بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
شكراً للمقاومة التي أثلجت صدورنا وأفرحتنا، ورسمت البسمة على شفاهنا وأسعدتنا، وأعادت الأمل إلى قلوبنا وأنعشتنا، ورفعت رأسنا وأعلت صوتنا، فهاهت نساؤنا وزغردت بناتنا، وتاه مجداً شبابنا، ودفعت مئات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات للخروج إلى الشوارع فرحاً وابتهاجاً، والتهليل والتكبير في المساجد والشوارع حمداً لله وشكراً، فهذا يومٌ من أيام شعبنا المباركة، الذي فيه انتقم ومن عدونا اقتصَّ.
شكراً للمقاومة التي لم تتركنا ننتظر طويلاً بعد مجزرة مخيم جنين أمس، نذرف الدموع ونبكي شهداءنا ونتجرع الأسى وحدنا على ما لحق بنا، شكراً لها، وقد كان لسان حالنا جميعاً ينادي بالثأر والانتقام، ويستصرخ المقاومة أن تعجل ولا تتأخر، فاستجابت لنا وعجلت، وسارعت بالرد والجواب ونفذت، فكان ردها موجعاً ومؤلماً، تأوه منها العدو وتوجع، وأّنَ من هولها جرحاه، وصدم جزعاً من شهدها من مستوطنيه.
شكراً للمقاومة أن جاء ردها في مدينة القدس، التي يباهي بها العدو ويفتخر، مدعياً أنها العاصمة الأبدية الموحدة لكيانه، وأنها المدينة الأكثر تحصيناً والأشد تأميناً، وأنها تتمتع بحمايةٍ كبيرة وحراسةٍ مشددةٍ، فأصابته في قلبه، وباغتته في عمقه، ونالت منه في مكمنه، وأتته من مأمنه، وعلمته درساً جديداً مفاده أنها لن تسمح له بالاستفراد بشعبنا والإغارة على مدننا وبلداتنا، بينما يفاخر بالأمن والأمان في عاصمته المدعاة.
شكراً للمقاومة التي أثخنت في قلب العدو وطعنته، وأوجعته وآلمته، فقتلت منه سبعة وأصابت عشرة مستوطنين، جراح بعضهم خطيرة، فكبدته بشهادة مسؤوليه ثمناً كبيراً، وأجبرته على أن يتجرع من ذات الكأس، وقالت بمسدسها العامر للعدو المتغطرس في أكبر عمليةٍ نوعيةٍ يشهدها منذ سنواتٍ، أنها قادرة على الوصول إليه والنيل منه، مهما بلغت تحصيناته وإجراءاته الأمنية المشددة.
شكراً للمقاومة التي لطمت حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة، وأذهلت حكومته وأربكت قيادة جيشه، وصفعت وجه بن غفير وشريكة سموتريتش، وأخرستهما وهما المتشدقين بكل سوءٍ، وركلت مؤخرة كل صهيوني متطرف ويميني متشدد، ممن توعدوا بتركيع الشعب الفلسطيني وإخضاعه، وهددوا بخنقه وحصاره، وطرده وتهجيره، وحرمانه ومصادرة أرضه، وباشروا في قتل أبنائه واعتقال رجاله، فجاءهم الرد درساً أخرسهم، وأنبأهم أن هناك جديداً آخر ينتظرهم.
شكراً لخيري علقم، الفلسطيني المقدسي، سليل المقاومين وحفيد الشهداء، الشاب اليافع، العزيز الأبي، المقاتل الشجاع، الجريء الجسور، القوي الغيور، الثائر الغاضب، الذي انبرى إلى الميدان كفارس، وحمل مسدسه كسيفٍ صارمٍ، واستجاب إلى شعبه ولبى نداءه، فشكراً له أنه شفى غليلنا ورى ظمأنا، وأسعدنا بعد حزنٍ، وأفرحنا بعد ألمٍ، وهنيئاً له شهادته، فقد والله نال المنى بما قدم، وارتقى إلى السموات العلى بما أعطى.
شكراً للشعب الفلسطيني العظيم الذي ينجب هؤلاء الرجال، وفيه مثل هؤلاء الأبطال، الذين لا يقبلون بالظلم ولا ينامون على الضيم، ولا يسكتون على الحيف، ويثورون على ظالميهم، ويصدون المعتدي عليهم، ويردون الصاع له صاعين وأكثر، الذين يتنافسون على المقاومة، ويحاكون من سبقهم، ويقلدون من قاتل قبلهم، ويبرعون في رسم ملاحم جديدة وأساطير للمقاومة مجيدة.
شكراً لهذا الشعب الذي يربي أبناءه على الجهاد، وينشئهم على المقاومة، وينمي فيهم مفاهيم العزة والكرامة، ويخلق فيهم روح الصمود والثبات، وينشر بينهم ثقافة المقاومة ويقين النصر، ويزرع فيهم روح القوة وإحساس النصر، فيجعل صغيرهم كبيراً، وضعيفهم قوياً، وواحدهم أمةً، وعاجزهم إرادةً، وأعزلهم جباراً، وصامتهم ثورةً، وثائرهم بركاناً.
شكراً للشعب الفلسطيني العظيم ورجاله الشجعان الذين يعيدون رسم صورتهم وعرض قضيتهم، ويحسنون التعبير عن حالتهم وبيان أصالتهم، ويظهرون للأمة العربية والإسلامية التي تفتخر بهم وتعتز بحقيقتهم، أنهم شعبٌ جبارٌ، ثابتٌ صامدٌ، مؤمنٌ مقاتلٌ، صلبٌ عنيدٌ، لا يتنازل ولا يفرط، ولا يضعف ولا يستسلم، ولا يلقي البندقية ولا يتخلى عن المقاومة.
شكراً للشعب الفلسطيني الذي عمق أزمة العدو الصهيوني وأربك حكومته، وأظهر ضعف رئيسها وتخبطه، وكشف غروره وغباءه، وفضح علوه واستكباره، إذ جمع معه غلاة شعبه ومتطرفي مستوطنيه، ظناً منه أنه يستطيع بهم لجم الشعب الفلسطيني وإرهابه، وسيتمكن بمزيدٍ من القوة من دفعهم لليأس والقنوط والقبول بأقل المعروض خوفاً من بطشٍ ينتظرهم، أو مصيرٍ أسوأ يتربص بهم.
هذا هو الشعب الفلسطيني الذي لا يؤجل رده ولا يهمله، ولا يحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين وينساه، بل يعجل فيه ويبالغ، ويحدد هدفه ويقرر إصابته، ويصر عليه ويسدد إليه رميته، ولا يبالي بتهديد العدو ووعيده، ولا يلقي بالاً إلى سياساته وإجراءاته، وما رآه بالأمس ليس آخر سهمٍ في جعبته، ولا آخر مقاتلٍ من أبنائه، بل غيره كثيرٌ من الفدائيين آتٍ، ومعه جمعٌ غفيرٌ من المقاومين حتماً قادمٌ.