بعد الهجمات على ميناء الحديدة، من المتوقّع التصعيد، وذلك أنّ الحوثيّين سوف يستمرّون في دعم مقاومة قطاع غزّة وحزب اللّه اللبنانيّ ما لم تنجز صفقة وقف إطلاق النار...
هل يفرح نتنياهو لهجيج بايدن كمرشّح ديمقراطيّ لولاية أخرى؟ أم أنّ حساباته قد تخطئ ويأتي مرشّح أقوى من بايدن ينتصر على صديق نتنياهو المفضّل دونالد ترامب؟ الّذي يهدّد ويتوعّد على طريقة البلطجة، بأن يطلقوا سراح المختطفين والأسرى قبل أن يصل الحكم!
لكنّ الأهمّ أنّ ترامب لا يتحدّث عن حلّ يشمل قيام دولة فلسطينيّة ولو شكليّة، ولا ينتقد توسّع مستوطنات، أو تأسيس مستوطنات جديدة، ويبني نتنياهو عليه أملًا في تدمير قدرة إيران على إنتاج سلاح نوويّ.
منذ أكثر من عقدين، يدفع نتنياهو إلى مواجهة عسكريّة بين إيران وأميركا، وهو ما يسمّيه محور "المعتدلين" بقيادة أميركا في مواجهة محور "الشرّ" الّذي تقوده إيران.
"الأشرار" هم الّذين يرفضون التطبيع المجّانيّ مع إسرائيل، ويرفضون هيمنتها على فلسطين بأرضها ومقدّساتها.
الرئيس جو بايدن متّهم من قبل نتنياهو وحلفائه وجهات واسعة في إسرائيل بعدم الحزم في مواجهة الخطر النوويّ الإيرانيّ، وقد تصاعد التحريض ضدّ إيران في الأسابيع الأخيرة، وجاء على لسان وزير الخارجيّة الأميركيّ الصهيونيّ أنطوني بلينكن، أنّ إيران باتت على مسافة أسبوعين من إنتاج القنبلة النوويّة، بعبارة أخرى، فهو يحرّض لشنّ هجوم عسكريّ على إيران الآن، وغنيّ عن القول بأنّ المسؤولين الإسرائيليّين يصفونها بقائدة محور الشرّ، ويتّهمون كلّ من يرفع صوته ضدّ ضمّ الضفّة الغربيّة وضدّ حرب الإبادة بالانضمام إلى محور الشرّ. ويصفونه بأنّه الصراع بين الحضارة والديمقراطيّة وبين التخلّف والظلاميّة.
يبذل نتنياهو كلّ جهوده نحو تحقيق مواجهة تسفر عن تدمير قدرات إيران العسكريّة والاقتصاديّة، وإسقاط نظام الجمهوريّة الإسلاميّة لتجفيف مصادر ما يسمّيها أذرع إيران، ومنها حركة حماس والجهاد الإسلاميّ وحزب اللّه والحوثيّين.
منذ عشرين عامًا وإسرائيل تزعم أنّ إيران على مسافة خطوة واحدة من القنبلة النوويّة، وإذا صنعتها، وقتئذ ستنقلب موازين الردع في المنطقة وفي العالم، وأنّ إسرائيل لن تبقى منفردة في ملكيّتها لهذا السلاح، فإيران هي مصدر الشرّ المناوب في العالم، الّذي يجب تدميره.
بعد الغارات على اليمن وميناء الحديدة، من الممكن توقّع هجمات إسرائيليّة شديدة العنف وواسعة ضدّ حزب اللّه، ومرافق لبنانيّة أعمق وأشدّ من الهجمة على اليمن، نتنياهو يشدّ الخيوط ريثما يصل دونالد ترامب إلى السلطة، وذلك أنّ ترامب يتطابق تمامًا مع سياسته من دون تجميل ولا تخفيف من حدّة العداء للعرب حتّى للحلفاء منهم.
انتهت خدمات جو بايدن لإسرائيل، بعد أن لبّى كلّ طلباتها في المال والتسلّح والدعم في الساحة الدوليّة، ووقف إلى جانبها كشريك في الحرب على قطاع غزّة، انتهى دوره لأنّه تحدّث مجرّد حديث عن حلّ الدولتين، ولمجرّد الإعراب عن استيائه من تصرّفات بعض المستوطنين، مثل الأمّ الحنون الّتي تعاتب أبناءها، بينما يرى نتنياهو أنّ المستوطنين وما يمارسونه هو حقّ لإسرائيل ولهم، وذلك لمنع قيام دولة فلسطينيّة، أو كما قال في ردّه على محكمة العدل الدوليّة بأنّ الشعب اليهوديّ لا يحتلّ أرضه .
جو بايدن رفض توسيع الحرب لتشمل إيران بسبب رؤيته المختلفة لمصلحة أميركا وإسرائيل، ولكنّ نتنياهو يصرّ على محاربتها لتدميرها بواسطة أميركا والعرب.
نجحت إيران حتّى الآن بتلافي المواجهة العسكريّة المباشرة مع أميركا وحلفائها، وذلك بسياستها المدروسة بعمق من خلال الاتّفاقات، ومن خلال انضباطها في ردّ الفعل على استفزازات إسرائيل، مثل اغتيال الموساد لعلماء ذرّة على أرضها، وتدمير شحنات أسلحة، واغتيال قادة عسكرين إيرانيّين في سوريا ولبنان وحتّى في إيران نفسها، وعمليّة تهريب أرشيف عسكريّ نوويّ من إيران ليصل إلى إسرائيل، والاعتداءات والتخريب على منشآت حيويّة من خلال حرب السايبر.
ازدادت خطورة إيران بالنسبة لإسرائيل، بعد العام 2006، إذ تمكّن حزب اللّه من الصمود في وجه الآلة العسكريّة الإسرائيليّة الهائلة، ودمّر عشرات الدبّابات في ما عرف مجزرة الدبّابات، وأطلق صاروخًا بحريًّا على بارجة حربيّة إسرائيليّة قبالة الشواطئ اللبنانيّة خلال خطاب للسيّد حسن نصر اللّه أثناء الحرب، وذلك بتدريب وتجهيز إيرانيّ.
الآن وبعد السابع من أكتوبر 2023 وبعد حرب ما زالت مستمرّة منذ تسعة أشهر، بدعم من "جماعة إيران" أصبح القضاء على قدرات إيران ومحاولة زعزعة استقرارها ضرورة ملحّة لدى القيادة الإسرائيليّة.
لقد استهلك دور جو بايدن، وبات عداء نتنياهو له واضحًا، رغم كلّ ما قدّمه لإسرائيل، ورغم هبوطه في الأيّام الأولى للحرب في تلّ أبيب واحتضان نتنياهو الّذي كان منهارًا، وإعلانه أكثر من مرّة أنّه صهيونيّ، وهو القائل في أكثر من مناسبة، لو لم تكن إسرائيل موجودة لأقمناها.
لم يعد مرغوبًا في جو بايدن لأنّه ذكر حلّ الدولتين، ولأنّه أعرب عن تذمّره من تصرّفات غلاة المستوطنين في الضفّة الغربيّة، ولأنّه تجنّب حربًا شاملة ضدّ إيران، ورغم دعمه المطلق لإسرائيل في حرب الإبادة في قطاع غزّة، إلّا أنّه لم يتقبّل فكرة تهجير سكّان القطاع، وألحّ في طلبه بإتاحة دخول المساعدات الإنسانيّة إلى القطاع.
جو بايدن يرى في مصلحة إسرائيل أن تكون إدارة فلسطينيّة للضفّة الغربيّة، وأنّ السلطة تحتاج إلى بعض الإصلاحات، والمقصود بهذا هو الاعتراف بالمستوطنات كجزء من إسرائيل، والتنازل عن المطالبة بالقدس الشرقيّة كعاصمة لفلسطين، وهذا لا يلتقي مع استراتيجيّة نتنياهو، وهي ضمّ الضفّة الغربيّة بالكامل لإسرائيل، وإسقاط سلطة رام اللّه، ومن ثمّ إدارة الصراع من جديد، من غير وجود سلطة في رام اللّه.
نتنياهو كان سيكون سعيدًا أكثر، لو بقي جو بايدن في السلطة حتّى الانتخابات، لأنّ هزيمته أمام ترامب باتت واضحة.
بعد الهجمات على ميناء الحديدة، من المتوقّع التصعيد، وذلك أنّ الحوثيّين سوف يستمرّون في دعم مقاومة قطاع غزّة وحزب اللّه اللبنانيّ ما لم تنجز صفقة وقف إطلاق النار.
نتنياهو لا يريد صفقة، ويربح الوقت بالمماطلة، ويأمل بهذا أن يحقّق تحرير الأسرى المتبقّين من غير صفقة، أي فقط بالقوّة ليعلن النصر، وهو معنيّ بتمدّد الحرب لتشمل إيران لتمكين الحلف الإسرائيليّ العربيّ الأميركيّ من تحطيم قدرات إيران، وعمليًّا تجفيف مصادر دعم أساسيّة للمقاومة في لبنان وفلسطين، وبعد هذا بغضّ النظر عن موقف الدول العربيّة الحليفة من دولة فلسطينيّة الّتي يقولون إنّهم يدعون إلى قيامها، تكون المنطقة خالية من أيّ مقاومة جدّيّة أمام حلم تحقيق إسرائيل الكبرى على يد نتنياهو وحلفائه.
تقول التجارب أنّ المنطقة مليئة بالدوّامات الرمليّة، وليس كلّ ما يخطّطه هذا أو ذاك من السياسيّين والعسكريّين، ينتهي كما يحبّون ويرغبون، والأمثلة أكثر من أن تحصى في تاريخ المنطقة والعالم.