بقلم: فاطمة شكر
لم يكن ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي ملفاً عادياً، كان استثنائيًا بامتياز، وكل الوقائع والدلائل والإتصالات والمشاورات والتسريبات كانت تشيرُ الى صعوبة الإتفاق بين لبنان و"اسرائيل" التي ستبقى عدوته رغم ابرام الاتفاق.
وأمام معادلة القوة التي فرضها لبنان دولة مقاومة وشعباً، اضافة الى التعاون بين كل أطيافه، سجل لبنان انتصاراً على "اسرائيل" وأميركا التي ضغطت بكل ما أوتيت من قوة على الجانب اللبناني من أجل تحصيل أهداف العدو الإسرائيلي لكن دون جدوى، ليعود الوسيط الاميركي اموس هوكشتاين الى لبنان تكراراً ومراراً من أجل الضغط على لبنان لمصلحة تمرير ما تريده "إسرائيل" لكن دون جدوى.
الساعات الأخيرة من جولة المفاوضات بين الطرفين كانت على نارٍ مشتعلة، لا معلومات ولا تسريبات، ناهيك بالتكتم التام حول المسودة والملاحظات التي وضعها الطرف اللبناني، والتي رضخت لها "اسرائيل" ورئيس حكومتها دون شك. وفيما تستمر العقبات في المنطقة والإقليم، وتتفاقم يوما بعد يوم نتيجة استمرار العملية الروسية في أوكرانيا، والتدخلات الأميركية والفرنسية ودول اوروبية أخرى للضغط على روسيا، إضافة الى العلاقة المتوترة بين السعودية وادارة بايدن بسبب قرار "اوبك" بخفض انتاجها لمليوني برميل يومياً بدءاً من مطلع الشهر المقبل، وهذا ما اعتبرته الادارة الاميركية يصب في خانة الوقوف في وجهها، لأن قرارها سوف يؤدي الى رفع اسعار المحروقات قبل ايام معدودة من الانتخابات النصفية، وهو ما سيلعب لمصلحة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب و الحزب الجمهوري، لذلك سعت ادارة بايدن الى انجاز ملف الترسيم بين لبنان و"اسرائيل"، وبعد ان اكتمل مشهد القرار السياسي في ما خص اتفاق الترسيم البحري، وبعد أن وقعت الحكومة "الاسرائيلية" عليه بأغلبية موصوفة في "الكنيست" للاطلاع على تفاصيله ليطرح مجددا بعد اسبوعين على حكومة يائير لابيد، وتم نشر مسودة الاتفاق بعد أن كان سريا على العديد من المواقع الإخبارية والصحف السياسية.
إنجاز اتفاق الترسيم نقل لبنان من مرحلةٍ اقتصادية وسياسية ومعيشيةٍ خانقة الى مرحلةٍ جديدةٍ ستدخله حقبةً جديدة وستحوله من دولةٍ فقيرةٍ اقتصاديا الى دولةٍ قادرة، فيما لو قامت الدولة بواجباتها بالشكل الصحيح.
حزب الله الطرف الأساسي والمعني الأول في هذا الملف، و الذي ارعب "اسرائيل"، ومن يقف معها بسبب تهديدات امينه العام السيد حسن نصر الله بتوجيه ضربة عسكرية سوف يقدم له حتما تفاهمات أمنية.
مصدرٌ سياسي أوضح أن اتفاق الترسيم انجز بفعل قوة المقاومة وارادة الدولة اللبنانية التي تكاتفت مع بعضها البعض في وجه العدو، وتابع ان عهد الرئيس ميشال عون سيقطف هذا الإنجاز المصيري ويقابله في ذلك انتخاب رئيس جديد للجمهورية ورئيس للحكومة أولى مهمّاتها إعادة إعمار مؤسسات الدولة المنهارة.
ورغم كل التطمينات حول انجاز ملف الترسيم بين لبنان والعدو الاسرائيلي خرجت اصوات "إسرائيلية" داخلية كادت ان تطيّر اتفاق الترسيم البحري تحت عنوان الضمانات الأمنية في الاتفاق، رغم أن الرئيس الاميركي جو بايدن كان الداعم الفعلي والجدّي لولادة هذا الاتفاق، وهذا ما ترجم فعلياً من خلال الاتصال الذي اجراه بايدن باللرئيس اللبناني ميشال عون وبرئيس الحكومة "الاسرائيلية"، وكانت السفيرة الاميركية دوروثي شيا قد اوضحت خلال مؤتمرها الصحافي أن اتفاق الترسيم سوف يعيد للبنان أنفاسه، وهذا ما تعتبره ادارة بايدن مساراً ضروريا لاعادة استقرار لبنان.
على الجهة "الاسرائيلية"، ضغطت الادارة الاميركية على رئيس الحكومة "الاسرائيلية" يائير لابيد الذي يعاني بسبب وضعه السياسي الداخلي، حيث يعتبر لابيد أن الاتفاق سيؤدي إلى تحسين صورته في الانتخابات المقبلة لا العكس، وبأنّه ضمان أمني للحدود الشمالية، بالمقابل فإن بنيامين نتنياهو سعى إلى نزع الشرعية عن الاتفاق، معتبرا أن "إسرائيل" رضخت وتنازلت لحزب الله.
اتفاق الترسيم الذي انجز، دليلٌ حاسم الى أنّ الاتفاق الاميركي - الايراني بشأن الملف النووي بات قريباً، وهو ينتظر الوقت المناسب لإعلانه، والأرجح أن يكون بعد الانتخابات "الاسرائيلية" والاميركية. وكل المؤشرات تدل على ان الانفراج في لبنان من خلال الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، من المفترض ان يستمر وفق خريطة الطريق المرسومة.
المصدر : صحيفة الديار