تمهل وأبطأ كثيراً، وفكر وقدر "بنيامين نتنياهو" قبل اتخاذه قرار الحرب العدوانية على غزة قبل أكثر من شهر؛ حيث بدا وكأنه كان يدرك حجم وهول ما سيلاقيه في غزة، وبحسب تقديراته؛ فقد تكون سبب هزيمته لاحقاً؛ وفقدانه لرصيده الشعبي بين جمهوره؛ وهو ما حصل؛ وصارت غزة ورطته الدائمة؛ فتراه على الدوام متجهماً عابساً؛ كمن خطفه الطير، أو كمن هوت به الريح في مكان سحيق.
منذ البداية أعلن "نتنياهو" أن هدف حربه الاستراتيجي هو إعادة الردع، ومن خلاله إعادة الهدوء لفترة طويلة نسبياً؛ عبر توجيه ضربة شديدة لـ"حماس"، لبناها التحتية ولنشطائها؛ ومع الاجتياح البري أضيفت الضربة للأنفاق كمهمة هامة وحيوية للقوات البرية؛ إلا أن ما حصل هو العكس تمام؛ فقد ارتدع بدلاً أن يردع، وراحت صواريخ المقاومة تدكه دكاً، وهاج وماج العالم، وما زال؛ على وقع مجازر قتل الأطفال والعائلات بالجملة وبالصوت والصورة.
ما أقلق "نتنياهو" وجن جنونه له؛ هو كيف نجحت مقاومة غزة البسيطة المتواضعة في قوتها في التصدي لجيشه الذي يصنفه البعض رابع أقوى جيش في العالم؛ وهزيمته وبنقاط كثيرة، وكيف استطاعت أن تجبر ستة مليون صهيوني على الاختباء في الملاجئ، وإغلاق مطاراته وزعزعة فكرة وجود "إسرائيل" من خلال إمكانية هزيمته لاحقاً.
"حماس" قالت منذ البداية أن "نتنياهو" يستطيع إن يتخذ قرار بدء الحرب؛ ولكن لن يستطيع أن ينهيها متى أراد؛ وهو ما حصل فعلاً؛ بحيث صار قرار وقفها ملكاً حصرياً للمقاومة التي لا توجد ما تخسره أصلاً.
الآن "نتنياهو" في ورطة حقيقة؛ كونه لا يستطيع إعادة عدوانه، ولا يستطيع مواصلة سماع الانتقادات لحربه التي فشلت في القضاء على قوة "حماس"، أو ردعها، ولا يستطيع أن يفعل غير شيئ واحد وهو الاستجابة لشروط المقاومة كي يخرج نفسه من الورطة التي ورطه فيها "بينت" و"ليبرمان".
ستخرج المقاومة في غزة بمكاسب لا بأس بها؛ وستجبر من يأتي بعد "نتنياهو" على الاستسلام لفكرة عدم الاعتداء عليها؛ وهو ما سيدفع مقاومة غزة إلى الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم؛ وهو ما صرّح به "ليبرمان" الذي أشار وحذر من إعطاء "حماس" أي إنجاز لأنه سيشجع أطراف أخرى، وسيكون ثمن شعور "حماس" بالنصر باهظاً لدولة الاحتلال.
ما سبق يقرّ به ويجمع عليه كثير من كتاب ومحللي دولة الاحتلال؛ من أن الحرب العدوانية قد أدت إلى وضع نجحت فيه "حماس" في تشويش الإستراتيجية الصهيونية للحرب وفرضت على "نتنياهو" إنهاء جولة القتال بالمفاوضات وليس بالردع. وتنهي "حماس" المواجهة الحالية؛ فيما هي تقف على قدميها للتفاوض على شروط وقف النار مقابل الوفد الصهيوني.
ويرى الكاتب الصهيوني اليعيزر (تشايني) مروم في مقال له في صحيفة "معاريف"؛ أن "حكومة نتنياهو بسبب قرارها عدم تعميق عملية الجيش توجد في شرك. من أجل إنهاء وضع القتال، ستضطر الحكومة إلى منح إنجاز ما يعزز حماس ويخرجها من الجولة الحالية مع اعتراف واضح كصاحبة السيادة في غزة وكمن يمكنها أن تتباهى بقدرتها على الوقوف في وجه الجيش الذي لا يقهر. وتفهم حماس بأن "إسرائيل" لن تستأنف العملية البرية وهي تواصل تحدي "إسرائيل" بتنقيطات النار على غلاف غزة".
* إعلامي فلسطيني يقيم في بلدة سلفيت بالضفة الغربية