بقلم/ أمل الحجار
تهالك قوة الردع؛ ضرب قوة إسرائيل؛ تحطيم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، لا أمن ولا أمان، تلك عناوين فرضتها المقاومة الفلسطينية في معركة ثأر الأحرار، فرغم الهمجية المطلقة التي يتميز بها عدو الإنسانية –الاحتلال الإسرائيلي- المدعوم بكل أفكار الشر وأدوات الدمار، وتميزه بأحط الأخلاق وأرذلها وانفلاته الكامل من كل عقال للفضيلة؛ بقتله الأنبياء والأبرياء والأطفال وترويع الآمنين وتحويل طمأنينتهم إلى رعب لا يطاق، واعتدائه على رب السماوات والأرض، إلا أن المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي وبإمكانياتها المتواضعة استطاعت أن تبلي بلاء حسنا بدءا من الحرب النفسية التي خاضتها سرايا القدس باتباعها أسلوب الصبر الاستراتيجي والصمت المرعب الذي حرم العدو الأمن والأمان، فجعلت قطعان المستوطنين يختبئون في جحورهم، وشلت أركانهم، ولكن كان لابد أن تطول تلك الحرب النفسية أكثر فأكثر حتى يخرج هؤلاء الفئران من جحورهم ومن ثم تبدأ سواعد سرايا القدس المتوضئة؛ الضربات المتتالية كما انقضوا على حين غفلة على خيرة رجال فلسطين وأطفالها، لتكون فيهم النكاية أكبر والوجع أبلغ؛ فما أن انتهت مرحلة الصبر الاستراتيجي في اليوم الثاني حتى بدأت الضربات التي لم يكن يتوقعها العدو بوصول قذائف المقاومة في عمق القدس المحتلة، وانتهاء بضرب تل أبيب -التي أصبح ضربها أسهل من شربة الماء عند المقاومة- وحتى بعد دخول التهدئة حيز التنفيذ لتعلنها سرايا القدس بكل بسالة وشموخ: "نحن من سنحدد متى يبدأ الرد ومتى سينتهي والقادم أعظم".
وحش من غبار
لقد اتبعت سرايا القدس أسلوب تنقيط النيران والذي من خلاله كانت تتنزل صواريخ المقاومة على فترات متباعدة في الساعات الأولى لتجعل كل من يسكن في الكيان المؤقت في حالة ترقب كاملة وتوجس، وتزامن مع ذلك وصول التحدي ذروته بضرب الكيان في كل يوم في الساعة التاسعة من كل مساء، وفشل صد ترسانة العدو هجمات (تاسعة البهاء).
كما لوحظ استهداف جغرافيا فلسطين المحتلة بعمومها بدء مما يسمى بغلاف غزة، مرورا بسديروت وصولا الى القدس المحتلة وما يسمى بتل أبيب، وهذا زاد من إرباك حسابات العدو الذي لم يستطع أن يحدد أي بقعة في فلسطين المحتلة ستكون بمنأى عن ضربات المقاومة ليلوذ مستوطنوه إليها بالفرار.
أما غاية العدو التي حاول أن يحققها في هذا العدوان وهو ترميم قوة ردعه المتهالك؛ فكانت أبعد غاية ممكن أن تحقق، واستطاع المقاومون أن يأتوا على البقية الباقية مما بقي من ردعهم ويثبت بأن هذا العدو يمكن أن يُنازَل ويُسدَد له ضربات موجعة بل وقاتلة أحيانا إذا وجدت النية الصادقة؛ فهذا العدو (وحش من غبار) كما وصفه مهندس عملية نفق الحرية القائد محمود العارضة.
استراتيجيات المقاومة
إن المعركة لم تضع أوزارها بعد، فنحن في قتال إلى يوم الدين، نقاتل ونقتل في سبيل الله حتى يأتي وعد الله بنصر الإسلام والمسلمين وهلاك بني إسرائيل، وهذا يتطلب منا جهدا أكثر وتطوير قدرات المقاومة أكثر فأكثر، وإعادة استراتيجيات وتكتيكات المعركة مع الاحتلال الإسرائيلي على عدة صعد:
أولا: الاحتلال الإسرائيلي: وذلك عن طريق إضعاف العدو الإسرائيلي ودفعه للانهيار بإحداث خسائر بشرية وعسكرية فادحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وضرب عمقه في الخارج بتنفيذ عمليات كبرى كما فعل الفدائيون الفلسطينيون في الربع الأخير من القرن العشرين، خاصة وأن العدو الإسرائيلي وجهاز الموساد لم يتوانى للحظة عن ضرب رجال المقاومة في أماكن تواجدهم في العالم وليس أدل على ذلك من اغتيال الدكتور فتحي الشقاقي في مالطا، ومحمود المبحوح في الإمارات، وعماد مغنية في لبنان، وقائمة الشهداء تطول.
ثانيا: المقاومة الفلسطينية: بتطوير قدراتها العسكرية والأمنية والتكنولوجية، واستحداث فنون قتال مع العدو تتناسب مع الواقع، وتجاوز كل ما له علاقة بتكنولوجيا الجوال وخاصة في فترة العدوان على غزة لتفويت الفرصة على الاحتلال في اغتيال قادة وعناصر المقاومة، ويجب ألا تغفل عن دعم وتطوير المقاومة في الضفة والقدس المحتلة، ماديا ومعنويا وأمنيا وعملاتيا، إضافة إلى ضرورة تغيير أسولب المقاومة في القتال حسب ظروف المعركة وجغرافية العمل القتالي، ومعرفة نقاط الضعف ومكامن القوة وزعزعة معنويات العدو القتالية.
ثالثا: الإعلام الفلسطيني: وذلك عن طريق رفع الروح المعنوية، بالإشادة بالمقاتلين والتأكيد على أنهم يقاتلون عن حق الشعب الفلسطيني، والانحياز الكامل للرواية الفلسطينية، وفضح وكشف الهمجية الإسرائيلية ضد المدنيين والأطفال الآمنين المطمئنين في بيوتهم، وتسويقها عالميا وبكل اللغات، وإظهار مظلمة الشعب الفلسطيني، واعتبار كل صحفي نفسه جنديا في المعركة يدافع عن شعبه بالكلمة والصوت والصورة، والتركيز على حجم وأماكن أضرار العدو، وأنه ليس أسطورة بل يمكن قهره، ولابد من التعامل مع الرواية الإسرائيلية سواء في أخبارها أو تحليلاتها أو تقديرات مواقفها وما يصدر من كتَابها ومحلليها بالحذر الشديد، وأنهم موجهون من قبل المؤسسة الأمنية ليفتوا في عضد المقاومة والشعب الفلسطيني، والتأكيد على أن كل ما يصدر في الإعلام العبري مدان أو مشبوه ولا يجوز تلقيه إلا بحذر شديد.
رابعا: الجماهير الفلسطينية: يجب العمل على رفع مستوى الوعي الأمني والعسكري لدى جماهير الشعب الفلسطيني وذلك بإعداد المواد التثقيفية اللازمة لهذا الوعي وتعميمها من خلال المؤسسة الإعلامية والتربية والتعليم والأوقاف وكل منبر يمكن أن يمثل صوتا للشعب والقضية.
خامسا: الحلفاء: على المقاومة الفلسطينية أن تعزز العلاقة مع كل حلفاء الشعب والقضية الفلسطينية، وكل من لا يؤمن بمشروعية الاحتلال، وتوسيع جبهة أولئك الحلفاء والسعي الحثيث لضمان دعمهم للقضية سياسيا وعسكريا وأمنيا وكل أشكال الدعم وعدم الاقتصار على الجمهورية الإيرانية.
وأخيرا إن شلال دم آلاف الأطفال والنساء الذي سفح على يد المحتل الإسرائيلي وكان آخرها أبناء القادة ميار وعلي وهاجر وليان بحاجة جادة إلى وحدة صف حقيقية ونبذ للخلافات الداخلية، وتركيز البوصلة نحو تحرير القدس من دنس الاحتلال الإسرائيلي.