تتقاطع مشاعر الغزيين على اختلافها تجاه ما يلقاه أهل الخليل وجوارها عند نقطتين مركزيتين، الأولى إشفاقهم على أشقائهم "الخلايلة" من سطوة قوات الاحتلال التي لا يخفى عليهم طعمها المر، خاصة حين تكون هذه القوات عاجزة عن بلوغ أهدافها الأمنية فلا تجد إلا لغة البطش والإذلال والقهر،
والثانية تعاطفهم العفوي مع خاطفي المستوطنين الثلاثة، كون الهدف المتوقع لعملية من هذا النوع "إن صحت الرواية الإسرائيلية" إطلاق سراح أعداد من الأسرى الفلسطينيين، الذين تعاظمت عذاباتهم ومعاناتهم في الآونة الأخيرة، عقب نكوص سلطات الاحتلال عن الإفراج عن عدد منهم قبل نحو شهرين.
وبالرغم من اختلاط الأمر على كثيرين إزاء التوقعات حول تداعيات حملة "عودة الأخوة" كما أسمتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وبلوغ الأمر بعدد منهم حد التشكيك في دوافع العملية والرواية الإسرائيلية وعدم استبعاد عنصر المؤامرة فإن هناك شبه إجماع على أن عقاب غزة لن يقتصر على ما طالها من قصف في الأيام القليلة الماضية، وأن الأمر متعلق بخاتمة حكاية المخطوفين الثلاثة ومدى صدقية الاتهامات الإسرائيلية لحركة حماس بالوقوف وراء اختطافهم، وفي أذهانهم ما جرى لأهل غزة عقب أسر الجندي جلعاد شاليت.
إن هدير الطائرات الحربية الإسرائيلية في سماء غزة ودوي قصفها في مناطق متفرقة من القطاع يعيد الغزيين إلى ذكريات سوداء، لا يتمنى أي منهم تكرارها تحت أي عنوان أو أي شعار، وتدور أحاديثهم التي يقطعها انفجار صاروخ إسرائيلي قريب أو انطلاق صاروخ فلسطيني شمالا حول تخبط القيادة الإسرائيلية في معالجة قضية المخطوفين الثلاثة، واضطرارها إلى طلب العون من الرئيس محمود عباس والسلطات المصرية، ولا يستبعدون أن يدفعها العجز إلى الهروب إلى الأمام وتوسيع حملتها إلى غزة، بحجة أنها مركز الثقل العسكري الفلسطيني، وسط إشارات استخبارية توحي بأنه تم تهريب المستوطنين المختطفين إلى غزة، بالرغم من عدم استبعاد جهات أمنية إسرائيلية أن تكون خلفية الاختطاف جنائية!
وينظر البعض بشيء من الريبة إلى إصرار الإسرائيليين على اتهام حماس بالتخطيط للعملية، بعد أن استنفد نتنياهو كل فصاحته في محاولة إقناع الرئيس الأميركي ووزير خارجيته بنبذ حكومة التوافق الفلسطينية بدعوى أن حماس شريكة فيها، ويرون أنه قد ينطلق من هذه الاتهامات والمسلمات لتوجيه ضربة موجعة لقطاع غزة، في أعقاب بلوغ عملية الاختطاف نهايتها، في إطار زعمه بأن مصدر القرار في غزة.
أما من يشككون في الحدث الأساسي، أي اختطاف المستوطنين الثلاثة، فهم لا يستبعدون أن يكون الأمر بتدبير إسرائيلي معقد، قد يتضمن التضحية بالشبان اليهود الثلاثة، من أجل تدمير البنية التحتية للفصائل الفلسطينية كافة، ليس في محافظة الخليل وحدها، بل في المحافظات الشمالية كافة، تمهيدا لخطوات عملية لاحقة في عموم الضفة الغربية، تتطلب تنظيفها من كل ما يمكن نسبه للمقاومة، دون أن تكون غزة معصومة من العقاب في كل الأحوال.