Menu
فلسطين - غزة °-18 °-18
تردد القناة 10873 v
بنر أعلى الأخبار

عملية الخليل: الاستيطان أولاً.. عاطف أبو سيف

عملية الخليل: الاستيطان أولاً.. عاطف أبو سيف

  سيكون المشهد الفلسطيني الإسرائيلي مختلفاً بشكل كبير بعد عملية أسر المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية ليس من جهة الاجراءات الميدانية الكبيرة التي ستتخذها الحكومة الإسرائيلية والتي ستكون تصاعدية مع مرور الوقت في محاولة لاستباق الزمن،

بل لجهة العلاقة السياسية والتقرير في مصير الكثير من تلك العلاقة الشائكة، خاصة جنوح نتنياهو وبعض أقطاب حزبه لحسم الكثير من القضايا المتعلقة بالمستوطنات التي لم تحسمها المفاوضات، بل كانت سبباً في تسليط الضوء عليها.

لا أحد يعرف كيف ستنتهي قضية الجنود المستوطنين الثلاثة ولا ما هو السيناريو الراجح لنهاية الأمر، وهي بالمناسبة خيارات قليلة لا تفضل أياً منها "إسرائيل"، حيث إن اختطاف هؤلاء المستوطنين هو بحد ذاته السيناريو والكابوس الأسوأ، لكن رغم ذلك فإن المؤكد بأن ثمة أثمانا يجب أن تدفع نتيجة ذلك، خاصة ضمن محاولات استغلال السياقات الجديدة للأزمة والنتائج التي ستترتب عليها.

نتنياهو لا يبدو سعيداً بما حدث حيث إن كابوس جلعاد شاليط يتحقق امام عينه فيما لو نجح الآسرون في إخفاء المستوطنين الثلاثة، وحيث أن الوقت ليس في صالحه في عدم تمكن أجهزة استخباراته ولا جيشه في الكشف عن مكان المخطوفين. وهو يعرف أن كل يوم جديد يمر هو اقتراب أكثر من الواقع الشاليطي الذي سيكون ثمنه هذه المرة أكثر قسوة عليه. بل إن بعض الأصوات بدأت فعلاً في "إسرائيل" تقترح التفكير في قضية إطلاق سراح أسرى مبكراً. أي هو اقتراح بأن تروض "إسرائيل" عقلها وقلبها على فكرة فجّرت عملية "السلام" مع الفلسطينيين، بل إن أبو مازن جعل من تلك القضية – قضية الأسرى في مرتبة لا تقل عن جملة الحقوق الأخرى لأنها جوهر ممارسة الحرية الفردية التي هي قلب الحقوق الجمعية.

مرة أخرى فالإشارة الحمراء في عرض الشارع لا تعني التوقف فقط، بل هي ومضة تفجير الجسر حيث سينهار كل شيء. لن يكون السؤال الكبير حول الفشل الاستخباراتي وعدم نجاعة المعلومات المتوفرة ولا عجز الجيش بطائراته الزنانة وأجهزة مراقبته وقوته الميدانية في الكشف عن المفقودين، إذ أن أي نتيجة لعملية البحث سيكون من الصعب أن تعيد الأمور إلى نصابها قبل الساعة العاشرة من مساء الخميس الماضي.

إن جل النقاش سيكون في مستقبل الاستيطان نفسه في الضفة الغربية وما يمكن أن يقود إليه الوضع الجديد بعد تفاعل الأزمة على الأرض. وهنا لن يكون النقاش إسرائيلياً بحتاً رغم ذلك إذ أن ثمة لدى الفلسطينيين ما يقولونه في ذلك، ليس لأن "إسرائيل" تحمّل السلطة المسؤولية المباشرة عن ذلك، وليس بسبب حملة التصعيد المسعورة على الرئيس أبو مازن التي بدأت مبكراً قبل عملية المستوطنين الثلاثة، وليس لأن الاجراءات الميدانية التصعيدية التي تقوم بها "إسرائيل" ستمس السلطة بشكل مباشر، بل لأن ثمة معركة أخلاقية وقانونية ودبلوماسية لا بد من خوضها.

جانبان مهمان في هذا النقاش. الأول يتعلق بالموقف الفلسطيني وكيف يمكن له أن يوظف ما حدث لصالح النقاش الإخلاقي التفاعلي في العالم حول شرعية الاستيطان والاحتلال ومدى أخلاقية المجتمع الدولي في العالم في صمته على آخر وأبشع عملية إحلال كولونيالي تحدث في عصر تبلغ الحضارة البشرية ذروة كاد بعضهم يقول إن التاريخ سينتهي عندها من قوتها واكتمالها. لقد كان موقف السلطة يصب مباشرة في هذا الإتجاه حين قالت بوضوح على لسان المتحدث باسم الأجهزة الأمنية اللواء الضميري إن السلطة لا علاقة لها بالأمر فهي لا تسيطر على المناطق التي تم أسر المستوطنين منها، وهي تقع بالكامل تحت المسؤولية الأمنية الإسرائيلية. وهذا موقف بحاجة لمتابعة بشكل كبير ويجب بدء العمل على تعميمه على وزارات الخارجية في العالم وممثليات الدول المختلفة لدينا. ليس لأننا بحاجة للدفاع عن أنفسنا بل لأن الماكينة الإعلامية المؤيدة "لإسرائيل" المسنودة من حلفاء كثر ستقدم الأمر أنه اختطاف لشبان ثلاثة أبرياء ولمواطنين كان يسيرون في الطريق. وإن النظر إلى الصور التي ظهرت للمستوطنين الثلاثة والتي يظهر فيها أحدهم يمسك بآلة موسيقية يكشف كيف سيتم ترويج الأمر. وعليه ثمة مسؤولية كبيرة على الفلسطينيين في ذلك.

يمكن للفلسطينيين أن يستخدموا ما حدث من أجل إعادة تسليط الضوء على الإستيطان ومخاطره وأنه السبب الأول والأخطر على مستقبل العلاقات، وأنه برميل البارود الذي سيحرق الأرض تحت أقدام الجميع، وهو وهذا هام أيضاً هو المعيق الأساس لفرص تحقيق "السلام". نتنياهو لن يخرج من الأزمة بلا نصيب. فهو قد يلجأ لاستكمال ما صرّح به ونقل عنه عن نيته ضم الكتل الاستيطانية الكبري وتحقيق فصل كامل مع الفلسطينيين بحيث يقوم من طرف واحد بضم المستوطنات الكبرى وعمل ممرات وأنفاق وجسور ترتق الثقوب المهترئة في قطعة الجبن.

المعركة الميدانية بخصوص عملية الخليل خسرها نتنياهو بمجرد اختفاء الجنود المستوطنين، وأي عملية عسكرية أو إجراءات ليست إلا لتقليل أثر الصدمة وامتصاصها، اما العملية الأهم التي سيقوم بها نتنياهو فستكون سياسية. فهو مطالب بالإجابة على مقترحات الكثيرين من قادة حزبه ومن حلفائه بضرورة ضم المستوطنات وعدم التفكير بضرورة التوصل لتفاهم حول ذلك مع الفلسطينيين. وهي مقترحات ليست بعيدة عن فهمه ووعيه، لكنها كانت دائماً بحاجة لمسوغات وتوقيت. حيث أن خطوات مثل تلك ستعني انهيار التحالف الحكومي الذي تحافظ على وحدته حالة السكون السائدة في المشهد السياسي.

نتنياهو سيسمع من يقول لقد قلنا له إن إطلاق سراح شاليط الغزاوي سيقود إلى "شللاليط" (أيضاً جمع شلوط) كثيرين، وإذا لم يقفز في الإجابة على تلك التعليقات إلى المغامرة السياسية التي ستستهوى اليمين المتطرف خاصة بينيت وترضي أعضاء مركز حزب "الليكود"، فإن الإجابة الميدانية ستعني في النهاية خسارة على جميع الجهات.