للوهلة الأولى؛ ظن رئيس جكومة إسرائيل "بنيامين نتنياهو" وفكر وقدر؛ بأن تلبية مطالب المتشددين في حكومته بالمزيد من الضغط والتضييق على الفلسطينيين، وعدم الإفراج عن 30 أسيرا من المؤبدات، وسن القوانين الباطلة ضدهم؛ ونهب ومصادرة الأراضي، والمزيد من الاعتقالات؛
سيردع الفلسطينيين، ويجعلهم يستسلمون للأمر الواقع؛ ويرفعون الراية البيضاء راكعين مستجدين؛ وبالتالي لا يوجد ما يخسره في ظل الفارق الكبير في موازين القوى؛ بل المزيد من الانجازات والتأييد، وزيادة رصيده.
سرعان ما راح "نتنياهو" يدفع ثمن حساباته الخاطئة في السياسة؛ فما جرى في الخليل من فقدان لثلاث من المستوطنين؛ قلل من رصيده الجماهيري؛ وجعله في قلق دائم ومستمر، ومعه "الجيش الذي لا يقهر".
يستطيع "نتنياهو" في الأيام القادمة التصعيد كما يشاء؛ من قتل واعتقالات، وإبعاد، وإغلاق المناطق، ولكنها كلها وبمجملها لن ترفع من رصيده وشعبيته المتهاوية؛ كونه أخطأ منذ البداية بعدم الالتزام بما وقع عليه من الإفراج عن 30 أسيراً قضوا عشرات السنين في الأسر منذ ما قبل "أوسلو".
أخطأ "نتنياهو" أيضاً عندما أطلق العنان لغروره وصلفه بعدم الاستجابة وتجاهل مطالب الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام منذ قرابة شهرين؛ وكأنهم ليسوا من البشر، وليس لهم حقوقهم وإنسانيتهم.
وأخطأ مرة أخرى عندما سنّ قوانين جائرة بحق الأسرى، وأخطأ بتهوره في استخدام القوة الكبيرة والغاشمة ضد شعب مسالم لا يطالب بسوى حقوقه العادلة والمشروعة التي تقرها كافة القوانين والشرائع الدولية.
لو أن "نتنياهو" استجاب لمطالب الأسرى العادلة، وأفرج عن 30 أسيراً مؤبداً، وأوقف وحش الاستيطان والاعتقال والتضييق على الفلسطينيين؛ لحشر فكرة أسر جنود ومستوطنين في الزاوية، ولوفر على نفسه وشعبه المزيد من الخسائر.
"نتنياهو" هو من قتل الأمل لدى أهالي الأسرى والشعب الفلسطيني وقواه بالإفراج عن أبنائهم ضمن مسيرة سياسية؛ بإصغائه للمتشددين والمتعصبين؛ وكأنه يقول لفلسطينيين لن تفرحوا بأبنائكم الأسرى إلا على شاكلة صفقة وفاء الأحرار "شاليط".
"نتنياهو" بحساباته الخاطئة؛ وبممارسته وفرضه الوقائع على الأرض بقوة السلاح؛ هي من حشرت الفلسطينيين؛ في زاوية ضيقة جداً، وأجبرهم على التفكير بطرق عديدة للإفراج عن أسراهم بعدما تنكر لما وقع عليه قبل أن يجف حبره.
إن صحّ أن المقاومة الفلسطينية هي من أسرت المستوطنين الثلاث؛ فإن "نتنياهو" وحده وبسبب حساباته وتقديراته الخاطئة؛ يتحمّل ما آلت إليه الأمور، أو ما ستئول إليه من تصعيد وتدهور لا يعرف إلا الله مداه، والى أين سيصل بالمنطقة الملتهبة أصلاً.
في المحصلة؛ مهما كانت ردة فعل "نتنياهو"؛ فهو الآن يمرّ في مرحلة ردة الفعل؛ وهو لم يصنع الحدث؛ وستبقى الريادة لمن صنع الحدث بداية، ومهما سيقوم به "نتنياهو" من خطوات هي حتماً مدروسة من قبل صانعي الحدث؛ وكل المؤشرات تشير إلى أن دولة الاحتلال ما عادت كما كانت في السابق من الريادة والقوة وصناعة الحدث، وما عادت تملك القدرة على ردع من يفكر بالمساس بها.
* إعلامي فلسطيني يقيم في بلدة سلفيت بالضفة الغربية