Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

ماذا تعني المشاركة الغربية في احتفالات الاستقلال الإسرائيلي المزعوم؟

قناة فلسطين اليوم / وكالات - فلسطين المحتلة

تجاوزت المشاركة الغربية في احتفالات استقلال الكيان العبري لعام 2023، مجرد الطابع التمثيلي الرسمي، لما هو الانحياز الحادّ للوحشية الإسرائيلية، من قبل النخبة الحاكمة في أميركا وأوروبا، وهي نخبة منفصلة عن الأغلبية الصامتة في المجتمعات الغربية، في مشاركة شملت مختلف ميادين الاحتفال في الجوّ والبر والبحر، كما في وسائل التواصل الاجتماعي.

"كانت فلسطين صحراء قاحلة قبل التعمير الإسرائيلي الذي خلق الازدهار"، هكذا بلغت الوقاحة الأوروبية مبلغها على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وهي تقول في مشاركتها "نحتفل اليوم بمرور 75 عاماً على الديمقراطية النابضة بالحياة في قلب الشرق الأوسط. 75 عاماً من الديناميكية والإبداع... لقد جعلتم الصحراء تتفتح حرفياً".

الوقاحة الأوروبية باعتبار فلسطين مجرد صحراء شرق أوسطية، نبضت بالحياة بعد عام 1948 عبر الديمقراطية والديناميكية والإبداع، يعتبر إصراراً أوروبياً على الخطيئة البريطانية في رعاية إقامة الكيان الإسرائيلي على أطلال الشعب الفلسطيني، وتعزيز الرواية الإسرائيلية الكاذبة بأن فلسطين كانت وقتذاك أرضاً بلا شعب.

هو إعلان حرب أميركي أوروبي، أو محطة جديدة في هذه الحرب المعلنة منذ عام 48، تجاوزت وعد بلفور البريطاني المشؤوم، والدعم العسكري/الاقتصادي للكيان العبري منذ قيامه حتى الآن، لما هو نسف التاريخ من جذوره، والعودة بالصراع نحو الدين والفكر والتاريخ والقيم، وليس فقط الجغرافيا أو تضارب المصالح السياسية، لأن فلسطين تلخص كل ذلك في جوهر الوعي الإسلامي، فهي رمزية للحق التاريخي وشهادة وفاء، وتكثيف صارخ للمظلومية التاريخية المتواصلة منذ 7 عقود.

جاءت المشاركة الأميركية البريطانية الألمانية الإيطالية، في احتفالات الاستقلال الإسرائيلي المزعوم، لتوجّه صفعة مدويّة ليس فقط للعرب والفلسطينيين الذين ما زالوا يراهنون على الوسيط الأميركي أو الدعم الأوروبي، إنما هي لكل الأفكار الدخيلة التي غزت شعوبنا الإسلامية تأثراً بالفكر الغربي ومتعلقات قيمه المادية.

فالمشاركة الجوّية لطائرات هذه الدول وهي تحتفل جماعياً مع الطيران الإسرائيلي في سماء المسجد الأقصى، هي إعلان حرب دينية صهيونية ضد رمزية المسجد الأقصى الإسلامية.

هذا الاعتداء الأميركي الأوروبي السافر تجاوز الشعب الفلسطيني والأمة العربية الإسلامية، ليطال أغلبية شعوب العالم، بما فيها الشعوب الغربية، التي ما زالت ترى في الكيان الإسرائيلي الخطر الأول على السلم العالمي، وهو ما تعززه كل استطلاعات الرأي العالمية منذ عام 2003 حتى الآن.

النخبة الفاسدة الحاكمة في أوروبا، تضع نفسها مجدداً في مواجهة الرأي العام الأوروبي، بهذا الانحياز الشمولي ضد النكبة الفلسطينية، وضد مشاعر شعوبها التي يقف كثير منها ضد الوحشية الإسرائيلية، في وقت فشلت فيه كل الألاعيب السياسية والإعلامية في صناعة عدوّ إسلامي بمسمى "داعش" ليحلّ محلّ "إسرائيل"، حيث بقيت "إسرائيل" تحتل موقع الخطر الأول على شعوب أوروبا في استطلاعات الرأي، رغم إجراء بعضها مباشرة بعد جرائم نفّذتها "داعش" في قلب أوروبا، بما يؤكد عمق البغض الأوروبي الشعبي لـ "إسرائيل"، فلم تتقدّم "داعش" على "إسرائيل" إلا مرة واحدة.

ظهر التعاطف الشعبي العالمي، مع القضية الفلسطينية، حتى في كثير من المدن الأميركية، وهو أكثر ما تجلّى في العدوان الإسرائيلي على القدس وغزة في حرب 2021، وهو ما دفع بايدن للضغط بكل الثقل الأميركي لوقف العدوان. ولكن النخبة الحاكمة في أميركا وأوروبا تواصل ارتهانها للوبي اليهودي المسيطر في الدولة الأميركية الأوروبية العميقة، بكل امتداداتها الإعلامية والاقتصادية والأمنية، رغم الفجوة الاجتماعية في الوعي الأميركي الأوروبي، وهو وعي ما زال في بعده الشعبي يشعر بالشتيمة إذا وُجّهت إليه كلمة (Jewish).

أشهرت الصهيونية تهمة "معاداة السامية" منذ نهاية القرن التاسع عشر، للإشارة إلى أي حركة منظمة ضد اليهود أو أي شكل آخر من أشكال العداء لليهود، ويبدو أن هذه التهمة خلقت ردوداً عكسية على المستوى الشعبي، رغم دخولها القوانين الأوروبية، وخضوع الإعلام العالمي لتأثيراتها، إلّا أنها نجحت في صناعة نخبة ثقافية سياسية أخذت طريقها في صناعة القرار الغربي، وليست مفوضة الاتحاد الأوروبي إلا تعبيراً صارخاً عن هذه النخبة المستلبة الإرادة.

هذا الاصطفاف الأوروبي المتلبّد بالفكر والقيم والتاريخ، في تصريح المفوضة الأوروبية، أو طبيعة المشاركة الاحتفالية الفاعلة على أطلال المأساة الفلسطينية، خاصة في استعراض سلاح الجوّ، وما يرمز له هذا السلاح تحديداً، من جرائم ومجازر واغتيالات عابرة للحدود، يضع كامل المنظومة الأوروبية أمام سؤال الحضارة الغربية وما تمثّله في السياق العالمي، خاصة في ارتهان طيف فلسطيني وعربي وإسلامي لهذه المنظومة باعتبارها الحداثيّ، بما يسقطها بكل متعلّقاتها، وقد رسبت في الاختبار الفلسطيني في شقّيه التاريخي والواقعي.

تجاوزت هذه المشاركة الغربية كل حدود الواقع، وهي تنطلق من "الديمقراطية" الإسرائيلية، باعتبارها أداة الديناميكية والإبداع، في وقت تمّ احتلال هذه الديمقراطية المفصلة في إطار عنصري بالأصل، من قبل غلاة اليمين اليهودي، وقد احتلّوا "منبر الديمقراطية" الإسرائيلية في الكنيست، بكتلة نيابية هي الثانية في الائتلاف الحاكم، وصعدوا عبرها للسيطرة على الاستيطان في الضفة الغربية، مع الأمن في القدس المحتلة.

وجاءت مشاركة المفوضة الأوروبية في احتفالات "الاستقلال" الإسرائيلي المزعوم، في وقت تسعى فيه الأغلبية اليمينية الحاكمة للتغلّب على القضاء الإسرائيلي والليبرالية الغربية، مستغلة ما اعتبرته "الديمقراطية الإسرائيلية المزدهرة" في الصحراء العربية!!! بغية إخضاع القانون الإسرائيلي للثقافة اليمينية وسياساتها الإقصائية بما ينهي مفاعيل الديمقراطية الغربية في جوهرها، فعن أيّ ديمقراطية تتحدث هذه المفوضة الأوروبية؟!

فشل وعد بلفور وقرار التقسيم و"الاستقلال" الإسرائيلي في طمس مظلومية الشعب الفلسطيني، وما يمثّله هذا "الاستقلال" أمام الشعور الإسرائيلي الجمعي بفقدان الشرعية ومتلازمة الثمانين عاماً في عقدها الأخير، فهل يواصل الأوروبي تبعاً للأميركي في مشروعه الإمبريالي الاستعماري باعتبار الصهيونية رأس حربته في ظل هذا العناد الفلسطيني المقدس، وقد تجاوز كل محطات النكبة واللجوء؟