهدنة في الجنوب، يُزامنها وقف نار في الشمال؟
طيب، كيف له أن يفترض افتراضاً كهذا دون افتراض نقيضه، في المقابل؟ فإنِ افترض النقيض، فهل هو أهلٌ لتبعاته فعلاً؟ أم أن الهوبرة، إن انتقلت من اللفظي إلى العملاني، تصبح سيّدة مسارها، ولو عرّضت صاحبها لمهالك؟
ثمّ، ما لبُّ إشارة بوتين إن لم تكن سواراً حول الأسد، ومؤشراً على مستجدّ شراكة بلاده مع «المحور»؟
لا أرى إسرائيل قادرة على الإيفاء بمتطلّبات حرب شاملة؛ لا قواتٍ نظامية ولا احتياطاً ولا تماسكاً مجتمعياً. القادرة بينهم هي أسلحة الجو والصواريخ، لكنها وحدها لا تكفي لحسم حرب.
نعود إلى السؤال الأول: هل نووية إيران هي المسألة؟ إذ عنى ذاك مشاركة أميركية كاملة في حرب واسعة. وتِبعاً، فهل الدولة العميقة ترى في ذلك سكّة سلامة، فيما واجهتها الحزبية – الديموقراط - تتأهّب لنزال الترامبية في غضون شهور ثلاثة؛ أم بذا تمضي في سكّة ندامة، عرفت مبدأها وتاه منها الخبر؟ أم تُراها مدركةً لاستحالة هزيمة الترامبية، وعليه فدعنا نغرقها في لجّة تبعات حرب شاملة؟
في البداية وفي النهاية، فواشنطن لا تطيق صبراً على احتمال خسارتها غرب آسيا، مفتتح أوراسيا، وستقاتل بالأظافر والأنياب دون تمكين «المحور» منها، وما فتئ المشروع الإسرائيلي – الوكيل الأكبر في الإقليم وما حوله – رهانها الراسخ، وله الترميم والبعث، ولِمن حوله من مصادر تهديد، بأسٌ منها شديد.