بقلم/ فراس ياغي
معركة بأس جنين الجارية او كما أسماها جيش الإحتلال "المنزل والحديقة" تؤكد من جديد أن طبيعة الحكومات الإسرائيلية جميعها ترى في الضفة الغربية حديقتها الخلفية ومنزلها المستقبلي، وهي بهذه التسمية ترى في مخيم جنين هو "المنزل" الذي يجب هدمه وتدميره لكي تسيطر بشكل كامل على كل محافظات الشمال التي اسمتها "الحديقة"، ووفقا لكل المعطيات فالمعركة ليس فقط غير متكافئة بل هي من جانب واحد، جيش بكل المعدات الثقيلة والحديثة برا وجوا يستقوي على مخيم فيه مقاومين يحملون ما تيسر من الأسلحة الخفيفة وبعضا من العبوات محلية الصنع، ليؤكد ان المشهد التدميري القائم الآن في مخيم العزة والشرف ومدينة جنين ليس سوى تعبير عن سياسة قائمة على القوة ومزيدا من القوة لإعادة ردع لجيش لم يفهم انه لم يحصل عليه ولن يحصل عليه كقوة احتلال.
المعضلة ليست في معرفتنا وتحليلنا، إنها تتعلق بضخ شعارات غير واقعية، ومطالبة الميت قرارا واستعدادا وسياسة "النظام السياسي الفلسطيني" ان يفعل شيئا، رغم أن ذلك يعتبر تبرير ومحاولة تعليق الشماعة على ذاك الميت، من دعا ونادى بوحدة الساحات عليه اليوم ان يضعها في موضع التنفيذ لكي يفهم الإحتلال أن مخيم جنين ومحافظات شمال الضفة ومقاومتها لن تترك لوحدها ولن يسمح بتصفيتها وإحداث مجازر متوقعة و"هناك انباء تقول ان المستوطنين يحضرون لعمل مجازر في المدى المنظور" في إستغلال واضح للواقع ليس الدولي والإقليمي فحسب، بل للواقع الفلسطيني المتردي والبائس.
أمس قلت على إحدى الفضائيات أن الوضع الداخلي في إسرائيل سيفرض على نتنياهو إعطاء الضوء الأخضر للقيام بعملية أمنية في شمال الضفة خاصة أن جهاز الشاباك وجزءا من قيادة الجيش اوصى بذلك، ليتبين أن إسرائيل فوق ذلك كله أبلغت الإدارة الأمريكية بنيتها للقيام بالعملية الجارية لكن دون ابلاغهم بموعد البدء، مما يشير بوضوح إلى وجود ضوء أخضر وتحت عنوان "وقف الإرهاب" لكي يتم وقف هجومات المستوطنين على القرى والبلدات الفلسطينية، وكأن هجومهم مبرر وليس وجودهم الإستيطاني هو المخالف لأبسط قوانين الشرعية الدولية والإنسانية.
الواقع الدولي للأسف غير معني سوى بمنع التصعيد في منطقتنا، والإقليم حولنا مشغول بنفسه ويتوافق مع التوجهات الأمريكية التي هي من يعبر عن النظرة الدولية لمنطقتنا، لذلك فإن الفعل الفلسطيني الذاتي إذا لم يتطور ويشمل ساحات متعددة فلن يتحرك لا الإقليم ولا العالم، صحيح أن الفلسطيني سيدفع ثمن كبير، لكن هذه الأثمان متطلبات للحفاظ ليس على الذات الوطنية فحسب، بل لتطوير الفعل وفرض وقائع جديدة على الإقليم ككل.
*ترك مخيم جنين لوحدة ستتحمل مسئوليته كل الأطياف الفلسطينية وعلى رأسها فصائل المقاومة التي أصبحت هي من تعبر عن نبض الشارع الفلسطيني، وهذا ما ظهر بوضوح في آخر إستطلاع رأي تم إجراؤه، وإسرائيل لن ترتدع مطلقا لا الآن ولا مستقبلا دون أن يكون الفعل الفلسطيني واحد وموحد ومتعاضد ف"اذا إشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء"، هي لحظات مهمة ومصيرية فيما سيكون عليه الحال الفلسطيني في المدى المنظور القريب والمتوسط، وهي لحظات إما ان تفرض نفسها وفقا لمقولة لينين عندما لاحت بوادر الثورة البلشفية عام 1917 "إما الآن او لا تحدث إلى الأبد" لأن الوقت حقيقة لا ينتظر، لذلك الحديث عن أننا ننظر ماذا ستحدث من تطورات في العملية القائمة حاليا ضد مخيم جنين وعلى ضوئها ستحدد ردة الفعل عبارة تعبر عن عدم فهم او عجز أو يعيش حالة ردع فعلي.
هي ساعات ستحدد مصير ليس الضفة فحسب بل القضية الفلسطينية، لأن حكومة الثلاثي "نتنياهو وسموتريتش وبن غفير" تريد سحق الفلسطيني وحسم الصراع وبغض النظر عن الضحايا، فحكومة اليمين الجديد لديها هدفين متوازيين، الاول داخلي بحسم هوية الدولة بالإنتصار للهوية اليهودية المحافظة، والثاني خارجي بحسم مسألة الصراع مع الفلسطيني عبر سحقه، فهل سيحقق هذا الثلاثي اهدافه؟!!! هذا السؤال برسم محور المقاومة ككل أولا، وبرسم كافة القوى الفلسطينية المناهضة للإحتلال ثانيا، فالحقيقة ساطعة والفعل خافت.