نتنياهو يضع شروطًا مستحيلة تتعلّق بالبقاء في معبر رفح ومحور "فيلادلفيا" ومحور "نيتساريم" وهو يعرف، كما يقول ميخائيل ميلشطاين رئيس الدراسات الفلسطينيّة في معهد موشيه ديان، أن حماس تفضّل الانتحار على الموافقة على تلك الشروط...
لا نعرف من عضو الكنيست العربيّ الّذي لم يصوّت (ربّما لأسباب تقنيّة) ضدّ القانون الّذي يرفض إقامة دولة فلسطينيّة، ليجعل عدد الّذين صوّتوا ضدّ القانون 10 ناقص واحد، هم أعضاء الكنيست العرب، في حين لم يعارض القانون الّذي جاء ليؤكّد إجماعًا إسرائيليًّا على رفض الدولة الفلسطينيّة عشيّة سفر نتنياهو إلى واشنطن أي عضو كنيست من الأحزاب الصهيونيّة، فيما حظي بدعم أعضاء المعسكر الرسميّ بزعامة بيني غانتس الّذي صوّت شخصيًّا إلى جانب القانون.
هذا الإجماع الصهيونيّ الشامل على القضايا الجوهريّة المتعلّقة بالقضيّة الفلسطينيّة، والّتي تقع في صلبها مسائل الحرب والسلم، تحوّل النقاش "المحتدم"، للوهلة الأولى، بين الأحزاب السياسيّة الإسرائيليّة إلى مجرّد نزاع على السلطة والفوز برئاسة الحكومة، ويكشف أن خلاف ما يسمّى بأحزاب المعارضة كافّة هو على شخص نتنياهو، وليس على نهجه السياسيّ، كما أن الخلاف على كيفيّة إدارته للحرب على غزّة ومفاوضات صفقة التبادل هي خلافات شكليّة فقط.
ولا شكّ أن محاولة فهم مثل هذا الإجماع "الرهيب" الّذي لا ترتفع أصوات من داخله لتعارض حرب إبادة لا طائل منها ضدّ الشعب الفلسطينيّ، رغم اقترابها من إنهاء عامها الأوّل، حتّى بثمن التضحية بعشرات الأسرى الإسرائيليّين، تعيدنا إلى حقيقة أننا لسنا أمام دولة عاديّة ومجتمع طبيعيّ، بل أمام تجمّع استيطانيّ استعماريّ، أو بلسان الكاتب الإسرائيليّ ب. ميخائيل مجرّد "معسكر جيش".
هذه القاعدة العسكريّة المسمّاة إسرائيل موجودة منذ يومها الأوّل في حرب طويلة ضدّ الشعب الفلسطينيّ، كما يقول ميخائيل في مقال نشرته "هآرتس"، وهي تحارب الفلسطينيّين ليس فقط بالقنابل والمدافع، بل بالتهجير والتمييز وأحيانا بالإذلال والتنكيل الهادف إلى إشباع غرائز البعض، وفي وصفه لمحاولة اغتيال محمّد ضيف يقول الكاتب، ثماني قنابل بزنة طنّ يتمّ إلقاؤها لقتل شخص واحد فقط بغرض الانتقام ولإثبات أنه من المسموح قتل 100 شخص من الناس الأبرياء بهدف قتل شخص واحد، ويواصل بتهكّم، القنابل كانت دقيقة، تستطيعون أن تسألوا المراسلين العسكريّين، وحتّى أنها "جراحيّة" وعلى درجة من الدقّة بحيث لو جرى استعمال مثيلاتها في غرف طوارئ المستشفيات لتقلّص عدد سكّان إسرائيل إلى النصف.
وفي السياق نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" بمرور شهر على عمليّة "تحرير" الجيش الإسرائيليّ المختطفين الأربعة في مخيّم النصيرات، تحقيقًا شاملًا عن الأضرار الّتي سبّبها القصف الإسرائيليّ الّذي رافق العمليّة، وبعد تحليل عشرات الأفلام القصيرة الّتي جرى تصويرها نهار العمليّة ومقارنة صور جوّيّة التقطت في الأيّام الّتي تلتها وجدت الصحيفة أن هذه العمليّات تسبّبت بهدم 42 بناية بشكل كلّيّ، وأنه بالرغم من استغراق العمليّة عدّة دقائق فقط، فإن عمليّات القصف استمرّت لمدّة ساعتين على الأقلّ جرى خلالها شنّ 19 غارة جوّيّة على طول ستة كيلومترات تمتدّ بين مخيّم النصيرات وشاطئ البحر، وأسفرت عن مقتل 247 فلسطينيًّا وفق معطيات وزارة الصحّة الفلسطينيّة.
ولعلّ مشاهد الدمار دليل حيّ على أن التدمير هو هدف بحدّ ذاته، وليس نتيجة أو "ضررًا جانبيًّا"، وأن إسرائيل تبغي من وراء ذلك تحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة في إطار مخطّطاتها المبيّتة لتهجير الفلسطينيّين، وأن إطالة أمد الحرب لا يخدم مصلحة نتنياهو في البقاء في الحكم فقط، بل يخدم أيضًا هدف زرع المزيد من الموت والدمار والخراب في القطاع، وهو يشبع غريزة الانتقام لدى الجمهور الإسرائيليّ، الّذي لا يبالي بوقف الحرب، ولا يملأ الشوارع غضبًا على مماطلة نتنياهو، الّذي يضع كلّ يوم شروطًا جديدة لإحباط صفقة تبادل الأسرى.
نتنياهو يضع شروطًا مستحيلة تتعلّق بالبقاء في معبر رفح ومحور "فيلادلفيا" ومحور "نيتساريم" وهو يعرف، كما يقول ميخائيل ميلشطاين رئيس الدراسات الفلسطينيّة في معهد موشيه ديان، أن حماس تفضّل الانتحار على الموافقة على تلك الشروط، وهو ينجح بالرغم من ذلك في ضمّ جزء غير قليل من الأسرى وعائلاتهم في زيارته إلى واشنطن.