بداية عنوان هذه المقالة اوحى لي به الصديق الوفي هاني سرور "أبا علي"، عندما قال لي لن اكون ملقطاً، وفي تفسيراته لذلك، قال بأنه لن يضع ملقطاً على انفه كالعديد من رجال الأعمال،
ويغوص في الوحل والعمل الوسخ من اجل جمع المال حتى لو جاع وإستدان.
والملقط له استخدامات مفيده، حيث يستفاد منه في مسك الغسيل اثناء نشره على الحبال، وكذلك قد يستخدم من أجل حفظ اوراق وغيره، او وضع الجمر والفحم على "الأراجيل " للمدخنين، او تقليب الفحم والمشاوي أثناء الشوي، او عمل مواقد الحطب في الشتاء والبرد وغيرها، وانا هنا أريد ان أشير الى المعنى المجازي للملاقط، والمقصود هنا الملاقط البشرية على حسب توصيف صديقي "أبا علي"، حيث ان هناك شلل من المتملقين والمنافقين والمتسلقين والإنتهازيين والمتزلفين، وهم من يضعون ملاقط على انوفهم، من اجل إلغاء حاسة الشم، والدوس على القيم والكرامة والمبادىء والأخلاق، للقيام بأعمال أقل ما يقال عنها انها مريبة ومشبوهة وغير شرعية، تشم منها رائحة الأتاوات والخاوات وشهادة الزور وتزوير الوثائق والمستندات بالحقوق والملكية وقلب الحقائق والتسلق والتملق والنفاق والتزلف والتمجيد والتغني بالبطولات والأخلاق لأناس، ليس لهم علاقة بالبطولة او الكرامة او الكرم والإنتماء الوطني ولا حتى بالأخلاق والسمعة الطيبة.
فقط يقومون بذلك من اجل مصالحهم الذاتية، ومن اجل ان يلفتوا الإنتباه إليهم، ويسلطوا الضوء عليهم، وإظهارهم بأنهم قادة ورموز للوطن والمجتمع في قضاياه الوطنية والمجتمعية وغيرها، وهناك منهم، كما هو حال عملاء الإحتلال يبيعون حالهم بثمن بخس، ويعبرون عن خستهم ونذالتهم وتملقهم وتزلفهم، بطريقة فيها الكثير من القرف والإسفاف والإبتذال، لدرجة تشعرك بالرغبة بالتقيؤ، لما يسبغه المتملق والمنافق من صفات حميدة وبطولات ومعاني وشيم إيجابية على شخص او مجموعة، تمارس كل انواع "العهر" والكذب والدجل والسرقة والفساد، وتعيث الخراب والتدمير والفساد في المجتمع.
وليس هذا فحسب، فهناك بعض انواع هذه الملاقط، ليس لديه أية خطوط حمراء او ذرة من ضمير او اخلاق او وازع ديني او وطني او قيمي، حيث تراه يتاجر في كل شيء من بيع وتسريب الأراضي والعقارات للإحتلال، او في ترويج السموم بكافة اشكالها وانواعها بين الشباب، أو المتاجرة في البضائع والمواد الغذائية والتموينية والمأكولات والمشروبات واللحوم الفاسدة او المنتهية الصلاحية أو المسروقة والمزورة والمعادة التغليف وغير ذلك، وما يلحقه ذلك من أذى وأمراض وقتل وموت بطيء بحق ضحاياه من المنتفعين او المشترين والمستهلكين لتلك البضائع والمواد، يمارس كل هذا "العهر"والأعمال الإجرامية وغير القانونية واللاإنسانية، ويظهر بمظهر الناسك والواعظ والمصلح والمرشد، ويطرح نفسه ك"واحد من "أشراف" المجتمع والغيورين على المصلحة العامة، أو تراه يدخل على أراضي وعقارات يعرف ان عليها خلاف إجتماعي او عائلي او أسري، بغرض التكسب والتنفع، او حتى يدعي الملكية عبر وثائق مزورة وأوراق ملكية وخرائط ومساحة، من محامين ومهندسين ورجال أعمال، أقل ما يقال عنهم، بأنهم يقومون بأعمالهم خدمة لأطراف وجهات مشبوهة، ومن أجل مصالحهم الذاتية، او يتلقى الخاوات والأتاوات، لقاء شهادة زور او تزوير وثيقة او سند ملكية، او يشارك في تنفيذ مشاريع وأعمال، ضد مصالح الوطن والبلد، مثل إقامة أبنية إستيطانية في قلب البلدات العربية، او حتى عمليات حفر وبناء تحت الحرم القدسي وأسفله...وغيرها، وتراه ينظر في الوطن والوطنية والإنتماء.
والملاقط لهم "زلمهم"ورجالاتهم الذين يقومون بتلميع صورتهم في وسائل الإعلام بمختلف انواعها، وكذلك بين أفراد المجتمع، ويظهرونهم على انهم رجال اقتصاد او رجال أعمال وتجار ومناضلين او محامين مرموقين لولاهم ولولا تضحياتهم وصمودهم وجهدهم وثباتهم لضاعت البلد!! وهم في الحقيقة تجار منتفعين، يسربون الأراضي ويعقدون الصفقات المشبوهة، ويتقاضون الأموال ثمناً لتلك الصفقات المشبوهة والمريبة، ولا تكتفي تلك الفئة او الشريحة من الملاقط بذلك، بل تراهم يطرحون انفسهم رجالات مجتمع وأصحاب حل وربط، ويقومون بعمل مجموعة فعاليات تبرز دورهم ونضالاتهم وأعمالهم الخيرية ومآثرهم وبطولاتهم، ودورهم الوطني والإجتماعي والإقتصادي، وبقدرة قادر يصبحون متصدرين للمشهد بكل قطاعاته ومؤسساته، ولا يصح او يجوز عقد او عمل أي نشاط دون ان يكونوا على رأسه او جزءا فاعلا منه، وكذلك لا يجوز أن تخلو المنصة او الجلسة من كلمة لهم، أو يقوموا برعاية حفل خيري او تكريمي، بحيث يصبحون هم من يمنحون شهادات الإبداع والتميز والعطاء والإنتماء.
وأبعد من ذلك هؤلاء الملاقط، لهم مجموعة من "الهتيفة" و"السحيجة" والمافيات والبلطجية، والذين يستخدمونهم كعصا غليظه، في تمرير ما يريدونه او فرضه سواء في قضايا بيع او شراء وغالباً باوراق مزورة او غير قانونية، أو في التنازل عن حقوق او قضايا، قد يكون رفعها واحد من الذين جرى التعدي عليهم أو المغبونين من جراء الحل الذي فرضه هؤلاء الملاقط، والذين يوزعون الأدوار والمنافع بينهم.
نعم الان كل المشهد مقلوب، وتراتيبية إجتماعية مقلوبة، ليس على مستوى القدس فقط، بل على مستوى الوطن، حيث تتراجع سيادة القانون، وتنشط المليشيات و"المافيات" العشائرية والقبلية، والبلطجية والزعران، ويتراجع الشعور بالأمن والأمان، وأضحت العديد من المناطق وبالذات المحاذية للمستوطنات، أو التي لا توجد فيها سلطة، مناطق يمارس فيها الملاقط، كل أشكال وانواع أعمالهم غير القانونية وغير الشرعية، وكذلك البلطجة والتعدي على حقوق الناس وكرامتهم وحريتهم الشخصية.
في مرحلة الهبوط السياسي والتراجع الوطني والإنهيار والهزيمة، تنشط الملاقط على شتى تسمياتها، وتصبح متصدرة للمشهد، ونصبح امام عصر "الرويبضة" بأبشع صوره، ويصبح الشرفاء دورهم، إما الحفاظ على الذات او السكوت والنأي بالنفس، او المجابهة، لكي يجلس الهرم على قاعدته بدل رأسه، وهنا تعمل الملاقط بكل تشكيلاتها وانواعها، على نشر جو من الإحباط واليأس والهلع والخوف بين الناس، وهذا يتطلب من كل القوى والشخصيات والشريفة والمحترمة، ان تبذل جهداً مضاعفاً من أجل المجابهة والتصدي والمواجهة، حتى لو دفعت ثمناً غالياً.